أمواج

2010-04-20

إستيقضت الأًم من نومها على حُلم غير منتظر طاف بها ؛ حيث أنها فَزِعتْ منه ؛ بأنَّ بحراً يتلاطم عبر إمتداد البصر ؛ ويأخذ بتلابيبها رغم أنفها مع أنها ثابتة في مكانها منذ زمن بعيد.
سيطر عليها نوع من الخوف المجهول والفزع المهول مما لا يمكنها تعليله أو شرحه مع نفسها؛ ولكنها معجبة بهذا الحُلم الساحر . فالبحر الأزرق يسطع في لجج مقلتيها وفي السماء الزرقاء تتراكض عبر مساحاتها الواسعة غيوم تبرق وفيها سحب تتلألأ أحياناً كالثريا قبل أن تتغير ويذوي بعض برقها ؛ ثم تتبدل بعد فترة من تحركها لتبدو بتكوينات فنية ملفتة للناظر لها بجدية ؛ وتتخللها سحب بيضاء ؛ تصارع أجزائها غيوم تتماوج بدرجات لونية مختلفة ؛ حتى يبدو سوادها داكنا محملا بوابل من مطر قادم لا يعرف عنه خيرا ؛ فموسم الحصاد عند الزراع يحتاج لصفاء السماء وإمكانية العمل بلا معوقات ؛ كل ذلك ينعكس بصفاء عجيب على زرقة سطح مياه البحر بأمواجه خلال المد والجزر كانت تتأمل هذا المنظر الساحر وتسرح فيه كحُلم اليقظة ويرتعش جسدها في النوم محاكياً تلاطم أمواج البحر؛ كأنها تحاكي أبعاد مشاعرها وهي في مأزق .
فَزِعتْ من النوم على صوت شخير غريب رنَّ في أذنها ؛ وعائلتها تسبح بنوم عميق ؛ لا تعرف ما يدور في أحلام نومهم وانفعالات مشاعرهم في أحلام النوم ؛ فهي لا تستطيع معرفتها إلأ من خلال أحاديثهم بعد اليقظة ؛ فالحديث جزء للمعرفة وهما جزءآن صغيران من العِلم ؛ والعِلم بحر يمتد في كل جانب محيط بالكون والإنسان يُرافقه أينما حلَّ وطلَّ ؛ من زمن ولادته حتى رقاده في رمسه الأرضي ؛ ويستمر العِلم يبحر بنا بكشوفات عجيبة غريبة يزودنا بالمعارف والخبرات ويفضح نفوس البشر وأنواع الحيوان ومزايا قيمة الصخر ومنافع الشجر وعبث الجاهل في مواقف الضرر ؛ كل ذلك يتفاعل بنا أثناء التعامل برغبة النفع أو لحاجة تُنتظر؛ بأهداف يراد لها يوماً مستقر.
سألتْ نفسها يوماً : متى ولدت ؟ وفي أيِّ مكان أكون ؟ وأسئلة أُخرى تخترق ذاكرتها بهدوء لتختفي بسرعة ! فإذا بها لم تعرف بالضبط ! لأنَّ أيام ولادتها لم تكتب سجلات ولم تنتشر مدارس إلأ ما ندر ؛ كانت الحياة بسيطة مقتصرة على الحي الصغير في مدينتها التي لها إسم ما في ذاكرة العارفين ؛ ولها موقع ما في خارطة الدنيا ؛ وهذا لم يكن يهمها إلأ الحفاظ على عادات محيطها المتعارف عليه عبر الأجداد الأحباب. هيَّ لم تسافر يوماً قط في البر والبحر والجو لعدم إمتلاك عائلتها المال الكافي سوى قوت اليوم وبعض أيام الإسبوع ؛ وكانت قنوعة سعيدة بما قسم الله لها ولأحفادها من عيش مستور ورزق طيب قليل مبرور؛ حيث قيَّضَ الله لها عمرا أطول بكثير من أقرانها في العائلة والحي فإمتد عبر المائة سنة ؛ وما زالت تمتلك قوة الذاكرة وتسرد أحلام النوم ؛ فحمدت الله كثيرا لإنجابها أطفالا ترعرعوا في ظلِّها فأنجبوا وكبر أطفالهم ؛ وكبروا وأنجبوا ؛ فكلما جاء مولود في عائلتها أو عند جيرانها أو في الحي تفرح وتهلل وتًكبر في أُذنه ثمَّ تهمس ما لم يفهمه الآخرون إلأ هذا القول : " بسم الله والحمد لله اللهم إستر هذا المولود من كل الأمواج " . ويوماً سمع أحد الآباء هذا الهمس فسألها بفضول : ماذا تعنين ياجدتنا ؟ وهل يفهمكِ المولود ؟ فأجابته بهدوء العارفة الصامتة :" لما يكبر سيختلط بالناس والأحوال سيركب البحر" فقال لها : بلادنا بعيدة عن البحر أغلبها صحراء ! فجاء جوابها : مشاعرك لا تستطيع التفسير للأحداث المبهمة ! " أطلَّت يوماُ من نافذة شباك بيتها القديم المحاذي لساحة تجمع الناس في السوق ؛ فرأت أناسا ذوو بشرة لم تشاهدها سابقا ولهم ملابس عجيبة ولغاتهم غريبة يسرحون ويمرحون كما يشاؤون ؛ فلاحت لها بعض وجوه أهل الحي متقلدون بملابس مزركشة ويتحدثون بعبارات منمقة تختلف كثيرا عما ترعرعت فيه ؛ وما ربتْ أولادها عليه . ورأت الهرج والمرج يدب بينهم بين الحين والآخر في الأحاديث الكثيفة والمعاملات الحديثة؛ فيتصارخون كما لو أنهم يتناطحون بقرون الحيوانات البرية ولكن بملابس جميلة يقال عنها أنها حضارية ؛ يبدوا أنهم يتنافسون على اللعب بأهداف عديدة ! فنزلت عن نافذة شباكها بخطوات ثقيلة ونفس حزينة ؛ فأخذت تهمس مع نفسها بصوت أعلى : " لقد تغيرت صورة البحر ؛ وحلت بنا أمواج غريبة والسماء تمطر علينا رذاذاً يلسع أجسادنا ؛ وكثير من أهل الحي يموجون في بحر مشاكلهم اليومية ؛ ولم تنس ذلك الحُلم .

 سويسرا- بيل

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved