ما أجملَ الأصابعَ الضّاحكةَ تُحلّبُ الأفنانَ المُتهدّلةَ في انحناءاتِ كبرياءٍ، كأنّما تَحثُّ قاطفيها على أعمالِ البِرِّ والرّحمةِ، وتُعِدُّ زارعيها لملكوتٍ أبديٍّ مُشتَهى يُعلنونَ فيهِ سِرَّ اشتياقِهم، تُمَرِّشُ حبّاتِها برقصاتٍ مُداعِبةٍ، لتتوالى متسارعةً متراكضةً تترندحُ وتصدحُ، كأصواتِ ملائكةٍ هبطتْ على الأرض بأنغامٍ مجهولةِ الأصداءِ والإيحاءِ، يُتوّجُها بالغبطةِ حنينٌ فيروزيٌّ يُصلّي خاشعًا:
شجر أراضيك سواعد أهلي شجّروا/ وعاشوا فيك مِن مية سِنة/ مِن ألف سِنة/ ومِن أوّل الدّني/ حلّفتك خبِّرني كيف حال الزّيتون/ واللّوز والأرض وسمانا/ هو هنّي بلدنا وهوانا/ اِحكيلي عن بلدي حكاية/ عن أهلي حكاية/ عن جار الطّفولة حكاية طويلة....
يااااااااه وطني؛ ما أكثرَها حكاياكَ الموجوعة، وما أشوكَها أحلامكَ المقلوعة، وما أشقى بَنيكَ مَن طُرِحوا في الظّلماتِ الخارجيّة، حيثُ القلاقل والمرارة والأحزان، لكن؛ حتّى وإن بُتِرَت الألسنةُ الماسيّةُ، واجتُثّتْ حجارتُكَ الكريمة، وإنْ جُفّفت الأصواتُ النّديّةُ والأصداءُ الشّجيّة، والأقلامُ إن أخذَتْها رِعدةٌ على أعتابِ الهَلاكِ والخطايا والتّهاون، فأشجارُكَ وأحجارُكَ هُويّةُ المُتعَبينَ لا تَضِلُّ، وتُراثُكَ وتُرابُكَ لا يتيهُ، يظلُّ يُضيءُ الحّواسَّ المُتبتّلةَ بالوداعةِ والصّلاح، وينتهرُ المُتذمِّرينَ والمُجَذّفينَ، ويُوشوشُ نسائمَكَ بآمالِ العودةِ لأحضانِكَ مزاميرَ حنينٍ يَقِظٍ، يُطوِّبُ الأجيالَ ويُزوْبعُها بإيمانٍ حيٍّ بخلاصٍ آتٍ!
زيتُكَ الذّهبيُّ المسكوبُ كطيبٍ في قواريرِ الحياة، يُنعشُ رجاءَ مَن أُعِدّتْ لهم الغربةُ وجعًا وإرْثَ ضياع، وملكوتًا مُعلّقًا على صليبِ التّيهِ! نعودُ لنتباركَ بروحِكَ المُكلّلةَ بالثّمارِ، ونُعاينَ بهاءَ مجْدِكِ النّقيِّ "يا زْغَيَّر ووِسْعِ الدّني يا وطني"، يا مَن كنتَ مهبطَ الدّياناتِ السّماويّةِ، ولم تغفلْ آياتُكَ عن مباركةِ الزّيتونِ ومكانتِهِ في الوجدانِ الحضاريِّ والتّراثيِّ والوطنيِّ والتّاريخيِّ العريق!
عَرفَ الإنسانُ القديمُ نِعَمَ الزّيتونِ أوراقًا وثمارًا وزيتًا فباركَها، واعتُبِرَ ثروةً لِما لهُ مِن فوائدَ اقتصاديّةٍ وبيئيّةٍ، وقيمةٍ غذائيّةٍ صِحّيّةٍ عظيمةٍ في الطّبِّ الوقائيّ، وقد انتشرَ في دولِ حوضِ البحرِ الأبيضِ المتوسّط الذي يُشكّلُ ما نسبتُهُ 95% من الإنتاجِ العالميّ: أكثرها إنتاجًا إيطاليا وإسبانيا، سوريا، المغرب، الجزائر، سورية، فلسطين، الأردن، لبنان، تونس، اليونان.
في القدس في جبلِ الزّيتون يُقدّرُ عمْرُ أشجارِهِ المُعمّرةِ بألفَيْ عام؛ وجذوعُها الملتويةُ كثيرةُ العُقَدِ، تُكسِبُ خشبَهُ عروقًا جميلةً، مِمّا يجعلُهُ فخمًا في صناعةِ الأثاثِ والتّحَفِ، وتُستخدَمُ النّوى في صناعةِ المسابح، أمّا تِفلُ النّوى المتبقّي بعْدَ العصرِ، فيُستخدَمُ لتسميدِ الأرضِ وكعلفٍ للحيواناتِ والوقودِ.
أوراقُ الزّيتونِ تُستعمَلُ عندَ مضْغِها خضراء في معالجةِ أمراضِ اللّثّةِ والأسنان وبياضِها، والأوراقُ المغليّةُ تُخفِضُ درجةَ حرارةِ الجسم ومستوى السّكّرِ بالدّم، وتقتلُ أنواعًا مِنَ الميكروباتِ والفطريّاتِ والفيروسات، وتمنعُ تكاثُرَها خاصّةً فايروس هيربس، وتقوّي وتنشّطُ جهازَ المناعة، وتُكافحُ الالتهاباتِ ووهنِ الأجسادِ الضّعيفةِ، وتُخفّفُ الآلامَ المُبرحةَ للأمراضِ الخطيرةِ كالسّرطان والإيدز، وتُعالجُ أمراضَ الرّشحِ والانفلونوزا، لاحتوائِها على حامضِ البنزويكِ وأوليفيل وسكَر ومعادن كثيرة مثل الكاليوم وخمائرَ وفيتامينات ا، ب1، ب2، وموادّ قاتلة للفيروسات والبكتيريا.
ثمارُ الزيتون تؤكلُ بعدَ تخليلِها، أمّا الزّيتُ فيُضافُ إلى كريماتِ الوجهِ والصّابونِ والأدويةِ والعقاقيرِ في معالجاتِ الجِلدِ والدّهون، لفوائدَ جمّةٍ أثبتتْها الدّراساتُ الحديثة، فقد أكّدت دراسةُ نُشِرتْ في مجلّة "بي إم سي كنسر" قدرةَ أحماض الكربوليك على وقف سرطانِ الثّدي، وأوضح خافيير منديز مِن معهدِ عِلم الأورام في كاتالونيا مِن جامعة غرناطة، أنّ النّشاطَ البيولوجيَّ لأحماضِ الكربوليك، تُحاربُ الخلايا السّرطانيّةَ في الثّدي!
الزّيتُ يُؤكلُ كطعامٍ نيّئٍ ومطبوخٍ ويُستخدمُ في الطّهيِ، لكنّهُ يفقد خواصّهُ المفيدةَ عندَ الغلي، ولمُكوّناتِهِ خاصّيّةٌ تتميّزُ بموادٍّ طبيعيّةٍ مختلفةٍ ذاتِ مفاعيل هامّةٍ لجسم الإنسان، ويُضافُ إلى السّلطاتِ والأطعمةِ لإضفاءِ نكهةٍ شهيّة.
الزّيتُ يتكوّنُ مِن موادّ كربوهيدراتيّةٍ وأحماضٍ دهنيّةٍ أحاديّةٍ عاليةٍ تصلُ إلى 83%، ومِن بروتينات، موادّ سُكّريّةٍ سيسليلوز، بوتاسيوم، كالسيوم، مغنسيوم، فوسفور، حديد، نحاس، أملاح معدنيّة، فيتامينات وخاصّةً فيتامين E.B والكاروتينل
فوائدُ الزّيت:
*فاتحٌ للشّهيّةِ، مُضادٌّ للإمساك، يُعالجُ عُسرَ الهضم وأمراضَ الجهازِ الهضميِّ والاضطراباتِ المعويّة، والقرحةَ والحموضة.
*مُقوٍّ للطّاقةِ الجنسيّةِ لِما يحتويهِ مِن فيتامينَيْ A . E.
*يُقوّي البصرَ ويمنعُ ارتخاءَ الجفونِ والعِشى اللّيليَّ لاحتوائِه فيتامين A.
*يّحمي الجسمَ مِن أمراضِ القلب ويُنظّمُ ضرباتِهِ، يُنقصُ مِنَ الكوليسترول الضّارّ ويُحافظُ على الكوليسترول المفيد، ويمنعُ تخثّرَ الدّمِ وتَصلّبَ شرايين القلب، ويَقي مِنَ الجلطاتِ والنّوباتِ القلبيّة.
*يُستعمَلُ مُستحْلَبًا كجزءٍ مِن غذاءٍ خالٍ مِنَ البروتين، فيُحافظُ على مستوى سكّرِ الدّم عندَ مرضى السّكّر، لأنّهُ يحتوي على كميّاتٍ مِنَ الكبريت، ويُعالجُ داءَ النّقرس وآلامَ الرّأس.
*يزيدُ مِن إنتاجِ البروستاسيكلين، ويُؤدّي إلى هدوءِ الأعصابِ وانخفاضِ ضغطِ الدّم المرتفع.
*يُطرّي الجلدَ ويُهدّىءُ السّطوحَ المُلتهبةَ والمُتكسّرةَ، ويُعالجُ تشقّقَ الأرجلِ والأيدي والقشورَ الجلديّةَ النّاجمةَ عن الإكزيما وداءِ الصّدَف، يُزيلُ الاحتكاكَ ويُعالجُ السّماطَ وضربةَ الشّمسِ وحروقَ النّار، ويُلطّفُ ويُنَعِّمُ البشَرةَ، وهو مادّةٌ مُزلقةٌ للمَساج والحقنِ الشّرجيّةِ.
*دهونٌ مفيدةٌ للشَّعْرِ ونموِّهِ، يمنعُ تساقطَهُ ويُقوّيهِ ويُعطيهِ لمعانًا ونشاطًا ويمنعُ قشرةَ الرّأس.
*يُعالجُ أمراضَ الرّوماتيزم وتشنّجِ العضلاتِ والتهابِ المفاصلِ وآلامِها والالتواِء والتّورّم وهشاشة العظام.
*يعالجُ آلامَ المجاري البوْليّةِ والحصواتِ المراريّة، لأنّهُ مُدِرٌّ للبوْلِ، ويُساعدُ على إخراجِ الحصى والرّملِ مِنَ الكِلى عبْرَ البوْل، وليسَ لهُ تأثيرٌ ضارٌّ على المرارة.
*يُعالجُ حَبَّ الشّباب وأمراضَ الصّدرِ، ويُستعملُ في أمراضِ التّيفوئيد والحُمّى القرمزيّة والطّاعون.
*يُعالجُ تشمُّعَ الكبدِ فيُنشّطُهُ، ويَزيدُ إفرازَ العصارةِ الصّفراويّة.
*يُقوّي الذّاكرةَ ويَقي مِن فقدانِها عندَ بلوغ الشّيخوخة، يُقوّي عظامَ الحاملِ والمُرضع وعظامِ الجنين، ويُنشّطُ نموَّ مُخّ الجنين والأطفالِ الرُّضّع بعْدَ الولادة، ويساعدُ على تشكيلِ الخليّةِ الدّماغيّةِ وشبكةِ الأعصاب لدى الأطفالِ بعدَ الولادة.