منتصبَ القامةِ أمشي !

2012-04-25

آنَ التقيتُ عالية ممدوح في باريس ، مصادفةً ، وعلى غيرِ موعدٍ ، قالت لي بدون مقدّماتٍ . ارفعْ رأسك !
إن لم ترفعْ رأسك الآن ، فلسوف تنحني غداً !
قلتُ : رأيُكِ سليمٌ تماماً ، لكنّ عليّ أن أجد وسيلةً !
فكّرتُ ، وتفكّرتُ ، وأرهقتُ نفسي بحثاً عن وسيلةٍ تحفظني رافعَ الرأسِ ، منتصبَ القامةِ .
أخيراً ، قلتُ لعالية : وجدتُها!
تساءلتْ : أوجدتَها حقّاً ؟
قلتُ : وجدتُها وربِّ الكعبةِ !
*
الأمرُ بسيطٌ :

عليّ أن أقلِّدَ العقيد معمر القذافي .
أن أرخي قلنسوتي إرخاءً على عينيّ ، لتمتنع عليّ الرؤيةُ إنْ لم أرفعْ رأســي .
عليَ أن أرفعَ رأسي لأرى !
هكذا ، سأسيرُ منتصبَ القامةِ
واثقَ الخطوةِ ، أمشي ملكاً !
*
أوّل تطبيقي كان في جادة الشانزليزيه . كان نثيثٌ من مطرٍ خفيفٍ . والباريسيّاتُ لم يفتحنَ مظلاّتهنّ بَعدُ . قلنسوتي
مرخاةٌ على جبهتي ، وعليّ أن أرفعَ رأسي لأرى ما حولي ، ومَن حولي : الباريسيّات بخاصّــة!
كنتُ أمشي منتصبَ القامةِ ، رافعَ الرأس ، وإنْ وجدتُ صعوبةً أوّليّةً في التلاؤمِ مع المُعطى الجديد.
*
أنا مَدِينٌ للعقيد !
حاولَ الرجلُ أن يظلّ منتصبَ القامةِ ، فوجدَ الوسيلةَ الـمُـــثلى في إرخاء قلنسوته العسكرية .
ليته بحثَ عن وسائلَ أجدى لنفسه ولشعبه كي يظل منتصبَ القامةِ مع شعبٍ حُرٍّ !
لكن الغرب الاستعماريّ لن يغفرَ للعقيد حتى رفعةَ الرأسِ المصطنَعة تلك !
الغربُ الاستعماريّ يسحقُ هذه الأمّةَ المنكودة بالقنابل والقنادر ...
حتى الدانيمارك أرسلتْ طائراتِها لتهدمَ طرابلس على رؤوسِ أهلِها
والعقيدُ القذّافي واحدٌ من أبناء هذه الأمّة .
*
سأظلُّ مَديناً للرجلِ برفعة الرأس وانتصابِ القامةِ !

باريس 08.09.2011

 

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved