الآن يستيقظ النائم على منبه الموبايل، الذي ألغى الكثير من آلة الزمن: الساعة اليدوية/ الساعة المنضدية، التي توقظنا بتوقيت نريده..
الموبايل الذي لاتنافسه حتى كاميرات مخصصة للحاسوب ومن المؤكد ان الحاسوب سينتصر الى الموبايل، وهو يضيفه الى اللوائح الالكترونية..
يبدو ان مايريده أستاذ علم الكومبيوتر والنظم المركبة في جامعة برانديس( جوردان .ب. بولاك) في أبحاثه حول تخليق التركيب البيولوجي ضمن هندسة البرمجيات ، هذا التخليق الذي صار الآن في متناول الأيدي تقريبا....
هذه الذاكرة التقنية،لستُ ضدها وفي الوقت نفسه لاتجعلني أفرمت ذاكرتي الطبيعية،ليس لأني مثل المليارات من البشر الذي يقطنون في
(تثبيات السعادة) حيث الحنين الى مامضى.. بل لأن الأمر يحتاج الى فاصلة وقت، حتى تتخلص ذاكرتي من القوة الطاردة..
أقول كل ذلك كلما اخذت اترصد ساعة الموبايل وأنا أقرأ في (الأشارات الإلهية) للتوحيدي..فجأة تتعالى دقات طبل وأصوات صبية أعرفهم يدعون النيام الى يقظة لتناول وجبة السحور..فأوقظ عائلتي..ثم اشاركهم في تحضير المائدة..يداي تشتغلان وذاكرتي تغطس في حوض ماء طهور من اسمائه الطفولة، يومها لاأعرف قارع طبل السحور.. ولم أر طبله..لكن صوت الطبلة يعلن انها تنكة دهن فارغة.. وان العصا قطعة (بوري)... وان صوت القارع صوت ممراح يجعلني أصغي مبتسما..
وحين أسأل أمي أو أبي : من قارع طبل السحور؟
يكتفيان بالأبتسامة...تشجيعا لي لمعرفته معتمدا على شطارتي..
وحين أستعين بأخوتي، كان كل واحد منهم يرجمني بعشرة اسماء!!
لكن كل شيء سيتضح مع أول أيام العيد.. حين يتجول قارع الطبل عازفا بذات تنكة الدهن الفارغة، وبقطعة البوري.. ويجعل العزف عاليا، كلما وقف على عتبة بيت من بيوتنا.. حينها أهرع لأمي مبتسما، هاتفا باسم قارع الطبل : قدوري...قدوري العربنجي..
..............................................
الآن وبعد كل هذه السنوات المتعرجة...كلما عزف قارع طبل السحور أستعيد (قدوري العربنجي)..ب أبتسامته الكادحة، وقميصه الابيض المستهلك لكن النظيف دائما وبنطاله الخاكي وحذاءه الكتان الابيض...قدوري قدوري الساكن وحده في غرفة أستأجرها عند أمرأة مسنة، يدخل البيت ويغادره دون ان ينظر الى الاعلى.. قدوري الذي في 14 رمضان ولأول مرة في حياته تظاهر مع البصريين والبصريات أمام مبنى محافظة البصرة،هاتفا باسم الزعيم الركن عبد الكريم قاسم..
الآن مع وقت السحور وانا اسمع دقات الطبل..أرى قدوري يدق على الطبل بيد وباليد الثانية يرفع عاليا صورة ملونة للزعيم الركن عبد الكريم قاسم
*طريق الشعب/ 17/ تموز/ 2013