في آخر مُهاتَفةٍ بيننا ، وكانت منذ أيّام فقط ، مازحتُه قائلاً : أنت يا مؤيّد ، مثل صاحبنا الفرزدق ، إذ قال ، والله لَخلعُ ضِرْسٍ مني أهونُ علَيّ من قول بيتِ شِعرٍ . فأجابه أحدهم : يا هذا ، لقد شققتَ على نفسِكَ
إن الشِعر لأيسَرُ ممّا تظنُّ !
في المكالمة ذاتِها أخبرَني مؤيّد أن ديوانه الجديد " سرْدٌ مفرَد " سوف يَصدرُ في أسبوع الكتاب الألمانيّ ، كما أنبأه خالد المعالي .
ولقد صدر الكتاب الذي ألححْتُ بصدده كثيراً ، حتى تمّ جمعه وترتيبه بعونٍ من فخرية البرزنجي ، فقد كان مؤيّد ، فاقد البصرِ تقريباً .
الكتاب يَحِلُّ . مؤيّد يرحل .
*
كنتُ ، دوماً ، أعتبِرُ مؤيد الراوي ، أساسَ التحديث في قصيدة النثر العراقية فالعربية . فهو بتكوينه الثقافي الممتاز ، بأنجلوسكسونيّته الباذخة ، براديكاليّته العميقة ، بنظرته المتعالية قليلاً ، استطاع أن يكتب شِعراً
مختلفاً ، فيه من الجِدّ واحترام العملية الفنيّة ما ينأى به عن الاستسهال والتعجُّلِ وتفاهة المنبر السياسي.
*
كنّا في بيروت ، آنَ عرفنا أنه كان على قائمة القتل .
رحل إلى برلين ، مُذّاك .
واليوم ...
يرحل مؤيّد إلى النجم .
*
تعزيَتي إلى فخرية البرزنجي ، رفيقته المخلصة .
إلى ابنته رانية .
إلى ابنه ...
وإلى كل مَن عرفوا الرجلَ ، فارعَ القامةِ ، ساخراً ، حُرّاً .
لقد فقدْنا شاعراً شجاعاً في فنِّهِ ، وفي سيرتِه .
لندن 10.10.2015