1-2
هذه الرواية في أحدى مستوياتها رواية صوتية أعني مشيّدة على مؤثرية الصوت بنوعيه البراني / الجواني .. الاول مشحون بالقسوة / الثاني يأتي بصيغة سؤال .. تبدأ الرواية بمصد تقني للصوت .. ( حبيتي دينا : حاولت الاتصال بك كثيراً لكن هاتفك مغلق ../11 ) لقد حاولت عايدة توصيل صوتها لصديقتتها لديها ماهو هام جدا تريد عايدة بثه صوتيا لصديقتها.. ( شيء ماحدث هذا الصباح.. شيء لاأفهمه..عمي الذي لم أره سوى مرات ثلاث في هذا البيت.. حضر هذا الصباح وسيأخذني معه الآن الى بيته في المنصورة.. ) وحين تفشل كل المحاولات . ستثبّت صوتها في سردية صغرى بصيغة رسالة مكتوبة بخط اليد وتضعها تحت باب دينا لتجدها بعد عودتها وتعدها بصوتها ( وأحادثك عندما أصل الى المنصورة.. ).. في رسالة عايدة اعلان عن صوت جماعي قسوته غامضة ( طلبوا مني إعداد حقائبي وجمع ملابسي كلها.. ) يليه ذلك صوت بارد كجثة ( ماما هدى لم تفاجأ بحضوره كما أخبرتني ) إذاً الإخبار الهادى يعني، ثم تبادل صوتي بين هدى وطلعت عم عايدة وهناك لاصوت ايضا ( بابا منعم لم يقل حرفاً واحداً ).. وهناك صوت عايدة المؤجل ( سأحادثك عندما أفهم شيئا.. 12 )..
(*)
وهناك صوت مقموع يتجسد في الطفل آدم حين تعيده امه ماري الانكليزية الى ابيه وهو يرفض ولده ( فتحت عايدة عينيها في جنون لايصدق .. وعادت تنظر الى الصغير في ذهول.. إنه ساكن .. لم يفتح شفتيه بكلمة واحدة.. مستسلم .. ترك نفسه ليتقاذفوه جميعا.. وخطت به في هدوء لتجلسه على الاريكة السوداء، وجلست الى جواره وهي تنتفض../153 ).. هنا عايدة.. دافعت عن نفسها من خلال آدم الذي صار مرآتها.. ( لم تعد ترى شيئاً..لم تعد ترى صلاح أو حتى الصغير.. كل ماكانت تراه عيناها هي صورتها يوم أخذها عمها طلعت الى هدى.. كانت ترى صورتها يوم خلعت عنها هدى ملابسها، ووقفت تغسل شعرها وجسدها.../ 153 ).. وهي تعلن عن ذلك حين تسرد صوتها في رسالة الكترونية الى هاشم ودينا ( الآن فقط علمت أن حضوري الى لندن كان له سبب كبير.. الآن فقط أدركت أن زواجي من صلاح كان سبب كبير .. بل علمت أن موت أمي وأبي ربما كان له نفس السبب . جئت هنا لأنقذ طفلاً كما أنقذتني ماما هدى يوماً من قسوة شلبية وضعف عمي طلعت.. أنا جئت هنا لأنقذ طفلاً من قسوة أمه وغباء صلاح أبيه .. / 159).. وبالتراسل المرآوي نفسه ستكون العلاقة بين توني وعايدة منذ بدأ التعارف وحتى وهي على سرير العمليات .. ( كان جسدها ينتفض في جنون بين أصابعه من جراء الحمى، لم يكن يراها بوضوح.. كل ماكان يراه هو وجه سيلفيا أبنته، التي ماتت هي الأخرى بين ذراعيه عقب ولادتها لبيتر .. وأقترب فيليب أحد الاطباء منه ليقول في أدب وتصميم : سير من فضلك أنا حاتعامل مع الحالة.. أنت محتاج تهدأ.. وصاح توني قائلا: سيلفيا مش حتموت.. مش حتموت../311 ).. وصوت توني هنا لايخاطب عايدة كعايدة بل يخاطبها بأعتبارها ابنته سليفيا
(*)
صوت صلاح يتقن الزعيق والصراخ.. صوت وقح .. وسيكون صوت أفك يفترى يتسبب في تحطيم عائلة وموت إمرأة مسنة وتدمير شاب ونسف آصرة ..
