نساءٌ مِن سيليكون!

2012-10-14
في//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f5aa0045-49ff-483a-a934-b96fe90e6232.jpeg الآونةِ الأخيرة باتت عمليّات التجميل عالميًّا جزءًا مُهمًّا وأساسيًّا وحيويًّا في زراعة الأثداء، خاصّة بعدَ انتشار سرطان الثدي، وبعد استئصال الأثداء وإعمارِها مِن جديد.
كانت أوّلُ عمليّة زرع عام 1895 باستخدام بالونات مالحة، وعام 1961 كانت زراعة السيليكون!
السيلكون مادّة كيماويّة هلاميّة الشّكل، على شكل زيوت أو شحوم أو لدائن، يُستخدم في صنع الموادّ اللاصقة وزيوت التزليق، وكان يُستخدمُ في الأساس ولا زال في صناعة الزجاج والسّيراميك، وإنتاج المصابيح الكهربائية والخرسانة والإسمنت والمطاط الاصطناعيّ!
وقد استخدمت حشوة السّليكوون في منع الارتجاج، أو لامتصاص الصّدمات، كأن توضعُ في أحذيةِ الرّياضيّين لتساعدهم عند القفز، وتقلّل مِن تأثير الارتجاج الذي قد ينتقل للرأس، ويُسبّب ارتجاجًا بالمخ في بعض الأحيان!
لقد مضت استخداماتُ السيلكون على قدمٍ وساق، وكثرت في عمليّات الحشو والتكبير أو التضخيم، وصار السيلكون يُحقن تحتَ الجلد، وتطوّرت عمليّات التجميل، واستخدامات السيليكون انتشرت بشكل كبير، ووفقًا للجمعيّة الأميركيّة لجرّاحي تجميل ترهُّل الثدي وتكبيرِه وتعزيزِه، فقد بلغت العمليّات 329000 عام 2006!
لم تتوقّف عمليّات التجميل عند زرع الأثداء وتجميلها فقط، بل طالت أجزاَء الجسد كلّه، وخاصّة زراعة الأرداف للأنثى لتتمتع بمظهر أنيق وجذاب، ففي تايلاند زراعة أرداف لينة وصلبة، بثلاث ساعات وبتكاليف فقط 5 آلاف $، بشرط أن تكون الأنثى 18 سنة وبصحّة بدنيّة وعقليّة، وذلك بغرس بالونات مملوءة بمادة السيلكون!
ولأنّ هذه العمليّات لا تدومُ إلى الأبد، فغالبًا ما تحتاجُ إلى جراحةٍ تصحيحيّةٍ وإصلاح أيّة تموّجاتٍ أو تجاعيدَ، وقد تضطرّ لزرعٍ بديل للحفاظ على الغرسات من التمزق أو التضاؤل أو الانهيار، لكن ليس مِن المفروض أن تكون هناك مضاعفات صحّيّة تُهدّد بالخطر والموت، بالرغم من أنّ الدّراساتِ أظهرت بأنّ هذه العمليات ليست سليمة تمامًا، إذ لها آثارٌ جانبيّة قد تُسبّب في التشوّهات!
لكن؛ ما الذي يدفعُ 30 ألف سيّدة فرنسية إلى التظاهر أمام وزارة الصّحّة الفرنسيّة ليُطالبنَ بالتعويضات والعدالة؟ أيّة عدالةٍ يقصدنها؟
وما الذي يُجبرُ الحكومة الفرنسيّة أن تدفعَ تعويضاتٍ لهؤلاءِ النسوة؟ ومقابل ماذا؟
حالةٌ من الاكتئاب والهلع تعيشها هؤلاء النّسوة، ممّن طالهنَّ الغشّ الطبيّ في عمليّاتِ تجميلِ أثدائهنّ، فاستخدمَ الأطبّاء سيليكون صناعيًّا مخصّصًا لأغراض البناء والعزل، بدلاً مِن سيليكون طبيّ!
الكسندرا بلاشير ترأست جمعيّة النساء من ضحايا السيلكون المغشوش في مظاهرة عنيفة، ليطالبنَ فيها بدفع تكاليف عمليّات زرع سيلكون جديد مكانَ الذي سيتمّ إزالته!
هل عمليّات التجميل نوعٌ من الاحتيال والخداع والتزوير؟
هذا الخداع المزدوج؛ لماذا تتسابق النساءُ إليه، ثمّ يُطالبن بحقهنّ في التعويض؟
وهل هنّ حقًّا ضحايا السيلكون؟
