إعداد :
أمنية محمد عبد الفتاح ْ د / يحيي حمدي محمد البشار
مقدمة :-
رغم مظاهر القوة والرقي الحضاري التي سادت معظم فترات حكم ملوك الأسرة الثانية عشرة إلّا أنها تتوارى في غموض لينتقل الحكم إلى أسرة جديدة هي الأسرة الثالثة عشرة، فتدخل مصر من خلالها مرحلة يسودها الضعف والتمزق .
أما عن العوامل التي أدت إلى زوال الأسرة الثانية عشرة وبالتالي الدولة الوسطى فهي متعددة، وبتتبع الأحداث وملاحظتها يتبين لنا مدى تعددها وتنوعها وهي تتلخص في النقاط التالية :-
1- الوسيلة التي وصل بها أمنمحات الأول إلى الحكم ونهايته توضحان الكثير:-
- في اعتماد أمنمحات الأول على حكام الأقاليم لتوطيد حكمه ( نصوص مقبرة خنوم حتب الثاني) في بني حسن، واعتبار حكمه بداية لعهد جديد (وحم مسوت) أي تكرار الولادة، هذا بالإضافة إلى نبوءة (نفرتي أو نفر رحو) التي تقدمه في صورة المخل،, مما يجعلنا نعتقد بأن هناك صراع على الحكم انتصر فيه أمنمحات الأول وأعوانه على أنصار الأسرة السابقة .
- نهاية أمنمحات الأول المحزنة كما توضحها قصة (سنوهي) و (بردية نصائح أمنمحات الأول لولده سنوسرت)، تدل على وجود نزاع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة .
2- التسلل الآسيوي وانتشار الآسيويين في البلاد بل وداخل منازل الأغنياء كخدم لهم، مما يدل على أن مقاومة ملوك الأسرة الثانية عشرة لهذا التسلل لم تكن ذات تأثير، ففي عصر سنوسرت الثاني كان هناك إلى جانب هذا التسلل غير المشروع زيارات ودية كان يقوم بها أقوام آسيويون كما توضح لنا مقبرة خنوم حتب الثاني التي تقدم لنا المناظر المنقوشة على جدرانها هؤلاء الوافدين يقودهم رئيس يدعى (إبشا) و يبدو أن مقاومة هذا التسلل الآسيوي قد اتخذت مظهر العنف تارة و مظهر الود تارة أخرى كما يتضح لنا من :-
- تحصين الحدود الشمالية الشرقية .
- اختيار موقع العاصمة الجديدة( إيثت تاوي) في مواجهة الشمال الشرقي .
- الحملات العسكرية والزيارات الودية .
3- ازدياد نفوذ حكام الأقاليم بداية من حكم سنوسرت الثاني مما انعكس بالخير على أقاليمهم من ناحية وأضعف من نفوذ الملوك من ناحية أخرى .
4- الأسرة الثانية عشرة أسرة حاكمة من أصل جنوبي، تسمى أربعة من ملوكها باسم أمنمحات (آمون في المقدمة) تهجر الجنوب لتقيم وتدفن في شمال الوادي بل ينسب أحد ملوكها العظام (سنوسرت الأول) الفضل في اعتلائه العرش إلى إله هليوبوليس (حور آختي) ويقيم له كذلك معبد ضخم لم يبق منه الآن إلّا بضع أحجار مبعثرة ومسلة المطرية الشهيرة وهو أمر يدعو إلى التساؤل .
5- ظهور نصوص اللعنة وهي نصوص سحرية تنقش على الأواني الفخارية الحمراء أو على تماثيل بشرية صغيرة بدائية الصنع، تستخدم في الطقوس الدينية أو السحرية ليصب بها الملك أو من يقوم بها اللعنة على أعدائه أو على من يتوقع منهم العداوة، وردت عليها بالحذف أسماء بلاد آسيوية منها اسم أورشليم الذي يظهر لأول مرة في ذلك العصر، وكذلك أسماء أشخاص منهم الآسيويون والنوبيون والتحنو وأيضًا أسماء مصرية مما يدل على تنوع جنسيات الأعداء وضعف قدرة الملوك على الدفاع عن مصالح مصر أو مصالحهم الشخصية .
6- سلسلة الحروب المتواصلة أنهكت البلاد وشعبها .
7- النهاية السريعة لأسرة قوية، ملك ضعيف (أمنمحات الرابع) يموت وتعتلي بعده العرش - ربما أخته – (سبك نفرو) (سبك كا رع) .
سنوسرت الثالث
تولى سنوسرت الثالث الحكم بعد وفاة أبيه .
لا يبعد أن يكون الملك الوحيد في أسرته الذي لم يشارك والده في الحكم قبل وفاته .
استمر يحكم مصر مدة ثمان وثلاثين سنة .
اتسع نطاق حكمه حتى وصل إلى ألف ميل من وادي النيل .
إليه يعزى الفضل في إخضاع حكام الأقاليم للسلطة المركزية ولذلك انعدم وجود مقابر لهؤلاء القوم في الأرياف كبني حسن والبرشة .
عرف عنه أنه اجتهد منذ توليه الحكم لضم النوبة نهائيًا إلى مصر .
في السنة الثامنة لحكم هذا الملك أجريت إصلاحات وتوسيعات لطريق سنوسرت الجميل مما قوى النفوذ المصري في النوبة .
- شيد حصنين متقابلين في آخر حدود مملكته الجنوبية هما سمنة وقمة وأعلن رسميًا أن تلك هي حدود مصر الجنوبية وأقام أثرين حجريين على شاطئ النيل هناك عثر على أحدهما فوجدت عليه نقوش هيروغليفية فرعونية هذا معناها :-
“هذا هو الحد الجنوبي للمملكة المصرية في السنة الثامنة من حكم ملك الوجه القبلي والوجه البحري سنوسرت الثالث معطى الحياة الأزلية إلى الأزل . ممنوع مرور كل زنجي بطريق الماء والأرض سواء أكان في سفينة أم في قافلة، ويستثنى من ذلك الزنجي الذي يخترق الحدود من أجل التجارة.... أو توصيل رسالة فهؤلاء يعاملون بكل إكرام . ولا يسمح بأي حال من الأحوال لسفينة من سفن الزنوج أن تمر ببلدة حح (أي سمنة) متجهة شمالًا على مدى الأيام ” .
- في السنة السادسة عشرة من حكمه أغارت قبائل كوش وزنوج شرقي النيل على الحدود المصرية فزحف عليهم بجيشه وفتك بهم، وأقام في محراب حصن سمنة تذكاراً حجرياً بين فيه حدود مملكته وحض كل من يخلفه أن يحافظ عليها وأقام هناك تمثالًا لنفسه بقصد إرهابهم كي لا يتمردوا عليه .
- دلتنا الآثار أن هذا الملك قاد بنفسه جميع حملات جيوشه وأن أعماله الشديدة في السودان وطدت دعائم نفوذه فاعتبرته الأمة في عهد الإمبراطورية فاتح السودان ثم عبدوه في عهد الأسرة الثامنة عشرة باعتباره إله النوبة .
- لما تقدم في السن أشرك معه ابنه أمنمحات الثالث ودون ذلك على جدر معبد مدينة أرسينو بالفيوم .
- توفي سنوسرت الثالث عام 1849 ق.م فأعقبه في الملك أمنمحات الثالث بلا منازعات ولا مشاحنات .
أمنمحات الثالث (ني ماعت رع)
تولى الحكم في ظل ظروف هيأت له كال إمكانيات الحكم الناجح .
جنى ثمار حروب أبيه ووجد من الإمكانيات المادية ما مكنه من القيام بنشاط عمراني واسع .
ساهم الاستقرار الداخلي في عهده في نهضة البلاد بعد أن بذل والده سنوسرت الثالث جهوداً مضنية لتوطيد أركان عرشه ليتسلمه ابنه أمنمحات من بعده قويًا ثابتاً .
عمل على تكثيف أعمال التعدين في صحراوات مصر فأرسل البعثات إلى :-
سيناء لاستخراج الفيروز والنحاس .
وادي الحمّامات لجلب الأحجار.
محاجر طرة لجلب الحجر الأبيض الجيد لبناء معابد الآلهة .
بلاد النوبة لاستخراج الذهب من مناجمها وهو الأمر الذي دأب عليه معظم ملوك مصر القديمة .
- عني بأمر تنظيم مياه النيل ولهذا أمر بتسجيل ارتفاع النهر عند قلعتي سمنة وقمة ولا تزال مستويات ارتفاع النهر في أعوام معينة مسجلة .
- كان له نشاط معماري ضخم تمثل في إقامة العديد من المعابد مثل معبد“ مدينة ماضي ” ومعبد“ مدينة شدت ” (الفيوم الحالية) بالإضافة إلى هرمه الذي شيده عند بلدة هوارة .
-أشهر معابد هذا الملك هو معبد اللابيرنت، وقد اختفى هذا المعبد ولم يتبق منه سوى مجموعة من الأحجار المتناثرة .
-هيرودوت هو من سمى هذا المعبد باللابيرنت وذلك لوجود تشابه بينه وبين القصر الذي يحمل نفس الإسم والذي بناه مينوس ملك كريت في كينوسس عاصمة الجزيرة .
- ذكر هيرودوت بأن هذا المعبد يقع بين بحيرة موريس وبلدة الفيوم كما ذكر بأنه زار المعبد ووجده رائعاً، وقد أطلق عليه العرب قصر التيه أي يضل فيه الزائر الطريق لكثرة دهاليزه وحجراته .
- قال هيرودوت في وصف هذا المعبد :-
“ لقد وجدت أنه أكبر من أن يوصف وأن ما شيده اليونانيون أقل من ناحية الحجم والنفقات من اللابيرنت الذي يفوق الأهرامات نفسها . إن به اثني عشر بهواً تدور حولها الأسوار، وأبوابها متقابلة وبه نوعان من الغرف بعضها تحت الأرض وبعضها فوقها، ويبلغ عددها ثلاثة آلاف غرفة، لقد دخلت بنفسي الغرفة العلوية وشاهدتها أما الغرف السفلية فقد سمعت عنها، لأنه لم يسمح لي بمشاهدتها، إذ قيل لي أنها أضرحة للملوك الذين سبقوا عصر هذا المعبد، وكذا التماسيح المقدسة ويتصل باللابيرنت هرم يبلغ ارتفاعه 340 قدمًا ” .
و بالطبع لا يمكن الأخذ بكل ما ذكره هيرودوت عن هذا المعبد لأن الشواهد في حالات كثيرة تشير إلى عدم دقته وموضوعيته، بالإضافة إلى عدم معرفته باللغة المصرية القديمة، وإنما يكتفى بما ذكر عنه من أنه بناء عظيم وأنه كان المعبد الجنائزي للملك أمنمحات الثالث وأنه كان مزاراً للناس حتى في العصر البطلمي .
- وتعرض استرابون بالوصف لنفس المعبد وقال انه كان مكون من عدة قصور يبلغ عددها مقدار عدد الأقاليم المصرية القديمة وكان يضم حجرات كثيرة، لذلك لم يكن المرء ليستطيع التجول داخل المعبد بدون مرشد معه وينتهي البناء بهرم كان يضم رفات الملك أمنمحات .
- في العام الأخير من حكم، أشرك أمنمحات الثالث ابنه أمنمحات الرابع معه في الحكم .
- مات بعد أن حكم مصر 45 عامًا ازدهر فيها العمران ونعمت البلاد خلالها بالأمن والإستقرار .
أمنمحات الرابع (ماع خرو رع)
تولى أمنمحات الرابع الحكم بعد وفاة أبيه، ولم تطل فترة بقائه على العرش أكثر من تسع سنوات ركن فيها إلى الهدوء مكتفيًا بما بذل والده من جهد في سبيل تقدم البلاد .
لم تذكر الوثائق عن هذا الملك إلّا القليل، منها أنه سجل ارتفاع النيل، وأنه أرسل البعثات لاستثمار المناجم في وادي المغارة وسرابيط الخادم .
ارتبط إسم أمنمحات الرابع بمعبد كوم ماضي بالفيوم بالإضافة إلى عدد قليل من الآثار .
لم يعرف بعد أين دفن هذا الملك، ويبدو أنه دفن في هرم مزغونة بمحافظة بني سويف .
- عثر بداخل هرمه على مومياء لأخت له تدعى بتاح نفرو والتي يبدو أنها ماتت في
عهده .
- تشير الأمور إلى أن الأسرة الثانية عشرة والدولة الوسطى قد دخلتا مرحلة الإنهيار منذ عصر هذا الملك، فآذن ذلك بزوال المجد الذي عاشته مصر لأكثر من قرنين من الزمان .
الملكة سبك نفرو (نفرو سبك رع)
بدأ الضعف يدب في أوصال الأسرة الثانية عشرة بعد وفاة الملك أمنمحات الثالث . وقد انتهت هذه الأسرة بالملكة سبك نفرو التي تولت عرش مصر بعد وفاة أخيها أمنمحات الرابع .
هذه الملكة هي التي يحتمل أن تكون ابنة الملك أمنمحات الثالث، وإن لم تتول الحكم بعده، حيث سبقها إلى ذلك أمنمحات الرابع (الذي يصعب تحديد صلته بها) . كما أنه ليس هناك من دليل على اشتراكها معه في الحكم مما يرجح أنه لم ينجب وريثاً للعرش .
يصعب تحديد الكيفية التي وصلت بها هذه الملكة إلى العرش، وهل كانت الوريثة الشرعية لأبيها أمنمحات الثالث أم على اعتبار أنها تزوجت من أمنمحات الرابع .
لم تحكم سبك نفرو أكثر من ثلاث سنوات وقد تجاهلت بعض قوائم الملوك فترة حكمها . ولم تترك هذه الملكة إلّا آثاراً قليلة تتمثل في بضع كتل من الأحجار التي حملت إسمها، ولعلها أضافت شيئًا إلى معبد اللابيرنت حيث وجد اسمها هناك .
- لم يرد لهذه الملكة ذكر في قائمة أبيدوس أما في قائمة سقارة فقد ذكرت باسم سبك كا رع، وكانت نائبة للملك أمنمحات الرابع، بينما ذكرت في بردية تورين باسم سبك نفرو رع وحددت مدة حكمها بثلاث سنوات وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا، وقد جعل مانيتون مدة حكمها أربع سنوات .
- كانت سبك نفرو شريكة للملك أمنمحات الثالث في حكم البلاد لبعض الوقت . ثم انفردت بالحكم بعد وفاة أمنمحات الرابع ومما يدل على أنها قد وصلت إلى العرش هو بعض الألقاب التي اتخذتها مثل (ملكة مصر العليا والسفلى,المنتمية للربتين، المنتمية للصقر، سيدة الأرضين ) .
- وقد وجد اسم هذه الملكة في خرائب اللابيرنت مما يشير إلى أنها أسهمت فيه بإضافة أو تعديل لبعض المباني .
- وبنهاية حكم هذه الملكة تنتهي الأسرة الثانية عشرة وتنطوي صفحات من أمجد عصور مصر القديمة لتدخل مصر مرحلة زمنية جديدة تعد نكسة في تاريخها وهي الفترة التي تعرف بـ (عصر الإنتقال الثاني) والتي نجح الهكسوس أثناءها في احتلال مصر .
خاتمة:-
وإذا ما حاول المرء أن يجد الأسباب التي تبرر انهيار الأسرة الثانية عشرة فإنه يقف بلا شك عاجزاً يتلمس الأسباب هنا وهناك .
ويبدو أن ضعف آخر ملوك الأسرة، بالإضافة إلى تحركات معادية لمصرفي الجنوب وفي الشرق، كل هذه الأسباب وغيرها قد عجلت بنهاية هذه الفترة المجيدة من تاريخ مصر .
المراجع المستخدمة
" تاريخ مصر القديم من أفول الدولة الوسطي إلي نهاية الأسرات" , للدكتورة زكية يوسف طبوازدة