(*)
صوت مدير مدرسة في التلفون يقلقها.. ( التقطت سماعة الهاتف لتشهق بعدها وفي ذعر أغلقت خط الهاتف وألتفتت تنظر الى شودري صاحب المقهى العجوز ترجوه أن يسمح لها بالانصراف ../ 161 )الصوت لم تسمعه سوى عايدة ولن تصل شفرته الى القارىء إلاّ حين تصحبه عايدة الى غرفة المدير فيعرفه القارى من كلام المدير الى عايدة انه آدم يعتدي الطلاب عليه بالضرب والسبب الحقيقي هو الفارق الطبقي : آدم كان يداوم في ( مدرسة أكستر ديفن ودي منطقة راقية وهادية يعني حتى الولاد فيها نوعية تانية تماماً غير اللي عندنا.. /163 )
(*)
لاصوت بين عايدة وأصوات أهالي حي ناين ألمز ( لاتتحدث الى أحد في الحي، بل تكتفي بالقاء تحية هادئة على من بدأت تألف وجوههم.. /171 ).. لكنها وهي تجلس على تلك الاريكة في الشارع بأنتظار عودة آدم من المدرسة، تقلق على تأخر رجل لاتعرفه سيلقي عليها التحية ويجلس على الاريكة الملاصقة لأريكتها..( هل تريد أن تطمئن على رجل، لم تسمع حتى صوته في كلمات أكثر من التحية الصغيرة، التي يلقيها على أذنيها، كلما جاء يجلس على المقعد الملاصق لمقعدها هي حتى لاتعرف ملامحه جيدا / 173).. علاقتها في مصر عبر صوت مسرود عبر شاشة الحاسوب .. ( كل يوم تكتب الى هاشم ودينا .. /171 ) ( هدى تحادثها على هاتفها كل عدة أيام هي ومنعم .. هاشم لايفعل ../171 ) وحده هاشم من رأى في صوتها وجع حياتها اللندنية . صوتها بلسانها وصوتها برسائلها.. ( أنه يرى دمعا في صوتها.. أخبرها أنه يسمع دمعاً في حروفها كلما حادثها../172 ).. حين يعود آدم ويحدثها وهما في الطريق انه معلم الفصل طلب منه ان يقرأ الموضوع الذي كتبه وكيف لاقى الموضوع مديح المعلم امام التلاميذ وأخبرهم ان هذا هو أفضل موضوع قرأه منذ أعوام ثم تخبره عايدة فنعرف منها ( طول عمري بافكر اكتب رواية../176 ) .. وحين تسأله عايدة ( هو الموضوع كان عن أيه؟ أبتسم الصغير ابتسامة صغيرة قائلاَ : عن أكتر شخصية بتحبها وليه.. ) وحين تسأله عايدة عن الشخصية التي يحبها ولماذا يحبها يكون لصوت آدم وهو يجيبها شحنة جديدة .. شحنة غير قابلة للتصديق ( كتبت عنك ياعايدة . ) هنا تتعطل عايدة صوتيا .. تتوقف عن المشي تكذب أذنيها وتنتبه لعينيّ آدم ( توقفت عن السير ..لم تصدق أذنيها.. لم تكن تعلم أبداً أن عينيه بدأت تراها وتشعر بها.. لم تصدق أبداً أنه كتب عنها ) ثم يأتي صوت آدم مبللا بالدمع : ويقول بصوت دامع ( لأنك عرفت ِ تخليني أحبك /177 ) ..
(*)
صوت نجوى أم دينا صوت مبثوث من عطل فسلجي دماغي : صوت منخور بالزهايمر، نجوى لاتتذكر ان دينا زوجة حسن وانها حامل والقارىء سيكتشف عن ذلك من خلال صوت دينا المبثوث في رسالتها الالكترونية الى عايدة ..( كلما رأتني أمي أتجول أمامها، سألتني في جنون كيف أصبحت حاملا../178 ) صوت الزهايمر المبثوث من نجوى له مؤثريته جماعية موجعة ..( طنط هدى وهاشم وانكل منعم وماما وحسن جميعا في قلوبنا غصة وفي عروقنا../ 178) حين حالة الزهايمر تبوح نجوى لهدى بألمها الدفين .. تبوح بصوت ٍ خال من الزهايمر ( حتى حفيدي نسيته.. جوز بنتي مش عارفاه.. طيب وبعدين ياهدى ..حيجي يوم ما أعرفكيش وما أعرفش دينا.. حيجي يوم ما أعرفش أنا مين ؟../ 182) صوت نجوى وهي تبوح سيؤدي الى فعل استباقي لدى تلقي هدى فتكلم نفسها بصوت جواني / صوت كاتم.. ( ستمضي الايام .. ستمضي الاعوام ولكن هل تكون هدى بكامل وعيها عندما يصبح لهاشم ابن مثل الصغير .. ليس الموت مايخيفها.. هدى أحياناً تخشى أن يصيبها الزهايمر، كالذي أصاب نجوى فتصبح بلا ماض أو ذكريات ../183 ).. كقارىء سأعود الى ص12 من الرواية في السطر التالي ثمة خلية موقوته لن تتشظى وتعلن إلاّ في ص178 أعني اصابت نجوى بالزهايمر تخاطب نجوى ابنتها حول الرسالة التي كتبتها عايدة الى نجوى ( ياخبر يادنيا..أنا نسيت.. كان في ظرف عشانك تحت الباب لقيته الصبح../ 21) يفترض.. يثير ذلك فضول دينا؟ قلقها..؟ في الاقل تسأل امها مَن المرسل؟ ..دينا لم تنتج صوتا بل استعملت الايماءة كشفرة مفتوحة ذات تداولية مجتمعية ( أبتسمت دينا وهي تلوح لها وتهز رأسها../22 ) وهذا يعني لاورق ولارسائل على الارض تهمها الآن !! وهنا يتساءل القارى حسب عبدالله بن المقفع ( ان سوء الظن من الفطن ).. ماذا قالت دينا لنفسها ؟ هل هذا الرسالة بحكم العاطلة وانتهى دور اي رسالة مادامها مع حبيبها وستكون معه وبين ذراعيه بيقين مطلق !!
(*)
حركة هاشم محكومة بصوت هدى، لذا فهو يعود للبيت في الثامنة مساء ورغم ذلك ينتظره صوت هدى دائما ( اتأخرت ياهاشم وحشتني ياحبيبي ../23 ) وحياة ايضا محكومة بهذا فهي التي كلمت طلعت عم عايدة لتهجّرها من بيتها الى قيمومته عليها .. صوت هدى : تنساب انسانيته من فلتر طبقتها الاجتماعية المتعالية في يوم تهجير عايدة سيكذب صوت هدى ابنها وهي تجيب ولدها على اسئلته بخصوص عايدة : وسأقوم بتنضيد كذبات هدى :
*دينا اخذت عايدة ..تلاقيها عايزة تاخذ رأيها في طريقة فرش البيت
*أكيد عايدة اتغدت ياهاشم ..أكيد
كذبات هدى استفزت زوجها وعبر عن ذلك علاماتيا وصوتيا.. ( ألقى منعم بالشوكة في صحنه وهو ينظر الى وجه زوجته كأنه يلومها ثم نهض قائلا : ماليش نفس آكل.. أنا نازل المكتب ../27 ).. لكن الأبن المدلل الذي ليس له اصدقاء سوى عايدة وصديقتها دينا وزوجها حسن الطالب الجامعي هاشم الذي وحده يعود الى بيتهم خلافاً لأصدقاءه الذين ( لايعودون الى منازلهم فور انتهائهم من اليوم الدراسي../23 )..هذا الهاشم لم يؤول مغادرة والده لمائدة الطعام.. بل انطلق يتحدث عن سعادته ضمن الفضاء العمودي المغلق عليه وعلى دينا وحسن وعايدة وأمه وصديقة عمرها طنط نجوى وبعد ان انتهى الحكي نقل صوته من المنولوج الى الديالوج وكلاهما يتماهيا بحضورات عايدة الانقى والأرق عايدة التي سيكون بمثابة حارسها الخاص اذا اشتغلت يأخذها الى دوامها ويمر بها ليعيدها من دوامها الى البيت وينتقل هاشم الى الصوت /الديالوج مخاطبا أمه ( لأ..أنا حاروح أجيب عايدة ..كلنا مش عارفين ناكل من غيرها ../ 29) ولأن بين الكذب والصدق أربعة أصابع، أضطرت الأم هدى ان يكون صوتها صادقا (عايدة مش راجعة..هي مش عند دينا..عايدة مشيت ../29 ) صوت هدى انتج ارتطاما مدويا لدى هاشم.. ( لم يفهم شيئا لكنه جلس على مقعده مرة أخرى، قائلا في ذهول :مشيت ؟ راحت فين ؟!../29 ) وحين تخبره أمه انها لن تعود ترصد مؤثرية كلماتها التي شفطت عافية وجه ابنها
