لستُ ضد سيل الإصدارات الشعرية والروائية والقصصية، وحده السيء التفكير أو العقيم أدبيا من يفعل ذلك، لكن ما أراه هو إنتشار ظاهرة الاطفال الخدّج أدبيا وكذلك النصوص المنغولية : ثمة مطبوعات : هي من ثمرات لم يحن قطافها !! صاحب الثمرة لم يفكر بغير طباعة كتابه وهو فرحان بذلك لكن أستأثر بالفرحة له ولمن حواليه فقط ولمن ورطه بالطباعة وأهدر أمكانيته الاقتصادية وحرمنا من الفرح به وله، من أغوى كلا الجنسين بقصيدة النثر ؟ ولماذا هذا الفهم الساذج بسهولة كتابة قصيدة النثر ؟! من خلال خبرتي الشعرية، أرى أصعب الأجناس الشعرية هي قصيدة النثر، فأنت بالعمود الشعري لديك الدليل التاريخي العريق العظيم : مستفعلٌ فاعلٌ فعول مفاعيل .. ألخ أعني بحور الشعر، وهذا لايعني أن القصيدة العمودية سهلة، لكنها تضع بين يديك كل ماتحتاجه للكتابة : الوزن والإيقاع والزحاف والخبن والمجزوء.. إلخ.. لكن ماذا لديك حين تكتب قصيدة النثر ؟ هل تعتبر سهولة الكتابة هي كل شيء ؟ ليكن... لكن أنت في حضرة السهل الممتنع، وإذا اكتفيت بسهولة الكتابة، فأكتب وأكتب وأكتب فستكون كتابتك مثل حكاية لاتنتهي ولايكترث لها أحد . وتجعلك من الواقفين في ركضهم . وهل الرواية مجرد تسفيط كلام فوق كلام : كلام عن المفخخات، كلام عن سبايا الموصل، كلام عن بطولات أولادنا في الحشد الشعبي .. ماتتناوله لا إعتراض عليه، بل لابد من تناوله روائيا ليكن ذخرا ثمينا للأجيال .. أما مايكتب الآن فهو يستلقي فوق سطح المكتب وبسرعة التناول الصحفي للحدث !! لستُ ضد الاستفادة من اساليب الصحافة، همنغواي، كان من الماهرين في توظيف الاسلوب الصحفي في طبقات نصه الروائي اللذيذ / العميق . في همنغواي انتصر الروائي على المراسل الحربي لكن الذي يجري الآن ان الكتابة الاعلامية فتحت مروحتها على السرعة القصوى في الفضاء الروائي، ومما زاد من هذه السرعة : حامل الطبل ونافخ البوق وضارب الصنج الذين استسهلوا الكتابة النقدية بتوقيت استسهال كتابة الرواية وقصيدة النثر والقصص القصيرة جدا .. هنا تذكرت ُ تشارلز بوكوفسكي في أحدى قصائده :
( أرى أنني صنعت ُ الكثير من الشعراء
لكن ليس الكثير
من الشعر )
والكثير من الروائيين والروائييات .
لكن أين هي الرواية الرواية ؟!