في ( خميلة الأجنة ) للروائي والمترجم وطبيب الأسنان علي عبد الأمير صالح، أستوقفتني حدبتان ظهرتا : واحدة في صدر الجندي سوادي حمدان والأخرى في ظهره، تزامن ذلك وسوادي يساق إلى خنادق القتال في الحرب العراقية الإيرانية ( في الخندق ظهرت أولى علامات حدبة الظهر، رافق بزوغها حمى، وقشعريرة وفقدان شهية وسعال.. /121) وما أن يتماثل للشفاء، حتى يفر بحدبتيه من الجيش، وأخذت الحدبتان بالنمو مع كل ما يضطرب في جبهات القتال وفي شوارع المدن، وستكون للحدبة إنزياحاتها ( حدب العراقيين صارت ملصقات، إعلانات، تماثيل، أغلفت كتب، صورا توضيحية لأطالس الطب.. /123 ) وحين يلقى القبض عليه كجندي فرار، يلبسونه دشداشة ً بالية ً ممزقة ً ويرغمونه على أن يقلّد أفعال ،،أحدب نوتردام،، وسيستفيد طبيب عسكري في المستشفى العسكري ويكتب بحثا عنها، ويحاضر عنها خارج العراق، وبعد التآلف بين سوادي حمدان وحدبتيه، سيتفاجىء ذات يوم ( ويا لهول ما رأى!! شاهد حدبته تبتسم.. /271 ) وفي النهاية تتحول حدبة سوادي حمدان إلى ملكية عامة !! وعلى ذمة السارد العليم ( حدبة سوادي لم تعد ملكا ً له.. بل أمست ملكاً للآخرين، وأسيرة صور الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية المصوّرة وكاميرات أطباء بلا حدود، ومندوبي الصليب الأحمر والهلال الأحمر.. /273 ) وهكذا تم إلغاء سوادي حمدان، ومسخوه محض حدبة ً للفرجة (*) .
في ( أخوة محمد ) رواية ميسلون هادي، ستكون الحدبة وليدة الإدمان على الكتابة، وبشهادة الساردة الأولى في الرواية ( أول ما فكرت به هو أن أعدل ظهري واخفي حدبتي التي كونتها أوقات الحنو الطويل على الكتابة ../9 ) .. ( وكانت حدبتي تعاود ظهورها في كل مرة أنسى فيها تعديل ظهري ) هنا تكون الحدبة ضريبة الإبداع الدؤوب المتزامن مع السن، والساردة تتعامل مع عمرها بسخرية طازجة، وترسم لنا سردية مرآوية كاريكتيرية عن رأسها ( فمن هو رأسي هذا ؟ صورته في مرآة السائق منكوش الشعر لايدل على الكثير أو القليل من المعرفة، المرآة أظهرت بشكل قاطع بأني شمطاء بوجه لا ينتبه إليه أحد... أحمد لله أن تقدمي في السن لا يمكن نكرانه، وإن كبرت سينفض ّ الجمع المذكر السالم عني وعن كل من لف لفي من الشاعرات والكاتبات .. /9 )
(*)
روايتان عراقيتان: ( خميلة الأجنة ) للدكتور علي عبد الأمير، ورواية ميسلون هادي: ( أخوة محمد ) .الثانية تذكر الحدبة، كظل من ظلال الكتابة الروائية الدؤوبة، تذكرها في بداية الرواية ولاتعود إليها . أما حدبة سوادي فهي علامة خاصة بسوادي وتشمل كافة المنكوبين في عراق يحسن عد المعارك والمهازل إلى مالانهاية ولا دخل لها إلا بشكل ضئيل بحدبة ( أحدب نوتردام ) رواية فيكتور هيجو .
*علي عبد الأمير صالح ( خميلة الأجنة ) /المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ ط1/ 2008
*ميسلون هادي/ أخوة محمد/ الذاكرة للنشر والتوزيع/ بغداد/ الطبعة العربية 2018