مائدة هوغو شافيز الفقيرة

2014-01-14

كان ذلك في العام 2008 في الغالب.
كنت في العاصمة الفنزويلية كا راكاس ، مدعوّاً إلى المهرجان الشِعريّ الأول هناك.
من سفارة " الجمهورية الثورية البوليفارية لفنزويلا " بالعاصمة البريطانية حصلتُ ، بسرعة أسطورية ، على تأشيرة الدخول من دبلوماسيّ فنزويليّ في منتهى الأناقة واللطف .
( أميركا اللاتينية معروفة بانتقاء دبلوماسيّيها ).
*
معلوماتي القليلة عن فنزويلا تلقّيتُها من عبدو زوغير ، الكاتب السوريّ من أسقبولي ( أرباض طرطوس ) ،
والذي يحمل الجنسية الفنزويلية ، ويقيم بين كاراكاس وطرطوس .
مهاجرو فنزويلا السوريون جاؤوا من السويداء والساحل ، وبين أهل السويداء والساحل منافسةٌ دائمة حتى في فنزويلا !
*
كان مهرجان الشِعر الأول جيداً في الحضور والتنظيم ، لكني عرفتُ أن المنظمة الأدبية الفنزويلية قاطعت المهرجان لأنها تميل إلى جبهة المعارضة التي تتهم شافيز بالدكتاتورية .
*
التقيتُ بشافيز مرّتين :
المرة الأولى كانت في اجتماعٍ عامٍّ للمثقفين الفنزويليين والضيوف .
المرة الثانية كانت في القصر الجمهوريّ بعد اختتام المهرجان الشِعريّ.
القصر الجمهوري مبنىً عريقٌ ، غير مبالغ في الفخامة ،على الطراز الموريسكو هسبانيول الذي تتّصفُ به مباتي فترة الكونكيسادوريس
( أي الفاتحين الإسبان الأوائل ).
كانت الدعوة إلى عشاء مبكرٍ.
جلسنا في بهوٍ مفتوحٍ من أبهاء القصر ، بهوٍ ذي أعمدة يطلُّ على فضاءٍ مفتوح .
كان ثمّتَ عشرُ موائد ، كما أتذكّر .
كنتُ ، وعباس بيضون ، وسيدة عربية من أصلٍ سوريّ ، حول واحدةٍ منها.
قائمة الطعام كانت بسيطةً جداً ، تكاد تماثلُ قائمة عشاءٍ في مطعم طلبةٍ ، جنوبيّ فرنسا .
وقد احتفظتُ بالقائمة ، حتى الآن ، وحرصتُ على أن أُريها لأصدقائي ، قصد المقارنة ...
*
كان شافيز يُجالسُ المدعوّين .
جاء إلى مائدتنا .
كان في منتهى اللطف والمرح ، محتفياً ، باسماً .
قُدِّمْنا إليه .
قال لي : مرحباً بك . أنت في بلدك . أنا أعرف المأساة التي حلّتْ بالعراق بعد الاحتلال . اعتبرْ كلامي هذا دعوةً لك للإقامة في كاراكاس .
ليس عليك سوى إشعار سفارة فنزويلا برغبتك.
أنت تعرف أن فنزويلا والعراق أسّسا الأوبك ( في زمن عبد الكريم قاسم ).
سوف يستعيد العراق حريته بنضال أبنائه ، ونحن معكم في هذا النضال.
*
لقد كانت إقامتي في فنزويلا أطولَ من سواي ( ربما بتعليمات من الرجل ) ، فطوّفتُ في البلاد ،
من منابع الأمازون حتى جبال الأنديز ، حيث آلهة الهنود القدامى على القمم البيض .
سيمون بوليفار ، ذو النحافة ، في كل ساحة ومنعطفٍ من فنزويلا الشاسعة .
الناس يحتفون بذكراه محرراً من استعمار.
أمّا هوغو شافيز فلسوف يظل الناس يحتفون بذكراه محرراً من الذلّ والفقر.
*
لقد فقدنا ، نحن العرب ، نصيراً لنا !

طنجة 07.03.2013

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved