تثير رواية "أوراق خريفية" للكاتب محمد عبد الله البيتاوي الكثير من التساؤلات والإشكاليات، ومن ذلك صورة المرأة في الرواية، فقد تعددت الشخصيات النسائية فيها، فكانت الساردة غادة والأم، والسكرتيرة (سكرتيرة مدير الشركة، وسكرتيرة الصديق الأديب)، وشخصيات ثانوية أخرى وردت على هامش الأحداث .
أما شخصية غادة فهي الشخصية الفاعلة في الرواية بوصفها ساردا يقص الأحداث ومتحكما بالعالم الروائي من ألفه إلى يائه، فقد ظهرت امرأة شابة شبقية، يشتهيها كل من يراها، تلفت نظره جغرافية جسمها، ويتمنى أن يداعب ثدييها أو يقبلها، كما أنها تتعرض للتحرش من كثيرين، تحرّش بالكلام، وتحرّش بلمس اليد، ومع أنها تألمت من فعل مديرها عندما قرصها في ثديها، إلا أنها عند استعادتها للحدث تستعيد ما شعرت به من لذة وخدر يسري في عروقها لحظتئذِ .
وغادة أيضا تحب مغازلة عامر زميلها في العمل لها، ومغازلة الصديق الأديب، وتتغاضى عن تحرشات الشاعر الإلكترونية وتسمح للأستاذ لطيف أن يتحدث عن جمالها وتأثره بها عندما زارته في مكتبه لمرة واحدة لعرض روايتها الأولى عليه، بل إنها تعبر عن لذتها القوية الشبقية عندما كان صديقها الأديب يقبّلها وتنزلق يداه نحو صدرها، وتشعر بالانتكاس إن ذهبت إليه يوما، ولم يعر جسدها الانتباه المعهود أو لم يقبلها أو كان باردا معها .
امرأة مثل هذه المواصفات وهذا الشبق، سيكون مبررا من ناحية نفسية وقوعها تحت شوقي، حبيبها القديم أيام الدراسة الجامعية، ليستمتع بها، ويفضّ بكارتها، وإن ندمت على ذلك إلا أن ندمها لم يكن مرَضياً وإنما فقط مجرد ندمٍ على أنها أعطت أغلى ما تملك، كامرأة، لرجل لا يستحقّ، وبالتالي كانت على أتمّ الاستعداد أن تكون مرة ثانية تحت صديقها الأديب مع أنه كبير في السن ومتزوج، لولا أنه هو من امتنع وأخبرها أنه ليس فحلا، ولا يستطيع أن يفعل معها ما يجب أن يفعله الرجل مع المرأة، وقد صارحها بذلك بعدما لمس منها فعلا أنها تنتظر ذلك منه .
ويتصل بهذه الصورة لغادة ما عبرت عنه هي نفسها أو الشخصيات الأخرى من لغة مكشوفة، تناسب بطبيعة الحال هذه الشخصية وما تتمتع به من شهوة عارمة، وما فعله المدير مع السكرتيرة الجديدة في المكتب حيث لاطها وتوجعت، وبان ذلك في مشيتها، وما شعرت به من ألم عند جلوسها والحكة التي صاحبتها . وتطور الأحداث بعد ذلك ووقوع المدير في شركها حيث أجبر على الزواج منها بعد أن اكتشف أمرها إذ تم ضبطهما متلبسين بالفعل في المكتب، حيث كانت عارية تجلس في حضن المدير، ثم مكوثهما يومين كاملين في غرفة الفندق، يستمتع أحدهما بالآخر .
هل كان حضور المرأة في الرواية واقعياً في تلك الصورة التي رسمتها لها الرواية ؟
لم تكن الصورة السابقة هي كل ملامح شخصية غادة، وإنما بدت أيضا شخصية مثقفة تشترك في المناقشات الثقافية في مجتمع المثقفين مع شاعر المدينة وصديقها الأديب والأستاذ لطيف وآخرين من الوسط السياسي، ولها آراؤها السياسية والثقافية بالإضافة إلى أنها كاتبة روائية، ومن خلال تلك المناقشات العامة حول الموضوعات المطروحة في الرواية وكانت غادة هي المحرك الأساسي والفاعل الرئيس فيها بوصفها ساردة وشخصية محورية في الرواية، وكانت تتمتع بالحرية الشخصية وتدافع عنها، إذ جسدت غادة في السياق الروائي فكرة تلك الحرية وممارستها إلى أقصى حد، سواء في حريتها في الكتابة أو الحرية في ارتداء اللباس الذي تريده أو في علاقاتها الشخصية، وبذلك قدمت غادة نموذجا واقعيا للمرأة في المجتمع الفلسطيني، فلم تتقنع وراء أفكار مثالية ولم يُسند إليها دور أكبر من دورها في المجتمع، بل لقد ظلت خاضعة بشكل أو بآخر للمنظومة الإجتماعية الفكرية السائدة في المجتمع الفلسطيني، ولم تستطع المجاهرة بسلوكياتها السرية، وخاصة علاقتها مع شوقي والصديق الأديب. ما يعني بصورة أخرى أنها تمارس حريتها بينها وبين نفسها مع أشخاص آخرين ضمن التواطؤ المجتمعي الذي يغضّ الطرف عن العلاقات السرية ويرفض وبشدة ظهورها للعلن، كما حدث مثلا بين المدير والسكرتيرة ليتحول ما قاما به إلى فضيحة وجب سترها بالزواج .
كما أن النماذج النسائية الأخرى التي ذكرت أعلاه (الأم، والسكرتيرتان)، لم تشكل أي منها خروجا عن الواقع الإجتماعي والوظيفي الذي تعيش ضمنه النساء في المجتمع، فظلت الأم ظلاً للرجل، وتعمقت حالتها تلك وبرزت بشكل واضح خلال مرض زوجها، فظهرت ضعيفة، ومحتاجة للرجل، ولا تستطيع أن تخفي عن زوجها أي سر أو معلومة، حتى لا يغضب منها. وكذلك الحال بالنسبة للسكرتيرتين، فقد كانتا مثالين لواقع المرأة التي تعمل سكرتيرة، وغالبا ما تكون عامل متعة لمديرها بالإضافة إلى عملها الأساسي، بل ربما غلب على ظن القراء وظن الناس في الحياة الواقعية أن هذه المهمة من المتعة هي لب عمل أي سكرتيرة لأي مدير، مهما كان، ومن ذلك اكتسبت هذه الوظيفة سمعة سيئة في الأوساط الإجتماعية .