ما هي المخاطر المتأتية فيما لو تمزق السيلكون تحت الجلد؟
تظاهرة شكّلت فضيحةً لتورّطِ الشركة الفرنسيّة بولي بلانت بروثيسيس؛ والتي كانت رائدة على مستوى العالم في إنتاج السيليكون الطبيّ، وذلك في محاولة توفير قرابة مليار يورو، بالغشّ وتقليص استخدام السيليكون الطبيّ، واستخدام السيليكون الصّناعيّ الأرخص، ممّا تسبّب في إغلاق هذه الشركة الفرنسيّة، بعد خضوعِها للتحقيق القضائي، بعدما قدّمت ألفا سيّدة دعاوى قانونيّة ضدّها، على أثر إصابة أربع نسوةٍ بالسّرطان ممّن خضعن لعمليات التجميل المغشوش، كما توفّيت اثنتان منهنّ دون أن تتمكّن الفحوصات مِن الرّبط بين نوعيّة السّيلكون المستخدم والسّرطان!
لماذا اضطرّت الحكومة الفرنسيّة أن تبدي استعدادَها بدفع تكاليف إزالة السيلكون المغشوش لجميع المعنيّات بالأمر بدلاً من الشركة المسؤولة!؟
هذه الغرائبُ تدورُ في عالمِنا الصّغير هذا بكلّ تقنيّاته المستحدَثة، والرّحب بتناقضاتِه وتوجيهاتِهِ المباشرة واللامباشرة على حيواتِنا وأتساءل..
لمَ هذه التناقضات تلعبُ بشكل كبير في تحديدِ أدوارِ البشر والعالم، وتجنيسِ اهتماماتِهِ بشكل سافرٍ مغبونٍ دون حياء، وتشييء المرأة، ثمّ ينادي بالمساواة بين حقوق الرّجل وحقوق المرأة؟
هل باتت الحقوق شعاراتٍ يُتاجرُ بها مَن يجلسون على العرش المادّيّ الرّبحيّ؟
قامت شركة CityWactcher.com بتوقيع عقود مع ستة مدن لتوفير كاميرات وتقنيات مراقبة عبر الإنترنت في المناطق ذات نسب الجريمة المرتفعة، وذلك بتقنية جديدة تتلخص بحقن شرائح RFID بحجم حبات الأرز، توضع تحت سطح الجلد مباشرة، وهي من مادة السيليكون، وذلك بدلا من بطاقات الدخول وهذه الشرائح السيليكونيّة تعمل بتردد موجات الراديو!
كان أوّل استخدام لهذه التقنيّة في جسم الإنسان بالولايات المتحدة، إذ قامت إحدى الجهات المكسيكيّة بحقنِها في أجسام الموظفين عام 2004، من أجل منع وصولِهم إلى مناطق محظورة، وتقوم هذه الشرائح بوظيفة بطاقة الدخول إلى الأماكن المغلقة، حيث يوجد جهاز يتعرّف على الشريحة خارج الباب، وبمجرّد أن يضع الشخص ذراعه تحت هذا الجهاز يتم فتح الباب آليًا، وهذه الشرائح لا تتيح تتبّع مكان الشخص، وأيضًا لن ترسل أيّة إشاراتٍ للتعرف على مكانه، إنّما هي فقط تقومُ بدوْر بطاقاتِ الدّخول.
لمَ يتمّ تصويب الأنظار وبؤر الاهتمامات في كلّ مناحي الحياة العصريّة نحو جسد المرأة، ونحو عقل الرّجل وقدراتِهِ الفكريّةِ والابتكاريّة، وكأنّ العالمَ يُسخّرُهُ الرّأسماليّون فقط للاتجار بالعِلم والإبداع والابتكار والتكنولوجيا والجَمال والفنّ، وفقط من أجل الرّبح المادّيّ؟
لماذا تخضع الشعوبُ المسحوقة والثريّة على حدّ سواء للسّوق في العرض والطلب وفي البيع والشراء، والأممُ كلّها أضحت عبيد المادّةِ بدرايةٍ وبغير دراية؟!
السيلكون؛ هذه المادة الهلاميّة المستخدمة في التزليق، أيبدو أنها ساهمت في انزلاق مجتمعاتِنا عن مساراتِهِ الأخلاقيّة صوبَ الهاوية؟

 

آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved