• تمر في الخامس عشر من شهر كانون الثاني الجاري 2019 ، ذكرى مرور مئة عام على إغتيال روزا لوكسمبورغ، هذه الفيلسوفة والاقتصادية والصحفية والقانونية والناشطة السياسية الماركسية وعالمة الاجتماع البولونية التي تنحدر من عائلة يهودية عملت بالتجارة .
ولدت روزا في زاموسك البولونية والتي كانت تقع تحت السيطرة القيصرية الروسية في يوم الخامس من آذار عام 1871، وفي بواكير شبابها بدأت تمارس نشاط في الحركة الاشتراكية وإنضمت الى الحزب الماركسي البروليتاري وهو حزب ثوري تأسس عام 1882 وكان يقوم بتنظيم وقيادة العمال وتوجيههم للقيام باضرابات من أجل نيل حقوقهم ولكن الحزب تلقى بعد أربعة سنوات على تأسيسه ضربة قاتلة جاءت رداً على نضاله وتفانيه في سبيل مصالح العمال حيث تم اعدام أربعة من كبار قادته وسجن ما يربو على ال 23 آخرين لفترات طويلة مع الاحكام الشاقة ضدهم، بينما جرى نفي حوالي المئتين من الناشطين في الحزب، ولكن روزا نجت وهي في سن السادسة عشر حينما كانت تنتسب لاحدى الحلقات الحزبية التي لم تطالها يد الأعداء ومعها عدد قليل من رفاقها في الحزب . ولكن بعد مرور ثلاث سنوات على هذه الضربة الموجعة إزداد البوليس في مطاردتها ومحاولة القبض عليها، حيث اضطرت وهي إبنة الثامنة عشر الى أن تهرب من بلادها متوجهةً الى زيوريخ في سويسرا.. حيث استطاعت أن تلتحق بالجامعة وتدرس الرياضيات والعلوم الطبيعية والاقتصاد ثم انهت الدكتوراة وكانت إطروحتها بعنوان .. التطور الصناعي في بولندا .., وبعد حوالي سنتين صارت روزا معروفة كمنظرة للحزب الاشتراكي الثوري البولوني وأصبحت محررة رئيسية في صحيفة الحزب وفي عام 1893 مثلت حزبها في مؤتمر الأممية الاشتراكية وهي في سن مبكرة أي كان عمرها 22 عام فقط ..! ثم هاجرت الى المانيا فواجهت صعوبة في البداية للحصول على الإقامة فيها، مما اضطرها للزواج من أحد العمال الالمان ومن خلاله حصلت على الجنسية الألمانية وبقيت مع زوجها على علاقة زوجية لمدة قاربت الخمس سنوات.. وفي برلين عملت بحيوية ونشاط في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني وكانت ناشطة في تحشيد العمال وحثهم للدفاع عن حقوقهم ضد جشع الرأسماليين ولما اندلعت الثورة في روسيا عام 1905، سافرت روزا الى وارشو ومن هناك شاركت الجماهير الغاضبة، فتم القاء القبض عليها وسجنت لمدة سنة ثم افرج عنها وعادت الى المانيا مجدداً وفي برلين كتبت كتابها المعنون ..تراكم رأس المال، والذي تم نشره عام 1913 وإعتبر هذا الكتاب إسهامة كبيرة في تعزيز الأفكار الماركسية التي سادت في تلك الحقبة الزمنية .. ومن خلال نضالها تعرفت على السياسي الماركسي كارل ليبخنت وعملت معه وصار الاثنان يترأسان الجناح الراديكالي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني .. وتبنت نظرية الاضراب العام ولما إندلعت الحرب العالمية الأولى كانت روزا من أشد المعادين لها، وقامت مع رفيقها كارل بتأسيس عصبة سبارتاكوس في عام 1916 والتي تطورت الى الحزب الشيوعي الألماني وقامت روزا بنفسها بكتابة البرنامج السياسي للحزب.. إختلفت روزا مع فلاديمير لينين حول بعض الأمور النظرية وتطبيقاتها العملية على الواقع ومنها اختلافها حول دور الحزب الشيوعي الذي اعتبره لينين الأداة في تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا، بينما روزا عارضت ذلك وقالت .. أن الحزب سيصبح هو السلطة وسيكون السياسيين الحزبيين هم ديكتاتورية جديدة وسيهضمون حقوق العمال وسوف تختزل مطاليب العمال وجماهير الشعب الفقيرة بيد هؤلاء الحزبيين القياديين أي أصحاب القرار.. وفي نقطة أخرى عارضت روزا لينين في مسألة حق الأمم في تقرير مصيرها، حيث قالت ..أن هذا سوف يخلق فوضى عارمة في حركات الانفصال والاستقلال مما سوف يقوم باضعاف قوة البروليتاريا حول العالم والموقف اللينيني هنا يعني إعطاء الحق للانفصال وتكوين كيانات سياسية مستقلة، لذلك خاض لينين معركة نظرية قوية لتثبيت هذا الموقف المبدئي ضد روزا والاشتراكيين البولونيين الذين كانوا يرفضون انفصال بولندا عن روسيا القيصرية باعتبار أن هذا الامر صعب وغير قابل للتحقيق على ارض الواقع وكانوا أيضا يعتبرون أن هذا المبدأ يعزز النزعات القومية الوطنية التي أكدوا على الماركسيين وجوب مقاومتها لصالح الأممية وكانوا يعتبرون أن بولندا داخل دولة أكبر ستسير بصورة أسرع نحو البرجوازية الديمقراطية وسيتطور فيها التصنيع وتتحول الى دولة رأسمالية .. حسب مفهومهم الذي اعلنوه.. وهنا كما أكدوا، سوف تتمكن الطبقة العاملة من التطور وبناء تحالفات طبقية أوسع ومن ثم تحقق مكاسب أكبر للبرنامج الاشتراكي على المدى الطويل .. تقول روزا عن الدولة القومية التي ستولد من خلال الانفصال ما يلي .. أن هذه الدولة القومية . المثلى /ليست سوى شيء مجرد يسهل عرضه نظرياً والدفاع عنه نظرياً ولكنه غير مطابق للواقع... وظلت روزا على قناعتها ببقاء الدولة القومية الصغرى ضمن نطاق الدولة الرأسمالية الكبرى، وكان هذا قد شكّل نقطة خلاف كبرى لها مع ما يطرحه لينين من حق للشعوب كافة في تقرير مصيرها بنفسها وتكوين دولها الوطنية المستقلة ... وضلت روزا متزمته بموقفها وحين استقلت النرويج عن مملكة السويد في آب عام 1905 ورفضت الاندماج السائد حينها والخضوع لملك السويد وانفصلت عنهم وصار لها ملكها الخاص بها، لم ترحب روزا بهذه الخطوة وكانت تسمي ذلك .. إتحاد، أي أنه جاء بقناعة الجانبين بينما كان الملوك هم الذين أعطوا النرويج للسويد أيام الحرب النابوليونية على الرغم من إرادة النرويجيين ... ولكن حول الموقف من بناء المنظمات الحزبية الثورية، لم تختلف روزا مع لينين وموقفه في ذلك حيث كانت النظرة اللينينية تشير الى بناء المنظمات الحزبية الثورية يجب أن يكون بنائها من الأسفل أي من الجماهير الشعبية ولكن وفقاً لأسس ديمقراطية ثابتة ويتناسب مع ما تحتاجه الحركة العمالية في الدول المتقدمة وهذا المبدأ التنظيمي أيدته روزا لكنها إختلفت حول تمادي سيطرة الحزب على السلطة وأكدت أن شرعية السلطة يجب أن تكون بيد العمال البروليتاريين وليس بيد القياديين الحزبيين الذين يقومون بإدارة أمور الدولة وهم كما قالت جالسون على مقاعدهم بعيداً عن الجماهير الشعبية وخاصة الفقراء ...
أفنت روزا لوكسمبورغ شبابها وحياتها في النضال والصراع الطبقي من أجل تحقيق المطالب المشروعة للعمال وإستحقت بجدارة إحترام البروليتاريا والسياسيين المفكرين في أوربا والعالم لجهودها المضنية في سبيل محو او التقليل من التمايز الطبقي وتحقيق العدالة والمساوات في المجتمعات كافة وأن تسود قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان للجميع ....
قامت روزا خلال فترة حياتها القصيرة والغنية بكتابة العديد من الكتب والكراريس والخطابات والتي ترجم غالبيتها الى لغتنا العربية بالإضافة الى عدد من لغات العالم، ومن أبرزها، إصلاح إجتماعي أم ثورة، الاضراب الجماهيري والحزب السياسي والنقابات، ما هو الاقتصاد السياسي، الاقتصاد السلعي والعمل المأجور، المجتمع البدائي وانحلاله، الثورة الروسية عام 1917، الكنيسة والاشتراكية، في برنامج سبارتاكوس، الثورة والحزب وأفول الرأسمالية ... وغيرها الكثير وخاصة العديد من الخطب التي تتحدث فيها عن عيد العمال وعن وظاعة الليبرالية ولها مقال كتبته عن حق المرأة في التصويت وعن الصراع الطبقي..
في يوم 15 كانون الثاني عام 1919 أعدم رفيقها كارل ليبخنت وأطلقت جماعة يمينية عسكرية متطرفة النار عليها في الرأس وقاموا بالقاء جثتها بقناة نهر لاندفير في برلين حيث يوجد الآن تمثال لها قريب من مكان مقتلها يحمل إسمها الكامل، وقد حزن على مقتلها بهذه الطريقة البشعة كل الثوريين في العالم ونعاها المفكر الماركسي الاوكراني تروتسكي والذي كانت روزا تؤيد الكثير من أفكاره، حيث قال بحقها :
روزا لوكسمبورغ وكارل ليبخنت، لم تعودا في دائرة الاحياء، لكنكما حاضران بيننا، إننا نشعر بروحكما الجبارة، سنقاتل تحت رايتكما، صفوفنا المقاتلة ستغمرها عظمتكما الأخلاقية، وكل واحد فينا يقسم، أنه اذا ما حان الوقت واذا ما تطلبت الثورة ذلك، أن يضحي بحياته دون وجل وتحت نفس الراية التي سقطتما تحتها، أصدقاء ورفاق سلاح روزا لوكسمبورغ وكارك ليبخنت ..
ولقد قال عنها لينين ما يلي :
لقد أخطأت روزا .. لكن على الرغم من كل أخطائها، فقد كانت وستظل بالنسبة لنا نسراً محلقاً، ولن يحفظ الشيوعيون في كل أنحاء العالم ذكراها بإعتزاز فحسب، بل أن سيرة حياتها ومؤلفاتها الكاملة ستكون أيضاً دليلاً لتدريب أجيال من الشيوعيين في كل أنحاء العالم .
أن روزا بقيت خالدة في قلوب وضمائر اليساريين العراقيين والعرب وفي جميع دول العالم وتغنى بها الشيوعيون وأطلقوا إسمها على عدد من بناتهم وحمل عدد منهم إسمها ككنية أو إسم حركي له، ك أبو روزا أو أم روزا، مناضلون كثر مجدوها واستلهموا من روحها الثورية ومن كتاباتها عنوان لطريق حياتهم السياسية في تحقيق أحلامهم نحو النصر للطبقة العاملة والكادحين عموماً .