( رفعت الام عينيها لتنظر الى وجهه الشاحب ../29 ).. هدى االعاقر برغبتها تبنت الطفلة اليتيمة ذات أربع سنوات وبعد التبني بستة أشهر ( أكتشفت هدى أنها حامل../ 37)..صوت هاشم وعايدة على مشارف التخرج الجامعي يعلن ( يريد الزواج منها بعد الانتهاء من الجامعة../40 ) صوت العاشق المتوحد في عشقه هو صوت العشق المنغلق على ذاته طهر: صوت ناصع لم يبح بعشقه حتى للمعشوقة ..هذا الصوت جعلت هدى أمه في احتدام لايتوقف ..( يومها ماهدأت أمه ابدا../40 )..ثم يكذب صوت أمه ايضا وهي لاتكف عن مراقبتهما :هاشم /عايدة، كذبة الام مسلفنة بما يجاور التحريم الديني( لن تسمح ابدا بأن يفكر في عايدة كأي شيء في الارض سوى انها اخته التي كبرت الى جواره..) هاشم بصوت أبيض من غير سوء ..( أمسك بالمصحف بين أصابعه وأخبرها أن عايدة نفسها لاتعلم شيئا... ) أمه انغرزت في إذنها وقلبها وعقلها جملة هاشم ( يريد الزواج من عايدة ) أمه تفضل الانتحار على سماع جملته ثانية ً ..يفور في الام صوتها الداخلي .. صوت جمعي ينتسب لطبقتها الارستقراطية..هاهي الام تخاطبها نفسها سراً ( عايدة أكبر منه ..هي أبنة سائق بسيط من أحدى قرى المنصورة، عمها كان سائقاً لدى جده .. بل أن زوجة عمها كانت خادمها في بيت والدها..هاشم صادق يجب صادق يجب أن يتزوج فتاة تليق به وبأبيه أستاذ القانون..هو وريث ابنة سليمان أباظة الوزير السابق../40 )..الام تشترط نكاحا طبقيا .. وأي زواج لهاشم من خارج الطبقة باطل!! هنا يتحول الصوت الى صراخ يعلن ان هاشم مايزال في فترة العذرية.. ثم يتحول الصراخ سريعا ضرورة طرد عايدة من فردوس العائلة وارجاعها الى منشأها الاصلي الوضيع حتى لاتتسلق عايدة شجرة الارستقراطية ويمتزج دمها بدم علية القوم .. ليس بالشرف وحده يحيا زواج هاشم ولابجمال عايدة ولابثقافتها وليس المهم ان عايدة الطفلة هي أول ( من قال لها ماما../43 ).. صوت السارد يكذب حين يقول ( عايدة أبنتها../44 ) ليس هناك أم تطرد إبنتها .. ربما لوكانت عايدة من طبقة هدى الاجتماعية لصارت هدى امها ..أمومة هدى مشروطة بطبقتها الارستقراطية..وصوت السارد يكذب ثانية حين يعلن (ستبقى ابنتها..كل الفتيات يتزوجن ويرحلن ..عايدة رحلت لتتزوج ، سيبقى بيت عبد المنعم يرحب بها..سيبقى لها في هذا البيت أم وأب وأخ../45 ) لوكانت ابنتها لتمت خطوبة عايدة من الشخص الذي اختاره عمها في بيتها ماما هدى والزفاف ايضا.. ويبدو ان البيت : يطرد/ يرحب وفق المزاج البرتقالي للطبقة الارستقراطية .. كأن الآخر لاكرامة له وبشهادة عايدة وهي تحصد نجاحاتها في لندن ( كبريائي التي تمنعني عن الحضور والوقوف بباب هاشم ../ 417) ..بالنسبة لعايدة من خلال تهجيرها من بيت (هدى) بسلطتها الأمومية المطلقة وتغيّب حضور الاب رغم وجوده وبالتالي تهجيرها الى لندن بمعية زوج لاتعرف عنه سوى اسمه صلاح.. وعايدة ترى نفسها بعد خبرة السنوات والغربة والاجتثاث انها ( أخطأت ..يوم ظنت الارض بأكملها شخصاَ واحدا أسمه هاشم../414 )
(*)
2-2
ثمة صوت ثان ..صوت خاص ينبجس كمياه جوفية من ذات عايدة .صوت سري تتستر عليه عايدة نفسها في بداية نموه ِ..وتحديدا مع انتقال آدم لتلك المدرسة الموجودة ماوراء الجسر (في نهاية الجسر وقفت لحظات تنظر الى آدم والى السماء..تشعر بشيء غريب لم تشعربه من قبل..تشعر بعاصفة كبيرة توشك أن تهب..تشعر بصوت يحاول أن يصرخ بداخلها..صوت له فحيح لم تعهده بين جنباتها من قبل ..تشعر أنها تريد ان تبكي..تصرخ بل تشعر أن أنفاسها تضيق وقلبها يختنق في صدرها../218)..
