مرةً أخرى : لِــنَــتَــفادَ الحربَ الأهليةَ

2015-11-10
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a9514f6b-d23a-471c-8cec-d0cb515dc2f7.jpeg
في 19.12.2003 كتبتُ الآتي :
" كنتُ أشرتُ في مادةٍ سابقةٍ إلى ما أسميتُه مفاتيحَ الحرب الأهلية ، المتمثلةَ في تَجَحْفُلِ مسلَّحي الأحزابِ مع قوات الاحتلال ، وقيام هؤلاء المسلحين بعمليات اقتحامٍ ودهمٍ واعتقالٍ ، تنفيذاً لأوامر المحتلين الذين أخضعوا ميليشيات الأحزاب المعيّنة إلى قيادتهم العسكرية ، وكلّفوها ما عجزوا هم عنه : إخضاع الشعب العراقي إلى مشيئتهم . لم أكن أعني في ما عنيتُ ، أوباشَ علاّوي والجلبي الذين جيءَ بهم من وراء الحدود ، إذ أنهم يعتَبَرون جزءاً من القوات الغازية  ، لكني كنتُ أعني العناصرَ المسلّحة لأحزابٍ وتنظيماتٍ كانت ذات دورٍ بارزٍ في المقاومة المسلحة ضد نظام صدّام حسين .
من المؤلم إخراجُ هذه العناصر من محيطها وتاريخها ، ووضعها إزاء مهمّاتٍ غيرِ لائقةٍ بها ، ولا تنسجم مع صفتها الكفاحية وامتداداتها في تاريخ العراق الوطنيّ . "
*
 
إلاّ أن الأنباءَ والتقارير ظلّت تتوالى ، مُذّاكَ ، وتتواترُ ، عن الـتحاقٍ فعليّ ، من تلك الميليشيات ، بالوحدات القتالية الفعلية الأميركية ، في بغدادَ وغربيّ العراق بخاصّةٍ ، والمشاركة في أعمالٍ حربية ضد السكّان هناك . بل قيل في تقاريرَ معيّنةٍ إن هؤلاء المرتزقةَ ، من الأكرادِ ،  أبـلَوا بلاءً " حسناً " في التنكيل بأبناء بلدِهم .
كان هذا كلّــه يَحْدُثُ ، تحت ستارٍ من الصمت البشِــع .
المرتزقة يقاتلون ويَقتلون في صفوف جيش الاحتلال ، بينما زعماؤهم السياسيون صامتون عن الجريمة ، كأنها لم تكُنْ .
أمّا قبل أيامٍ ، ومع الحديث عن إعادة تموضعٍ للقوات الأميركية ، وانسحاباتٍ ممكنة ، فقد شــرع الساسةُ الأكرادُ أمثال محمود عثمان ومسعود البارزاني يتحدّثون علناً ، متمشدقينَ ، بأن البيشمركة الكردية قد تقوم بعملياتٍ أمنيةٍ ، وقتالية " ضد الإرهاب في أي مكانٍ من العراق " كما أعلن مسعود البارزاني أمام البرلمان الكردي قبل أيامٍ معدوداتٍ  .
واضحٌ ، أن الأوامر الأميركية قد صدرت ، بالفعل ، إلى الزعامات الكردية ، لتزجَّ بالمواطنين الأكراد في حربٍ ضد المواطنين العرب ، تنفيذاً لإرادة الاحتلال في تمزيق البلد ، وتفتيت كيانه ، وتنفيذ مجازر جديدة بأيدي البيشمركة الكردية هذه المرة ، كأن المجازر القائمة ليست كافية ، وكأن ثلاثة أرباع المليون من ضحايا الموت العنيف العراقيين ، لم يخففوا شهوة القتل لدى جورج دبليو بوش وجنرالاته وسياسـيّيه وعملائه  .
*
لستُ أدري إنْ كان الساسةُ الأكرادُ لم يقدِّروا ، بعدُ ، أو أنهم لم يقدِّروا ، بإطلاقٍ ، خطورةَ ما يُرادُ  بهم ...
صحيحٌ أن أي حركة قومية ، تحمل معها ، بالضرورة ، بذوراً شوفينيةً .
رأينا هذا الأمر مع الحركة القومية العربية  ، وكيف اندفعت في مقاتلة الأكراد .
لكننا رأينا أيضاً كيف وقف العربُ أيضاً موقفاً آخر :
أنا ، مثلاً ، سُجِنتُ ، لأنني طالبتُ بإيقاف الحرب ضد الأكراد .
الموقفُ المنتظَر من الأوساط السياسية الكردية الأكثر مسؤولية أن تقف ضد ما يريده الأميركيون : الإيقاع إلى الأبد بين العرب والأكراد في العراق .
الموقف المنتظَر هو رفضُ تجحفُلِ البيشمركة مع قوات الاحتلال  ، وتحويلِها من وحداتٍ عسكرية وطنية كرديّة  إلى مرتزقةٍ تحت إمرة الأميركيين المحتلّين .
الموقف المنتظَر هو أن يتمسّك الزعماءُ الأكراد بالمصالح العليا للشعب الكردي ، لا بالمصلحة الآنيّــةِ لإدارة الاحتلال .
والمصلحة العليا للشعب الكردي هي في علائق جوارٍ حسنٍ وقُربى مع العراقيين العرب .
 
 المطمح النبيل ، والمشروع ، للشعب الكرديّ ، هو في نيل استقلاله الحقيقيّ ، لا  في أن تكون أرضُهُ مستعمَرةً جديدةً للولايات المتحدة ،
بقواعدها العسكرية ، واقتصادها التابع ، وعملائها المعششين في المفاصل الرئيسة للإدارة الكردية .
المقاتلون الأكراد مهمّــتُهم التاريخية ، النبيلة ،  هي الدفاعُ عن كردستان المستقلة .
أمّا  زَجُّــهُم في حربٍ طويلةِ الأمدِ ، عجزَ عنها الأميركيون ، فهو خطرٌ ينبغي تلافيه منذ الآن ...


لندن 28.12.2006

* ماذا أقول الآن ...
  ونحن في الثالث والعشرين من  نيسان 2015 ؟

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved