"طاطا مباركة أو"دادا مباركة " لوحة صامتة تخط ملامح صاخبة لزمن النخاسة أواسط الخمسينات بالمغرب، بتحريض وتواطؤ بين ريشة ويراع الفنانة التشكيلية المغربية خديجة طنانة , التي لم تسعفها قتامة الألوان لتخط ندوب "طاطا مباركة " المستعبدة من قبل إحدى الأسر المخملية بالمدينة البيضاء "تطوان " ,لتغمس قلمها بمحبرة الذاكرة فتسيل مدادا داميا , يمتد إلى ماضي تستحضر الفنانة صداه لاستجماع وشوشات أطياف مكبلة بأعراف مجتمع مغلق "الأسرة التطوانية" -على شكل نص نثري أو خاطرة على حد بوح الفنانة ليتحول بإيعاز من مخرجة فرقة الأكواريوم نعيمة زيطان.لنص ركحي .
فمن خلال شخصية "طاطا مباركة "تساءل خديجة طنانة زاوية مهمة من تاريخ المغرب, حينما كانت الأسر الثرية المغربية تستأثر بسلطة المال والجاه ليخولانها حق استعباد الخدم المجبولين على ا للإذعان لرغبات أفرادها المبهمة، التي لم تتوان شيفرة خديجة طنانة عن فك رموزها المكتومة بعدما قفزت لا إراديا من لاوعيها، بعد ولوجها عتبة بيت عتيق بالمدينة العتيقة بفاس مند ست سنوات لتمارس تفاصيله المطابقة تماما لبيت جدها بتطوان، سطوتها على ريشة الفنانة خديجة طنانة التي انعطفت بشكل لافت -من تجسيد ظلال الموت الذي كان يحوم حولها أنداك إثر محنتها مع الداء الخبيث وتوقيعه من خلال أجساد متناثرة متشظية -لتشظي أكبر وأعمق من خلال استحضار شخصية "طاطا مباركة " الخادمة التي كانت تثير فضولها -كلما زارت معية امها بيت جدها وهي طفلة- ٍٍٍٍٍٍٍٍٍ بارتكانها الدائم بالمطبخ فوق كرسي صغير, لا يسع هيئتها الضخمة الساكنة , فتراءت لها في الكثير من الصور فضمتها بين ثنايا بياضاتها, التي لم تبدد أرقها بتحرير تلك الذات من حالة الصمت المطبق التي كانت ترزح تحته من فرط الاضطهاد الذي كان عنوانا لتلك المرحلة الزمنية ,حيث لم تكن الذوات المستعبدة فقط تخضع لطلبات الأسرة المادية بل تكون أجسادهن مرتعا للعبث والاستغلال , والتي كانت تفضي إلى حمل متكرر يتردد صداه بين أرجاء البيت الشاسع دون أن يعرف مصيره المجهول .
لذا جنحت الفنانة لاختراق أسوار تلك الفضاءات المغلقة وإماطة الحجاب عن كل الممارسات التي كانت تطمر خلفها ,وذلك من خلال الشخصية المحورية طاطا امباركة بتأريخ ذاكرة هذه الذات "الفردية "الجماعية بأبعادها الزمنية المختلفة، بمدها بلغة تدحض خرسها الأبدي والذي عزته الكاتبة لعملية الفطام عن الأم التي هي مرضعتنا الأولى لاكتساب أبجديات الكلام، لذا كانت الرؤية الفنية لمخرجة المسرحية وفية جدا لتيمة الانغلاق المفترض، فجاء العرض محاط بستار شفاف "حاجب كاشف " لنموذج استثنائي لمجتمع نسوي مخملي تطبع يومياته روتينية قاتلة جسدت لحظاتها المخرجة "ببرلوغ" ببداية العرض ينم عن الرتابة في ذروتها من خلال لغة جسد متكررة , فيأتي حدث تحضير العقيقة كخلاص من حالة الركود هذه والانتقال إلى صخب غناء رقص وثرثرة نسائية تتوارى خلفها الكثير من الرغبات الصامتة التي يتم تصريفها بعلاقات مثلية في عالم لا يظهر فيه الرجال إلاّ كأطياف وظلال في العرض، لتفصح حركات الدلال والإغواء عن التمثلات المثلية لتعيدنا إلى زمن اللوحات الشرقية التي تقبض على لحظات النشوة النسائية، فتأتي الصرخة كوقع يغير مجرى العرض، صرخة الألم بعد مخاض الصمت والحمل معا، صرخة طاطا امباركة حينما ستضع وجعها في قنوات الصرف قصرا، الطفل الذي استكان في أحشائها قهرا، فأبت الفنانة خديجة طنانة إلا أن تجعل لحظة الصراخ هذه هي فرصة طاطا امباركة للبوح، فاستعارت لسانها لتحكي حكايتها المتخيلة، التي تحمل الكثير من الحقيقة، باعتماد تقنية الفلاش باك في فعل الحكي حيث لم تتجرد خديجة طنانة عن خلفيتها كفنانة تشكيلية فكانت ثنائية "الضوء والظل" منطلقها في رسم بروفايل" طاطا امباركة ",التي أغواها بياض فراشة وهي طفلة لم تتجاوز ربيعها الربيع ,فلاحقتها آملة أن تضعها على يدها الصغيرة السوداء لتستمتع بوهج "التضاد "غير مدركة أن ذاك البياض الوهم هو الطعم الذي سيخرجها من الجنة"ّحضن الأم"ليدخلها في متاهة الأدغال حينما أغراها علو الأشجار وسراب انعكاس الشمس في ماء البحيرة، معتقدة بوجود شمسين قبل أن تنطفئ الأنوار وتغرق في ظلام حالك، حينما اختطفت من قبل أيادي خفية وسط الغابة وضعتها بكيس خشن، لتجد نفسها ترتحل من قبو إلى آخر باستسلام تام تحت أقدام الأسياد، هذا التدرج للشخصية المحورية وتطورها لامسه الجمهور عبر تقنية الديابو راما "الذي وظف من قبل المخرجة كخلفية لمشهد البوح هذا ....