تتعجل ذهاب آدم الى المدرسة حتى( لايشعر بما يدور في مخيلتها ..) وبخطى مترنحة خائفة من صوتها الجواني الذي يسحبها الى عمقه .. تستعين بيقظة الماء الجاري وتجلس على الاريكة بأتجاه النهرترخي رأسها.. هل تحاول ان تتسلل بعينيها الى جوفها..؟ تتسلل لتصغي الى الفحيح الذي يدور في ضلوعها ..هاهو الصوت في جنون يسألها ..( لماذا تذهب الى البنك..؟ الصوت يسألها لماذا تهتم بآدم وترعاه وهي تعلم أنه سيتركها وأن أمه تعود في الشتاء لأصطحابه ؟! الصوت يسألها لماذا تعمل بكل هذا الصبر وهذا التفاني في مقهى شودري العجوز؟ الصوت يصرخ لماذا تحتمل هذا الفلاح الجاهل ،الذي يعاملها كخادمة طوال النهار، وكعاهرة متى يشاء في المساء..؟ الصوت يصيح ويخبرها بأنها حمقاء غبية ..الصوت يبكي يسألها كيف ترضى ان تكون زوجة وهي تشعر أنها مازالت عذراء.. نعم إمرأة لم تمس شفاهها..إمرأة لم تحتضنها ذراعان ..أمرأة لم تشعر بجسد رجل هي عذراء يغتصبها أحمق في الظلام.. لماذا تحتمل ؟ لماذا تصبر ؟! وضعت عايدة كفيها على أذنيها في جنون..لاتريد ان تسمع..لاتريد أبدا أن تصغي، ولاتريد أن ترى طهارتها تتحول الى شر../218-219 ).. يمكن ان نرى الصوت : نتيجة سببها ان الرباط لم يعد مقدسا بسبب همجية صلاح وتنشج صوته في تعامله مع زوجته عايدة لوكان صلاح آدميا اجتماعيا لما أنتج صوتها الجواني كل الاسئلة .. لكن صلاح من الجاهلين الاجلاف ( لايعلم ماتعنيه كلمة الحب ../ 219).. لايعينها في الاقتصاد المنزلي إلاّ بالاقل من القليل ..وحين تغمرها يقظة الماء بطراوتها ( عادت تنظر الى النهر من خلف دموعها الكثيفة.. لن يهزمها الصوت ..الأمل قادم ..ستحاول الحصول على عمل بأجر كبير..عندما يهدأ هذا قد يهدأ الجميع..حتى صلاح قد يهدأ ويسعد..قد يضمها..قد يشعر أنها حقا أصبحت زوجة وإمرأة../210 )..لهذا الصوت الجواني صداه في الوجه البشري هاهي ( عايدة تقف أمام مرآة الحمام تنظر الى وجهها..مازالت آثار صراع الصباح بادية على ملامحها..أغمضت عينيها كأنها تدعو الله ألا يحدث ماحدث هذا الصباح مرة أخرى.../221 ).. هنا سيراوغ الصوت أو.. ربما سيختفى مثل ثعلب ماكر بتوقيت زيارة هاشم الى لندن هذه الزيارة : القشة التي ستكسر ظهر الجمل والجمّال ( هدأ الصوت..هدأت كل الاصوات لاشيء في رأسها أو قلبها سوى زيارة هاشم../225 ).. فجأة سينط الصوت وهي تصف لهاشم مكان جلوسها في المكان الذي تنتظر عودة آدم من المدرسة..( سكتت لحظة كأنها رأت وجهها هذا الصباح وهي تهزه بين كفيها علّها تفيق من فحيح ذاك الصوت الكريه../226 ).. يلاحقها صوتها الجواني مثل ظلها ينط مثل دلفين وهي مبتهجة في جلستها مع هاشم ..( لماذا تسمع ذاك الصوت يعلو في صدرها من جديد..الصوت يقول ،،هاشم ،،ماعاد ذاك الطفل..يثير في قلبها نبضاً جديداً..يحرك في عروقها دماء تصيح../ 250).. ثم يرتفع صوتها البراني وهي تنتظره خارج الفندق بالتاكسي، تترجل وتصعد للطابق .. للغرفة التي هو فيها وحين يندهش لصعودها تجيب هو( بصوتٍ باك ٍ كأنها ترجوه، عادت تكمل : أنا مشيت التاكسي ياهاشم !! قالتها كأنها تستغيث به.. قالتها كأنها كانت تتمنى لو كان أقوى منها../252 )
(*)
تعود عايدة لصوتها البراني المألوف وحين يصر زوجها صلاح على زيارة عائلة هاشم اليهم وهم قادمون من باريس الى لندن ينتبه صلاح لتغير نبرة عايدة..يصيح بها وهو ينظر بقسوة ليمسك بكفها بين ذراعيه..( دلوقتي أرجوك؟ بقيتي بتعرفي تترجي ياعايدة؟ كلميهم وقوليلهم..ولااقولك كلمي حبيبك الاهبل وقوليله جوزي عرف كل حاجة وخليه يصرف مع أهله../289 ) صوت صلاح انفعالي غيور وعلى حق فهو كان يشعر /يراقب ..سمع كلام مادار وهما يتوادعان على السلم وبشهادة صلاح ( سمعتك في الانتركوم ../ 290) وكان يراها ( كيف كانت تبدو امام هاشم هنا..لايريد ان يتذكر ابداً كيف كانت ترقص عيناها كل صباح، وهي تتعجل خروجه.. لقد رآها معه في أكسفورد.. رآه كيف كان يسيربها وذراعه حول كتفها ..لن يسمح بحضورهم أبداً؟ لماذا لايطلق عايدة؟ لأنه يعلم ان عايدة لم تمسها أصابع رجل سواه.. لماذا إذن يتهمها ويقسو عليها..لأنها مغرورة..لأنها جميلة أنيقة ..لأنها أفضل منه../290- 290) صوت السارد العليم مرتبك مشوش يسبغ تبريرات قابلة للنقض ..
(*)
هاشم له صوت خفي جزئي وهو يتحدث عن حالة الإخصاء التي يعانيها حبهما :هو وعايدة ويصنف : بالإخصاء الطبقي والعلاقة بينهما هي ذات العلاقة بين السيد/ العبد .. وممثل الطبقة الارستقراطية هو الام هدى بسلطتها المطلقة وطمغتها الحاكمة .. سلطة حول البيت الى مجمّدة عائلية، الاب يلوذ بأوراق مكتبه وهاشم يتراسل الكترونيا مع عايدة ( يكفيه أن يرسم عينيها المستديرتين ..أن يتدفأ بصوتها الحاني..هاشم وعايدة يتزودان من رسائلهم بالحياة../ 294).. هنا تتكسر ايقونة الكفاية تترجمها هدى وهي تصيح بجنون وهي تصرخ باكية كانت انفاسها تتلاحق في جنون.. كان صوتها يرتعش كما لم يسمعه قط وعادت تصرخ من خلف صوتها الباكي الجريح وتنذر عايدة وحين فهم هاشم لعبة صلاح الدنيئة حاول ان يوضح الامر لأمه، أصبحت كفها لسانها وهوت بكفها على وجه وحيدها في جنون وهي تصيح بلا وعي ..المرأة القوية المهيمنة على العائلة اكتفت بصوت صلاح وصدقته ولم تسمع صوت عايدة ولاصوت ابنها ولاصوت زوجها منعم وهو يكلمها ( اهدي ياهدى..أرجوكي.. وهو صلاح سكت على الموضوع دا كل الشهور دي ليه..مافتكرش غير النهار دة.؟!/ 296)..ستقدم هدى تبريرات توائم منطقها هي هذا المنطق النابع من عقلها الطبقي الاستعلائي ..هذا العقل الذي سيقتلها بصوته الاشد قساوة ..
*نورعبد المجيد / رغم الفراق / دار نور/ القاهرة / ط3/ 2014