اختلفت تقييمات فعاليات نسائية وحقوقية بالمغرب حول مصادقة الحكومة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروف باسم "سيداو"، والذي سبق أن أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1999.
ورحبت بعض هذه الجهات بمصادقة المغرب على هذه الاتفاقية باعتبارها ستمنح المرأة المغربية وضعية حقوقية واجتماعية تليق بها وبكرامتها، وتحذف كل مظاهر التمييز بينها وبين الرجل، فيما اعتبرت أطراف إسلامية أن المطلوب هو إجراء مساواة تكاملية بين الجنسين على أساس العدل والإنصاف دون الخروج عن مقتضيات الشريعة الإسلامية.
وجدير بالذكر أن المغرب كان يضع سابقا تحفظات عديدة على بعض بنود هذه الاتفاقية التي تهدف إلى "تمكين الدول الأطراف من الاعتراف بصلاحية لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة للبت في التبليغات المقدمة من قبل أفراد أو مجموعة أفراد خاضعين لولاية الدولة الطرف، والذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك لأي من الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة".
مساواة كاملةوبالنسبة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، فإن التصديق الرسمي على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة أمر مرحب به، وكان مطلبا مُلحا ما فتئت الجمعية تطالب بتنفيذه من طرف الحكومة بهدف تطبيق وترسيخ الحقوق الإنسانية الأساسية للنساء في المجتمع المغربي.
وبحسب رشيدة طاهري، إحدى الناشطات القياديات في هذه المنظمة النسائية، فإنه كان لزاما على المغرب الانخراط الكامل في اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة، باعتبار أن النساء في المجتمع المغربي ما يزلن يعانين من مظاهر صارخة تبرز درجات التمييز القانوني والوظيفي والجنسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ضد المرأة.
وتشرح الناشطة أن الكثير من المغربيات يعشن أوضاعا قانونية لا تمنحهن المساواة المنشودة التي تحفظ لهن كرامتهن وإنسانيتهن بالرغم من تطبيق مدونة الأسرة بالمغرب منذ سنوات؛ حيث لا يزال هناك وجود لظاهرة تعدد الزواج وللطلاق الأحادي ولزواج القاصرات، فضلا عن ضعف تفعيل مسطرة التطليق للشقاق وحق الزوجة في المكوث في بيت الزوجية بعد الطلاق، ثم اللا مساواة في حصص الإرث بين الجنسين..وغيرها من المظاهر التي تكشف التمييز ضد المرأة بشكل عام.
وتنادي الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بضرورة دسترة المساواة بين الرجل والمرأة حتى تترسخ المواطنة الكاملة للنساء بالمغرب بشكل دستوري صريح، وأيضا بأهمية سمو المواثيق الدولية على القوانين الداخلية في مجال حقوق المرأة.
وفي السياق ذاته، شدد "الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة"، والذي يضم العديد من المنظمات النسائية، على أهمية أن يواكب الدستور المُرتقب حدث مصادقة الحكومة على اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، بأن ينص صراحة على المساواة الكاملة التي لا نقص فيها بين الجنسين في شتى الحقوق المتعارف عليها مثل الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
إشكاليات التعارض مع الشريعةوفي الجهة المقابلة، تعتبر بسيمة حقاوي رئيسة منظمة تجديد الوعي النسائي ذات الخلفية الإسلامية، أن المساواة بين الجنسين مطلب وهدف مرجو لدى الجميع شرط أن يكون المنطلق و الهدف منها هو تحقيق العدل بين الطرفين، لكون المساواة الميكانيكية بين النساء والرجال لا تجدي شيئا ولا تحقق مبدأ المساواة بينهما.
وترى حقاوي أن إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة ينبغي أن يضمن مساواة بين الرجال والنساء في الحقوق التي يجب أن تكون متعادلة بينهما لا تمييز فيها لأحد على الآخر في مجالات الحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية وغيرها، لكن دون أن تعارض هذه المساواة الأحكام القطعية للدين الإسلامي.
وتشير الناشطة النسائية إلى مسألة أحكام الإرث التي فصَّل فيها الله تعالى في القرآن الكريم متحدثا عن حق الذكر والأنثى في المواريث، حيث إنه في مثل هذه الحالات التي تتعلق بأحكام شرعية قطعية لا يمكن الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة.
واستخلصت حقاوي أن المساواة المطلوبة إذا هي المساواة التي ترتكز على مبدأ التكامل والإنصاف، والتي تحفظ كرامة المرأة وتصون حقوقها وتراعي خصوصياتها الإنسانية والجنسية التي تقتضي إجراءات محددة؛ من قبيل حمايتها من العنف المسلط عليها الذي يخدش كرامتها، أو حظر الأعمال التي تُنتهك فيها كرامتها وإنسانيتها أو حرمة جسدها.
ومن جانبها، شددت جميلة المصلي، رئيس مركز الوئام الأسري، على أن رفع التحفظات التي كان المغرب قد سجلها من قبل على بعض المواد من الاتفاقية لتعارضها مع الشريعة الإسلامية مثل المادة رقم 16، يفضي إلى التصريح بمساواة تامة بين المرأة والرجل حتى في مسائل الإرث، مشددة على أن لكل مجتمع خصوصياته الثقافية والدينية، فلا ينبغي بالتالي الانسياق وراء الاتفاقيات والقوانين الدولية بدون تمحيص أو تحفظ.
________