من ظن أنه عرف فقد توهم. ليس للمعرفة حدود يبلغها المرء وينعم البال. الشك هو طريقنا إلى التقصي، نكتسب المعرفة بالنظر والرؤية، ولكن ألسنا ننظر فنرى في الشيء الواحد غير ما يراه غيرنا؟ ونتعرف على الأشياء باللمس، ولكن هل نجد جميعا في الشيء الواحد الشيءَ نفسه؟
***
قبل أحد عشر عاما فقط كان العالم يبدو وكأنه قد اتخذ هيأته الأبدية، وكان المرء يستطيع أن يختار المكان الذي يقف فيه لأنه اعتقد أنه يعرف العالم. بين يوم وآخر تغير الحال، ووجدنا أنفسنا مثل راكبي عجلة هائلة توقفت مثلما دارت فجأة، فوجد نفسه من كان في الأعلى قد أصبح في الأسفل ومن كان في اليمين قد أصبح في اليسار، حلت شركات التأمين محل جمعيات التضامن وتحول دارسو الفلسفة إلى دراسة الأنظمة الضريبية، ووحد العالمَ، رغم اختلاف أمصاره وشعوبه وتعدد لغاتهم، معيارٌ واحد للنجاح: المال. إستبدل بعضنا ممن كانوا يملكون اليقين الذي يطلقون عليه أيضا (الحقيقة) بيقين آخر، ونام مطمئنا. تبرأنا من التخطيط الاقتصادي وامتدحنا فوضى السوق الحرة، وهنأنا أنفسنا بحريتنا في اختيار واحد من خمسين نوعا على الأقل من مساحيق الغسيل التي يَعِد جميعها ببياض ناصع لا تشوبه ظلال البقع مهما كان منشؤها، وصرنا نخطط لما سنكونه بعد عشر سنوات. هل يعرف أحد ما سيحدث بعد عشر سنوات؟
مجلة القمة العربية 1.11.2000