"زوجة من أنت؟"
باغتني السؤال يطرحه الرجل الجالس إلى يساري. كنت في زيارة لأحد الأصدقاء في إحدى عواصم أوربا الشرقية وكان في ضيافته عدد من أصدقائه من قادة اليسار. ولما أجبته بذكر اسمي بدا له جوابي ملغزا. لم أجد ما يدعوني لتقديم ايضاح أو الدخول في مناقشة لا طائل منها. إلتفت إلى يميني وهمست لنفسي "يا نساء العالم اتحدن."
في أوروبا بدأت أكتشف كل يوم أن المثقف العربي الذي ارتدى ثياب التقدمية في بلاده، وكاد يقبل المساواة بينه وبين نساء بيته ليس في القول فقط وإنما في السلوك أيضا، ألقى هذا الثوب في مهجره الأوروبي وكأنه ينسحب من لعبة أصبحت مضجرة بعد أن غدت خسارته فيها مؤكدة، فما أراد أن يمضي فيها حتى النهاية. كان في بلاده يقف في اليسار فأين يقف الآن وأكثر الأوربيين محافظة يقف في هذه المسألة إلى يساره؟
في الثانية عشرة من عمري حلمت أكثر من مرة وأنا أذهب إلى فراشي في المساء أن أفيق في الصباح وقد تحولت إلى صبي. وددت أن يتسامح المارد الذي قرأت عنه في كتاب للسحر عن صوم وانقطاع عن العالم يستمر أربعين يوما ويكتفي مني بقراءة سورة ياسين أربعين مرة فيظهر من باب علية الدار ليضع نفسه في خدمتي ويساعدني في هذا التحول. لم يظهر المارد، واكتشفت بعد حين أن هذا المارد يسكن فيّ فتصالحت مع جسدي، وعرفت روعة الخلق في الأمومة وفي الكتابة وفي اكتشاف العالم من حولي.
أبديت خشيتي لرئيس تحرير مجلة "الكاتبة" نوري الجراح وقد رأيت الكتاب العرب يتسابقون في إثبات أنوثة الرجل من أن يعلن الجميع أنفسهم إناثا ما دام ذلك يتيح لهم مزيدا من الانتشار.
لم يجتهد أحد حتى الآن أن يجد مرادفا لمفردة فيمينست بالعربية، وبدلا من ذلك كانوا قد اخترعوا مفردة "مسترجلة" وهي النقيض تماما. فالفيمينيست تنحاز انحيازا مطلقا لأنوثتها والمسترجلة تتنكر لها متشبهة بالرجل. ولما كان هذا يتنافى مع طبيعة الأشياء ولا يتفق مع صورة الأنثى التي يريدها المجتمع فإنه أمر مستهجن وما من امرأة تريد أن توصف بأنها مسترجلة، هذا الوصف الذي يقترب من الشتيمة.
لا أريد أن أتحدث عن قمع الرجل للمرأة، فأنا أعرف أن الإنسان المقموع لا يمكن إلا أن يكون قامعا. والرجل الذي يتعرض لأنواع شتى من القمع، القمع الأبوي، قمع المجتمع وقمع السلطة لا يمكن إلا أن يعيد إنتاج القمع بدوره. أليست سيكولوجية القمع هذه هي التي حولت بلداننا إلى جحيم؟
قال الرب لحواء، للمرأة وقد خالفت أوامره: "تكثيرا أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" (سفر التكوين، الإصحاح الثالث). هكذا ألقيت مسؤولية جميع عذاباتنا على حواء، الخاطئة الأولى. فلو لم تأكل من الشجرة المحرمة لوفرت علينا جميع العذابات الأرضية. وهكذا تشكلت صورة المرأة، مخلوقا ضعيف الإرادة، قابلا للإغواء. ولكن لماذا تبع آدم حواء في الخطأ؟ لماذا لم يمتنع عن مشاركتها أكل التفاحة المحرمة؟ ثم ألم تكن الشجرة المحرمة هي شجرة معرفة الخير والشر؟
صورة المرأة التي حاولت أجيال من النساء الاقتراب منها أو التطابق معها هي المرأة الجميلة التي تقف وراء زوجها، تعمل كل شيء لإسعاده والتفاني في خدمته وتوفير المناخ المناسب لنجاحه المهني، ثم الأم التي تتفانى في تربية أولادها والأرملة التي تبقى وفية لذكرى زوجها، صورة صنعها المجتمع أو الرجل. المرأة المنعتقة اليوم هي المرأة التي تكتب من غرفة نومها، لكنها صورة صنعها الرجل أيضا ومن أجل نجاحه المهني ثانية.
في منزل إمرأة ألمانية قرأت هذه العبارة معلقة على الجدار: "ما أصعب أن يكون المرء امرأة، عليها أن تحتفظ بمظهر فتاة وتفكر كرجل وتعمل كحصان.