امراة الهند الحديدية\ الف

2016-01-11
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f32b0353-bcf8-4f22-95d6-243c2cfb3102.jpeg
«لا تهمني الحياة الطويلة. لا يخيفني أن أبذل حياتي في خدمة هذا الوطن. إذا متّ اليوم, فإن كل قطرة من دمي سوف تجري لتنشط وتقوي بلدي.» 

اذا كان غاندي مؤسس استقلال الهند, ونهرو واضع ركيزتها الحضارية, فأنديرا تابعت نهجهما, وحاولت ان تُدخل بلادها في عصر التكنولوجيا والعلوم المتقدمة, أو كما قال عنها الأديب الفرنسي أندرية مالرو, إنها نقلت بلادها من أجواء القرن التاسع عشر، الى القرن الحادي والعشرين . 

لقد سعت انديرا غاندي، من أجل ان تنال الهند, الكرامة، بل جعلتها في مقدمة الدول غير المنحازة مع بذل اقصى الجهد، كي تخلصها من مشاكلها الداخلية، وقد ادخلها معارضوا حكمها الى السجن في العام 1977, فخرجت منتصرة لتواجه شعبها بشجاعة. 
 
انها لم تكن إحدى أشهر نساء العالم فحسب، بل كانت واحدة من قلائل القادة غير الغربيين ممن لعبوا دوراً رائداً في السياسة العالمية. فمنذ كانت رئيسة لوزراء الهند لفترة ليست قليلة، امتدت من عام 1966 وحتى يوم مصرعها عام 1984،  فترة توليها رئاسة وزراء الهند، خلفت أثراً كبيراً في ذاكرة وحياة الشعب الهندي، لا يمكن مقارنته ربما إلا بأثر والدها جواهر لال نهرو.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/6459f7bd-7d9e-4aab-8215-c5d9ee967573.jpeg
 وطوال فترة حكمها ظلت وفية لمبدأ القضاء على الامتيازات الخاصة، وإعلاء قيمة الانتماء للدولة فوق الانتماء الطائفي إلى أن سقطت صريعة رصاصات غادرة من بعض السيخ المتطرفين، داخل حرسها الشخصي انتقاما لاقتحام الجيش معبدا مقدسا لهم لتلقى المصير نفسه الذي لقيه ألمهاتما غاندي  قبلها .
 
عاشت إنديرا غاندي أول رئيسة وزراء للهند الحياة السياسية بكل تقلباتها، فكانت على رأس السلطة، تحكم واحدة من أكبر دول العالم تارة، وحبيسة جدران السجون والمعتقلات بعد هزيمة حزبها وانتقام قادة المعارضة منها تارة أخرى. 
 انها المرأة التي خيم ظلها على المشهد السياسي للهند وسياسة حزب المؤتمر الهندي لفترة تزيد على الأربعين سنة، أولا كإبنة لأول رئيس وزراء للهند، جواهر لال نهرو، وثانيا كرئيسة لوزراء الهند ذاتها.
 
 في لحظة تاريخية ولدت انديرا غاندي، حيث اندفعت اليها السلطة والحياة السياسية  منذ لحظة ولادتها، فانها سليلة عائلة غنية تَلَقى أولادها تعليمهم في جامعات هارو واكسبريج في انجلترا، وخصصت لفتياتها مربيات انجليزيات، منحن الاطفال اسماء انجليزية، فوالد انديرا جواهر على سبيل المثال سمي «جو» اما شقيقاته فسمين بـ «نان» و«بتي».
 
عاشت انديرا بداية حياتها كفتاة وحيدة وحساسة إزاء هاجس الموت بسبب اصابتها بداء السل الذي أودى بحياة والدتها عام 1936، وهي لم تكن تبلغ التاسعة عشرة من عمرها. ثم ارسلت إلى إحدى المصحات السويسرية للعلاج فغادرته بعد حين من دون موافقة المسؤولين لكي تقوم برحلة خلال أوروبا التي كانت ممزقة بويلات الحرب، وصولا إلى انجلترا عبر البرتغال، ثم العودة إلى الهند.
 
 وحال عودتها إلى الهند، تفرغت للعمل في حركة الاستقلال وتعرضت للاعتقال لمدة 242 يوما أثناء حركة العصيان المدني عام 1942. وبعد خروجها من السجن، استمرت على نشاطها من أجل اطلاق سراح والدها الذي أفرج عنه عام 1945، حينما بدأت محادثات نقل السلطة .
 
 عام 1942، تزوجت انديرا من فيروز غاندي، على الضد من رغبة عائلتها. وهنالك احتمالات وجود تأثير افكار فيروز مع الأفكار الاشتراكية على فكر انديرا السياسي المبكر. كان لديهما ولدان: راجيف وسانجي، لكن أثناء فترة استقلال الهند عام 1947، انفصل الزوجان وعاشا على انفراد وكأنهما لم يتطلقا. في الخمسينات أصبحت انديرا مشرفة اجتماعية على حياة والدها السياسية النشيطة، ولم تستطع أن تبدأ حياتها الخاصة إلا في أربعينات عمرها، حينما فكرت، ربما، بالانتقال الى انجلترا للعيش بعيدا عن الاحداث السياسية. وفي عام 1960 كاد الزوجان ان يصلحا ما بينهما، لكن نوبة قلبية ألمت بفيروز وأدت إلى موته وانديرا في الثامنة والاربعين من عمرها.
 
 ويبدو أن موت زوجها حررها من إتمام محاولتها الحفاظ على ذلك الزواج، لكنه في الوقت نفسه أدى إلى حدوث فراغ في حياتها العاطفية لم تستطع ملأه إلا بولديها راجيف وسانجي. بعد ذلك، جاء موت والدها نهرو عام 1964، ليحررها من مهمتها كإبنة مطيعة حتى سنوات متأخرة من حياتها، واصبحت قيّمة على إرث غاندي العائلي. ثم فجأة، وجدت نفسها تصعد إلى القمة .
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f56228d9-3667-4e6d-aec8-99335188d2a3.jpeg

ولدت إنديرا بريادار شيني نهرو في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 بمدينة الله آباد في عائلة لها باع طويل بالعمل السياسي حيث كان جدها ووالدها من رموز العمل الوطني ومثَّلا مع ألمهاتما غاندي ثالوثا أسماه الهنود "الثالوث المقدس" كان له فضل كبير في مساعي الهند للحصول على استقلالها من بريطانيا. وشغل والدها جواهر لال نهرو منصب أول رئيس وزراء للهند عقب استقلالها عام 1947.

درست إنديرا في معهد "سانتينيكيتان" الذي أسسه الشاعر الهندي الكبير طاغور وأكملت دراستها في العلوم السياسية في سويسرا، ثم في كلية سومر وجامعة إكسفورد ببريطانيا، وهناك تزوجت عام 1942 فيروز غاندي أحد ناشطي الحركة الوطنية الهندية ورزقت منه بولدين هما سنجاي وراجيف.

تأثرت إنديرا بالزعيم الهندي ألمهاتما غاندي وبخاصة فيما يتعلق بالعمل على الخلاص من الاستعمار البريطاني والاعتماد على النفس في سد احتياجات الشعب والحفاظ على وحدة الهند ورفض الاقتتال الطائفي. ومن شدة تأثرها بغاندي باتت تنسب إليه وأصبح يطلق عليها إنديرا غاندي، ولبست الرداء الهندي المصنوع يدويا من القطن ولم تبال بسخرية أقرانها الصغار في مراحل التعليم الأولى.
وأثرت في إنديرا أيضا أفكار والدها وجهوده السياسية فكانت شخصيتها مزيجا من روحانية النساك وواقعية رجال الدولة.
وكانت إنديرا من أكثر الكارهين للتعصب الديني والطائفي حتى إنها سقطت صريعة بسبب وفائها لهذا المبدأ .
 
كرست إنديرا معظم حياتها لوحدة الهند الوطنية وإخراجها من التقاليد البالية والانقسامات الاجتماعية المولّدة للعنف، كما عرفت كيف تحافظ على استقلال الهند في عالم يتميز بهيمنة الكبار على كل تفاصيل العلاقات الدولية، فقد كانت حليفا صعبا للسوفيات وخصما عنيدا للأميركان وعدوا لدودا لباكستان، ولكنها في الوقت نفسه عرفت كيف تتمسك بحركة عدم الانحياز واقامة علاقات حميمة مع العالم العربي ورفضها باستمرار ومبدئية الاعتراف بإسرائيل.

اشتغلت إنديرا بالعمل السياسي منذ وقت مبكر من حياتها، وتمرست على تقلبات الحياة السياسية، ففي عام 1942 ( أي في العام الذي تزوجت فيه ) اعتقلت هي وزوجها بتهمتي التخريب ومناهضة السياسة الاستعمارية فقضى الاثنان في السجن 13 شهرا.
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/bf48aa94-efc4-4d68-913c-5e1d70b654b3.jpeg
بعد تولي والدها رئاسة الوزراء أصبحت إنديرا المساعد الرئيسي له وكانت بمثابة مديرة لمكتبه، وصحبته في معظم رحلاته الداخلية والخارجية وبخاصة الرحلات التاريخية إلى الصين والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
وحاولت احتواء بذور الفتنة الطائفية بين الهندوس والمسلمين وبذلت جهدها لمنع انفصال باكستان عن الهند لكن الرغبة في الانفصال كانت أقوى منها.

انتخبت في عام 1959 بعد وفاة زوجها رئيسة لحزب المؤتمر لمدة عام واحد، وعلى الرغم من قصر تلك المدة فإن جهودها أسفرت عن تطهير الحزب من قياداته البيرقراطية وإدخال دماء جديدة إلى صفوفه ونجحت في إضعاف الحزب الشيوعي الهندي في أهم حصونه داخل ولاية "كيرلا" وذلك بفوز حزب المؤتمر هناك عام 1957.

كلفت إنديرا الإشراف على إستراتيجية الدفاع الوطني عام 1962 عندما تصاعدت حدة الخلافات من جديد بين الهند وباكستان على كشمير.

مثلت إنديرا بلادها في منظمتي اليونسكو واليونيسيف في باريس عام 1964 لكنها سرعان ما استدعيت إلى الهند مرة أخرى بسبب تدهور الحالة الصحية لوالدها ومارست مهام رئاسة الوزراء بالوكالة.

طلب رئيس الوزراء الجديد لال بهادور شاستري الذي خلف نهرو عام 1946 من إنديرا تولي حقيبة وزارة الخارجية لكنها رفضت مفضلة وزارة الإعلام، وزادت من نشاطها في مجلس ممثلي الولايات الهندية الذي يعتبر المركز الحقيقي للسلطة في البلاد، وكان من أهم إنجازاتها في وزارة الإعلام تمكين المعارضة من عرض وجهات نظرهم في الإذاعة والتلفزيون .

جاءت الوفاة المفاجئة لرئيس وزراء الهند شاستري في يناير/ كانون الثاني 1966 في العاصمة الأوزبكية طشقند أثناء حضوره مؤتمرا للنزاع على كشمير برعاية الاتحاد السوفياتي لتمهد الطريق أمام تولي إنديرا رئاسة الوزراء، واختيرت إنديرا غاندي لتولي منصب رئيس الوزراء، وفي عام 1967 قرر الحزب إعادة ترشيحها.

اندلعت صراعات داخلية بين بعض رموز حزب المؤتمر بغية الفوز بمنصب رئيس الوزراء، وقد أدت هذه الصراعات إلى انقسام الحزب إلى قسمين: حزب المؤتمر O أي التنظيم (Organization)
 وحزب المؤتمر R أي الحكم (Ruling) بقيادة إنديرا، واستطاعت إنديرا الصمود أمام هذه العاصفة الجديدة بتحالفها مع التيارات اليسارية داخل البرلمان واستمر هذا الوضع مدة عام .

رفض البرلمان الهندي إدخال تعديل على الدستور يسمح بإلغاء الامتيازات والنفقات التي تدفعها الحكومة للأمراء، وقد تجاوزت إنديرا هذا الرفض فاستصدرت مرسوما رئاسيا يسمح بإصدار مثل هذا القانون، وعندما أعلنت المحكمة الدستورية العليا عدم دستورية هذا القانون رفعت المعارضة شعار "اطردوا إنديرا" فردت عليهم بشعار "اطردوا الفقر" مما أكسبها تأييد الجماهير الشعبية التي صوتت بكثافة لمرشحي حزب المؤتمر ( جناح إنديرا )، ونجح مؤيدوها بـ350 نائبا من أصل 515 مما سمح لها بتنفيذ العديد من الإصلاحات الاجتماعية والدستورية والاقتصادية التي كانت تخطط لها لتحديث الهند.

كانت إنديرا غاندي تعتبر علاقتها بالاتحاد السوفياتي علاقة إستراتيجية تكللت في 9 أغسطس/ آب 1971 بتوقيع معاهدة للصداقة والتعاون تمهيدا للدخول في الحرب الثالثة مع باكستان التي كانت تربطها بالولايات المتحدة علاقات مميزة.

قادت إنديرا الهند في حربها مع باكستان عام 1971 وذلك بعد أن أعطت أوامرها إلى الجيش الهندي بدخول باكستان الشرقية لدعم الانفصاليين هناك، وقد حقق الجيش الهندي انتصارا كبيرا على نظيره الباكستاني وكان من أهم نتائج هذه الحرب انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وإنشاء كيان سياسي جديد موالي للهند هو بنغلاديش. وقد رفع هذا الانتصار شعبية إنديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين.

ضرب الجفاف مساحات شاسعة من الهند، قلت على أثره المحاصيل الزراعية، وارتفعت أسعار المواد الأولية، وعلى رأسها النفط ودخلت البلاد في حالة من التضخم والفساد المالي والإداري، ساعد على بروز أصوات المعارضة بقوة، وهو الأمر الذي حدا برئيسة الوزراء إنديرا غاندي إلى إعلان حالة الطوارئ في 26 يونيو/ حزيران 1975 مبررة ذلك بضرورة تنفيذ برنامج طموح من الإصلاحات الجذرية. وبموجب حالة الطوارئ هذا زجت حكومة إنديرا بأبرز زعماء المعارضة البرلمانية في السجن وفرضت الرقابة على الصحف وعلقت الحريات الدستورية. ونتيجة لكل ذلك كان من الطبيعي أن تتهاوى شعبيتها ويخسر حزبها في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 1977 أمام تكتل المعارضة "جناتا بارتي" وتخسر هي نفسها مقعدها في البرلمان.

كان ابنها سنجاي من القلائل الذين شجعوا إنديرا على الاستمرار في الحياة السياسية الهندية عند هزيمتها عام 1977 وساعدها في تجديد قيادات الحزب عام 1978 وأصبح أحد الأمناء العامين وتمكن بهذه الصفة من إقصاء معظم الوزراء والحزبيين المتورطين في ارتكاب تجاوزات ولم يتردد في شق الحزب عام 1978 وتشكيل حزب جديد عرف باسم حزب المؤتمر نسبة إلى إنديرا. ولكنه لم يقدر له أن يتمتع بثمرات انتصاره إذ لقي حتفه في حادث طائرة شراعية بعد شهر من عودة والدته إلى الحكم تاركا المجال مفتوحا أمام خلافة والدته وذلك قبل أن تقنع هذه الأخيرة ابنها الأكبر راجيف بالانخراط في معترك السياسة تمهيدا لخلافتها.

احتج بعض زعماء السيخ المتشددين على بعض سياسات إنديرا واعتصموا في أحد معابدهم المقدسة ( معبد الشمس ) وطالبوا باستقالتها، ولما امتنعوا عن الاستجابة لمناشدتها بفض الاعتصام وعدم إثارة الرأي العام أو النعرات الطائفية أعطت أوامرها للجيش باقتحام المعبد والقضاء على المعتصمين وعلى رأسهم سانت بيندرانوال مما أثار حفيظة بقية السيخ . في هذه الأثناء رفضت إنديرا تغيير حرسها الشخصي المكون من الضباط السيخ معتبرة أنه يجب أن لا يؤخذ الأبرياء بجريرة المذنبين على حد وصفها، لكنها لم تكن موفقة في هذا الرأي فقد تغلب التعصب الطائفي على الواجب القومي فسقطت إنديرا صريعة برصاصات قاتلة أطلقها عليها حرسها الشخصي صبيحة يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1984 فودعت الحياة السياسية عن عمر يناهز 67 عاما.



عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved