انطباعات أولى عن حاضرةٍ كنَديّة

2014-11-14
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/05e9c960-0c0c-446f-94d4-ff3ef70e5fdd.jpeg
هكذا مرَّ  أسبوعان كاملان ، على مقامي بشارع الملِكة  ، في هذه الحاضرة الكنديّة ، تورنتو . مرَّ أسبوعان كاملان ، لكن انطباعي الأوّلَ لا يزالُ أوّل :تورنتو ضيعةٌ شاسعة ، ضيعةٌ ضائعةٌ ، حَمادةٌ بيضاءُ بثلوجها وشجرها الأسود وطيورها السود ، ليس من مَعالمَ أو شواخص ، سوى تلك العمائر التي تكاد تلمسُ السماءَ طولاً. لكن تورنتو حاضرةٌ ، حاضرةٌ كبرى في شِبه القارة الكندية ، و كما ألِفْتُ عليّ أن أتقرّاها بادئاً ، شأن الكسالى ، بأقرب موضع : شارع الملكة حيث أقيمُ في حِمى صديقةٍ كريمةٍ من العراق الذي أعرفُ .أنا غير بعيدٍ عن الكنيسة المارونيّة ومسجد حمزة . أرى البحيرة الشهيرة ، بحيرة تورنتو شبه متجمدة ، وأرقبُ الناسَ من أهل هذا الحيّ الفقير يجرجرون أقدامهم على الثلج الموحل ، لائذين بالمقاهي الفقيرة كأهل الحيّ . في شارع الملكة مكتبةٌ واحدةٌ ، تدعى مكتبة النهر ، مع أن تورنتو ليست على نهر . ربما كان صاحب المكتبة يعني نهر المعرفة . لكن أهل هذا الحيّ فقراء ، لا تعنيهم الكتب كثيراً ، إذ لم أرَ شخصاً يدخل " مكتبة النهر " سوى صاحبها .حانات هذه المنطقة من " شارع الملكة " عتيقةٌ باليةٌ ، يدخلُ فيها أناسٌ شُعْثٌ غُبْرٌ ، مثقلون بالأيام  والأسمال .أهل شارع الملكة  مغرمون بالكلاب حدّ الولَه . بل لقد رأيتُ كلباً ينتعلُ حوافرَ تقيه لذع الثلج على الرصيف نصف الموحل ! والعجبُ أن كلاب تورنتو لا تُخْرِجُ ألسنتَها  : برداً أو ترَفاً !ومن عوائد الناس هنا التعلُّقُ بمخازن المستعمَلات من ألبسةٍ وأدواتٍ ، مع أن المواد قد تباعُ ، أحياناً ، بسعرٍ أغلى من غير المستعمَل ! على أيّ حالٍ ، إن كنتَ في روما فعليكَ أن تفعلَ ما يفعله الرومانيّون : وهاأنذا أرتدي سروالاً وصداراً من مخزن ألبسةٍ مستعمَلةٍ  غيرِ قريبٍ !
زرتُ كندا أكثر من مرةٍ ، ذهبت إلى فانكوفر  وفكتوريا وكالغاري في مناسباتٍ ثقافية ، وأقمتُ حيناً في مركز " بانف " الثقافي  بجبال الروكي الكنديّة ، لكني الآن أرى الحياة اليومية في كندا كما هي ... بين الناس الفقراء .
في شارع الملكة ، ترى شعوباً وقبائل متعارفةً : أناس من التبت وبلاد العرب وإفريقيا والكاريبي وشبه القارة الهندية والصين،
وفي منطقتي من شارع الملكة لا تكاد ترى أحداً من الأنجلو سكسون ، السادة الفعليّين في كندا . لكنني قررتُ البحث عن مظانِّهم ، فأنا قادمٌ من عاصمة الإمبراطورية ، حيث إليزابث الثانية ملكةٌ على كندا أيضاً ! وقد وجدتُ واحداً من هذه المظانّ : حانة رينو ... حيث الروّاد جميعاً من الأنجلوسكسون ، هناك شربتُ مع صديقتي بيرة غينس الإيرلندية مع أصابع البطاطا التي تُدْعى هنا " فرايز " .
بدأ الجوّ يتحسّن تدريجاً
الشمس تطلّ
والبحيرة تلتمع في البعيد.
أنا سعيدٌ!
 
الجمعة
14.3.2014
 
تورنتو في الشتاء


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved