لهذه الرواية المشوّقة ابواب عدة ،أغوتني قراءتي للدخول من باب التسمية ،حيث توصلتُ الى ان الرواية تنسج شبكة تسموية محكمة، كماأوصلني هذا الباب الى فضاءات لها فاعليتها في التروية، بتعدد رواة النص الروائي، وتوقفت عند الوجه الذي تكون له وظيفة القناع...
ثريا الرواية
تستعير عنونة الرواية أسما مشهورا يهيىْ القارىء لفعل قراءة معينة لامن خلال الرواية المكتوبة من قبل ميري شيلي بل عبر مشاهد ة الفلم المرعب الذي مثله (روبرت دين نيرو)..فالقارىء سيقبل على قراءة رواية مشوقة حول شخصية شاهدها في فيلم من افلام الرعب.. وهي شخصية مصنعّة من قبل ذلك الطبيب العبقري.. ولو نشر السعداوي روايته تحت عنوان..(أساطير من الشارع العراقي) كما فعل الصحفي محمود السوادي في ص153، ربما ما لاقت رواجها الحالي.. لكن علي باهر السعيدي، وهو ينظر الى صورة ممثل فلم فرانكشتاين.. حوّل الصورة الى نصيص أعني ثريا المقال، لكن (..لم يفرح محمود بالنتيجة كثيرا، خصوصا مع التعديل الذي شاهده على عنوان المقالة : فرانكشتاين في بغداد )..
ربما قصد السعيدي الأثارة الصحفية من أجل (جعل الموضوع ممتعا)
.وستتنوع الاسماء المستعارة حول بطل الرواية، فهو (الشسمه ) كما يطلق عليه هادي العتاك، أو..(اللاأسم له) بالنسبة للمتعلمين أو (السيد أكس) بالنسبة للسلطات الأمنية
(1)
والد الصحفي محمود السوادي يستعير حياة لنفسه لاتشبه الحياة التي يريدها..فيحشر نفسه في (شخص محترم جدا وذو مهابة) ويبذر الحياة التي يحبها ولم يعشها، في تربة ورقية (أكثر من سبعة وعشرين دفترا مدرسيا من فئة المئة صفحة/ ص133) لكن الحياة المسطورة واللابدة في الورق المدرسي لاتروق لزوجته وأولاده.. وتحولها الزوجة الى سبعة وعشرين قرص خبز وتنضجها بهدوء على نيران الاعترافات الخطيرة في تنور البيت في حي الجديدة في ميسان
وهكذا عاشت الحياة الحقيقية ضمن سرية سيرورة المسطور، وما ان حركت العائلة سكونية المسطور، حتى صارت النار القارىء الاخير لها..!! ما أخذوه من حياته المسطورة، هي عودتهم الى لقبهم العشائري، الذي حذفه الأب وأستعار لقبا تعود براءة اختراعه اليه..
(لقب السوادي نفسه، الذي اخترعه والدهن، مدرس اللغة العربية، بتجاهل تام للقب العشائري المعتاد، غير ان وفاة الأب كانت وفاة للقب المخترع ايضا، حيث عاد الأخوة الى لقبهم العشائري المعتاد الذي يفخرون به/ ص134) وكانت ردة فعل محمود هو التشبث بالأب، عبر تلك الأستعارة الابوية... وهكذا تحول الأسم المستعار أعني لقب العائلة الأفتراضي الى حقيقة تداولية بأجراء من محمود ( نكاية بهذه القسوة في طمس سيرة الأب تمسك محمود بلقب السوادي وكرّسه اسماً يُعرف به في الصحف والمجلات )
(2)
الحارس الأمني في فندق السدير :حسيب محمد جعفر، سيتشظى اسمه وجسده في النص
بسب جريمة أرهابية..وستكون روحه هائمة تبحث عن جسدٍ لتستقر به ويكون هذا الاستقرار شرطا لحيازة قبرا، يوصله الى الآخرة بشكل لائق، حتى لايدفن بالاستعارة كما سيدفن دانيال
ابن العجوز ايلتيشوا ..حين يضعون بدلا عن جثته أحد قمصانه وبقية كيتار دانيال والعجوز ايليشوا أم دانيال هي بدورها تعيش بالأستعارة فهي..(تستعمل ذكرى ولدها الراحل كي تستمر في العيش لاأكثر../ 14)...
(3)
حسيب محمد جعفر/ الحارس الأمني بفندق السدير، بمقتله في الانفجار، يقتل معه أسمه في الرواية ويتحول الى جثة افتراضية (في التابوت وضعوا حذاءه الأسود المحترق ومزق من ملابسه الملوثة بالدم ويقايا صغيرة متفحمة من جسده المتلاشي / 43)
فينصحه شاب ضحية عملية ارهابية بالبحث عن جسده .(هناك في وادي السلام في النجف تفحص القبور كلها، لم يعثر على شيء يدله على باب الخروج من حيرته ، فينصحه الشاب الضحية بالبحث عن جثته أو أي جثة أخرى ..أتوقف هنا كقارىء لأقول ان في الرواية يتماهيان الواقعي والغرائبي في مثنوية سردية تزيد من عمقها السخرية الشعبية كما في الحوار التالي بين القتيلين في وادي السلام في النجف
(لماذا أنت هنا..عليك ان تبقى بجوار جثتك
لقد أختفت .
كيف أختفت ؟..لابد ان تجد جثتك أو أي جثة أخرى وإلا راح تنلاص عليك
كيف تنلاص؟
لاأعرف..بس هي تنلاص دائما/ 46)..نلاحظ ان لغة البرزخ تستعير مفرداتها من اللهجة الشعبية الدارجة، فجاءت مفردة تنلاص بدلا من مفردة (تتعقد الأمور).. فيغادر القتيل محمد حسيب جعفر وادي السلام الى مكان الحادث الاجرامي الارهابي الذي تسبب بمقتل المواطنين والمواطنات....فيعشر محمد جعفر على ضآلته الجسدانية، فيستعيرها حتى لاتنلاص عليه
:تشكيلة جسدانية من خرابة هادي العتاك ..(شاهد شخصا عاريا نائما وسط بيت في البتاوين، أقترب منه وتأكد من أنه شخص ميت..ونجح هذا التقمص فكلاهما ينقصه أحد الأثنين..(..تيقن في تلك اللحظة، أن هذا الجسد لاروح له، كما هو الأمر معه، روح لاجسد له/ 48)..لكن هذه الاستعارة الجسدانية للروح لاتكفي، فحتى تشتغل البطارية لابد من اتصالية تسموية وهذه ستهبها اياه العجوز أيليشوا، حين يلوذ ببيتها (صاحت عليه : إنهض يادانيال..إنهض يادنيّه..تعال ياولدي / 63) ان النداء التسموي هو فاعلية استعارة غير قصدية فأطلاق اسم دانيال على اللاأسم له والذي تقمصه حسيب محمد جعفر، هو نتاج توهم من قبل ايليشوا، وهكذا ..(أخرجته العجوز من المجهول بالاسم الذي منحته له : دانيال / 63)..
والشسمه لايفقد لحما بعد أخذ الثأر لمن أستعاره منهم فقط، فهو سيفقد مبررا من مبررات وجوده برحيل ايليشوا أم دانيال (نظر الى بقية أرجاء البيت وداهمه حزن . فهو لن يرى العجوز إيليشوا مرة ثانية، تلك التي أسهمت في ولادته، والتي منحته اسم ابنها المفقود . شعر بأنه كان الشخص الأقرب إليها من الآخرين، وانه يحمل جزءا من ذاكرة ولدها . وأنه الآن برحيلها فقد واحدا من مبررات وجوده .لقد تركته وهي لاتعلم أنها تركت آخر خيط يربطها مع ابنها الراحل /299)..
ان مشاعر الشسمه هنا حقيقية في تدفقها الانساني، ومنبثة من وحشة المكان /البيت الذي غادره الدفء الإنساني.. لكن هذه المشاعر، يبدو لم تحط علما بحضور دانيال الحفيد، الحقيقي الذي خاطبها بلسانها الآرامي، وتجاوبت معه بذات اللسان وهو يستأذنها لدخول البيت (ليتأكد من كونها مازالت بوعيها وتدرك مايجري : (داخي إيوت ؟) فترحب به ليدخل البيت (سباي إيون باسيما/ 286- 287)..أما الشسمه فكان يتركها تتحدث وحدها وهما بحضرة نصف الإضاءة ..
(4)
إذا لابد للإنسان من ثلاثة قوى دافعة : الجسد / الروح/ الكلام.. ولابد علينا ان نتفهم ان القنونة لها تسيرها الذاتي الذي يكتنفه الغموض..(هناك قوانين لاتعمل إلا في ظروف خاصة / ص144 فرانكشتاين في بغداد)..
إذا كانت أم دانيال قد أصبحت أماً ( للشسمه)، بعد ان توهمته دانيال المفقود منذ عشرين عاما في الحرب العراقية - الآيرانية فأن هادي العتاك هو الأب المستعار، وقد حاول هادي اشهار هذه الابوية كنوع من الوقاية ( فهو بوجه من الأوجه بمثابة أبيه .فهو الذي أتى به الى هذه الدنيا. أليس كذلك؟!/ 142) فأذا به يتلقى اجابة على هيئة لطمة على وجهي : (أنت مجرد ممر يا هادي . كم من الأباء والامهات الاغبياء انجبوا عباقرة وعظماء في التاريخ.. ليس الفضل لهم..
أنت مجرد أداة، أو قفاز طبي شفاف ألبسه القدر ليده الخفية حتى يحرك من خلالها بيادق على رقعة شطرنج الحياة / 142)..
(5)
زينة هي نوال الوزير بالأستعارة فكلما أكدت على ان اسمها زينة أطلق عليها محمود السوادي أسم نوال الوزير(كررت أمامه كما في المرة السابقة أن أسمها (زينة) ولكنه لم يكترث . قال ان اسمها هو نوال الوزير/ 262) هل الظلام الشفيف يمحو الاختلاف التسموي،ويوّحد الجسدانية وهكذا ..(تحدد ملامح عامة لإمرأة يمكن ان تكون أيّ أمرأة في العالم ،وكان يرى رغم ذلك انها مازالت أمرأة واحدة، نوال الوزير التي أحبها ولايرغب بشيء سوى ان يضمها بين ذارعيه، وهذا ماحصل عليه. هاهي بين ذراعيه رغم أنها تقول أن أسمها زينة /263) وزينة وظيفتها لاتختلف عن وظيفة هادي العتاك بالنسبة للشسمه، أعني ان زينة محض ممر يوصل محمود السوادي الى ممارسة الجنس مع نوال بالأستعارة !! لكن زينة لاتريد ان تكون سوى نفسها زينة وحين يناديها ترد بغضب وصلافة (يانوال هاي؟ أكلك أسمي زينة..أصخام..تكلي نوال؟/ 264
(6)
وسيكون دانيال الحفيد كنوع من الاستعارة عن دانيال فقيد الحرب ، والعلاقة بين الدانيالين هي العلاقة بين الخال المفقود وابن الاخت الحي القادم من أستراليا، لأقناع جدته انه هو دانيال الابن
وبهذه الخدعة الاضطرارية، ستترك ايليشوا البتاوين، وتستقر مع أبنتيها المقيمتين في استراليا
(فالشبه كبير بين دانيال الحفيد وخاله المتوفي / 288) من هنا جاءت الخطة التي( تعتمد على عنصر واحد، تأثر العجوز برؤية حفيدها وأستجابتها لمقترحاته..)..
هادي العتاك
بأنانية تثير الأشمئزاز ،لايهرع للمساعدة في نقل الجرحي، هذا العتاك (كانت صورته كشرير غير مبال ٍ تسعده / 28) بل ينتظر الحصول على مايريده من قطع غيار بشرية(كان يبحث../29)..
مالذي دفع العتاك الى تجميع مايتبقى من الأجساد البشرية المتشظية؟ كأنه يخيط الجسد العراقي وفق ما يتوفر له من بقايا بشرية بعد كل جريمة أرهابية، إذن هي فاعلية لاتخلو من تسلية قبيحة
في الجسد العراقي، في خياطة هادي العتاك المتموضع في راتوب حثالة المجتمع، ثمة استعارة كبرى على مستوى معالجة العملية السياسية العراقية ؟! وما يقوله هادي لايقنع لا المستمعين ولا الصحفية الألمانية ..
(- كنت أريد تسليمه ُ الى الطب العدلي، فهذه جثة كاملة تركوها في الشوارع وعاملوها كنفاية، أنه بشر ياناس.. إنسان ياعالم
- ليست جثة كاملة..انت عملتها جثة كاملة/ 34)
بأختصار..هو يلتقط هذه الأشلاء، كما يلتقط علب المرطبات الفارغة، ويطعجها، ثم يبيعها، اين الحس الانساني في التعامل ؟ وكيف يمكن العيش في خرابة مع ماتطلقه هذه الأشلاء من روائح ؟أي دمائية سلوكية ينتسب لها هذا العتّاك ؟ وما الذي سيفعل بها هذه الجثة إذا أكتملت ؟ هل سيبيعها على طلبة كلية الطب ؟ ان هذا التعامل البضائعي، هو نوع من الأستعارة ،الانزياحية الشرسة ويمكن ان تكون في اللاوعي بمثابة تعويض عن مقتل صديقه وشريكه في العمل ناهم عبدكي (ويمكن الأفتراض انه مع هادي مثل الأب وابنه /31) أم هو يعيد صياغة ناهم ،كما جرى له في المشرحة ليستلم جثته..(..وهناك أصيب بصدمة كبيرة ،حين شاهد كيف أختلطت جثث ضحايا التفجير مع بعض .قال الموظف في المشرحة لهادي، أجمع لك واحدا وتسلّمه ،خذ هذه الرجل وتلك اليد وهكذا../265)هذا المشهد البشع تشكل سؤالا في النظام الفسلجي لهادي العتاك ، (تغيرت هيئة هادي فجأة بسبب الصدمة، صار عدوانيا، يشتم ويجدف ويرمي الحجارة خلف الهمرات الامريكية أو سيارات الشرطة والحرس الوطني ويتعارك مع أي شخص يفتح أمامه سيرة ناهم عبدكي وماجرى له..وبات يشرب خلال النهار وغدا أكثر قذارة بلحية نامية وملابس متسخة..فما ان يترك لوحده حتى يرتدي وجها متجهما قانطا لم يكن معروفا/ 32)..
(1)
وعلى المستوى التقني للرواية ان هادي هو مؤلف الرواية من الداخل، لولا عمله اللاخلاقي هذا ، لما نهضت الرواية بكل هذا التدفق الكابوسي العراقي.. وهو السارد الضمني الاول في الرواية
يشارك في صناعة الحدث ،ويطعجه مثل علبة المرطبات ويخيط له قطع بشرية حسب التصريف..(كي يجعل لقصته جاذبية أكثر حريصا على ايراد التفاصيل الواقعية/ 25)..وهادي يوّثق حكيه بشهود عدل ..(خو أنت يا إستاذ شاهدت هذا المنظر؟ شفتوا ؟..خو ماجبت شي من عندي ؟ هذا شاهد /39)
والسارد الثاني هو الصحفي محمود السوادي، الذي يرفد النص بذخيرة حية من خلال السرد الصحفي/ ص153 وغيرها من الصفحات
السارد الثالث ،الشسمه نفسه، وسيكون الرابط الاتصالي بينه وبين السعيدي ونحن القراء هو آلة التسجيل../الفصل العاشر – الشسمه : ص156
ومن خلال هذا الفصل ستتضح لنا أبعاد أخرى تشكل مكونات مسرود من قبل نسق ثلاثي
تعين الشسمه من خلال شحنه بسرودها الملجومة..(لدي عدد من المساعدين...يقيمون معي تكونوا وتجمعوا حولي..أهم رجل عجوز أسميه (الساحر) / 158-159)..وما يقوم به هذا الساحر الذي كان مرتبطا مع النظام السابق ،هو فعل استعارة، سيجعل الشمسه ينتقم له
(لأنه مؤمن بأنني أمثل انتقامه وثأره ممن أسأؤوا له في حياته/ 159) كأن مايقوم به الساحر هو نوعا من الامالي التي يمليها على الشسمه، وهناك السفسطائي ،الذي سيستعير منه الوعي
(وقد أستعتت به كثيرا من أجل فهم المهمة التي أقوم بها/ 160) وهناك من يطلق عليه الشسمه
العدو (لأنه يعمل ضابطا في جهاز مكافحة الارهاب..يسرب لي المعلومات المهمة التي تفيدني)
وهناك غيرهم مثل المجنون الصغير، المجنون الكبير والمجنون الأكبر / 160- 161
وسيملي المنجم الأصغر بقوة تعازيمه سردية صغرى ويفعّلها في ذاكرة الشسمه (ليس هناك أبرياء أنقياء بشكل كامل ،ولامجرمين كاملين/ 255)
(2)
لكن هادي ليس سوى المؤلف الأساس ،أما المؤلف الرئيسي فهو الزمن العراقي، لما قبل ربيع 2003، فالرعب المبثوث من فرانكشتاين بنسخته العراقية، سيعيد للذاكرة العراقية جرائم (أبو طبر) في المرحلة الاولى من 17تموز 1968،
فرانكشتاين/ صُنِع في الولايات المتحدة الأمريكية
*من الصفحة 195 التقط هذه الأسطر..(نعم..هو ينفذ منذ سنة أو أكثر جانباً من سياسة السفير الأميركي زلمان خليل زاد بشأن خلق توازن عنف في الشارع العراقي مابين الميلشيات السنية والشيعية لكي يكون هناك توازن فيما بعد على طاولة المفاوضات لتشكيل الوضع الجديد في العراق..الجيش الامريكي غير قادر أو غير راغب بايقاف العنف،لذا لابد على الأقل من خلق توازن أو تكافؤ في العنف .فبدونه لن تكون هناك عملية ناجحة)..
*والشهادة الثانية، يدلي بها المنجم الأكبر أمام العميد سرور..( أنا أعتقد بأننا تدخلنا بصناعة هذا المجرم بطريقة أو بأخرى. كانت الأمور تمشي بشكل أعتيادي، قبل ظهوره. أنا أعتقد ان بعض مساعدينا أسهم في تكوين هذا الكائن / 258)
*(بالنسبة للعميد سرور فإن مشروعهم هو خلق هذا الكائن بالتحديد ،خلق هذا الفرانكشتاين وإطلاقه في بغداد .الأميركيون هم وراء هذا الوحش/ ص335)..*
*الخوف ولهذه المفردة حضورها القوي في الفضاء النصي/334
إتصالية الوجه
(1)
كيف تحول هادي العتاك بعد آخر إنفجار في الرواية الى الشسمه..؟
نتساءل ونحن نتأمل وجه العتاك بمرآة الرواية، بعد ان حاول هادي قراءة وجهه في مرآة
مغسلة المستشفى،أعني وجهه بعد ان سرد الانفجار الاخير انزياحته في الوجه..ان مسح هادي
الانفعالي لزجاج المرآة سيوضح قسوة سرديات الانفجار في وجهه ،وسيكشف وجهاً
أستعاره له الانفجار،أو ربما الانفجار مزق القناع الذي كان على وجه هادي على طول الرواية
وتحولت الاكاذيب حقيقة مرئية وملموسة..أعجوبة لاتقل عن أعجوبة بقاء هادي العتاك حيا
بعد الانفجار(نجاة العتاك..ستبقى أعجوبة تذكر الجميع بأكاذيبه التي داوم على روايتها لسنوات طويلة حول امتناعه عن الموت.../305).. وستتحول أحدى أكاذيبه هنا وهو أمام المغسلة الى حقيقة وحقيقة دمائية سوداء جدا، ثمة استعارة شرسة..(هذا ليس وجه هادي العتاك ،إنه وجهٌ يعود لشخص يعرفه حق المعرفة،وجه أقنع نفسه منذ شهر تقريبا، إنه من خياله الخصب ليس إلا،إنه وجه (الشسمه) وجه الكابوس الذي أطبق على حياته ليخربها دون أمل ان تعود الى حالها السابق/ 334)
(2)
يخبرنا مؤلف فرانكشتاين في بغداد من خلال كبير المنجّمين (يتغير وجهه كل حين / 334)
وبالنسبة لكبير المنجمين كل الامور في إطار التوقع وليس خارجهُ..(كان يعرف أنه سيواجه هذا المجرم ذات يوم ،وسيتعرف على ملامح وجهه التي بدت محيّرة وغير قابلة للتجسد / 250)..
مايريده المنجم الأكبر ،سوى تبديد حيرته هو لهذا السبب (هو يريد معرفة وجهه فحسب ،لأن هذا الوجه سيحدد له كل شيء).. وحين يرى وجه الشسمه، سيحدث تراسل مرآوي ضمن أفق الاستعارة..(هذا الوجه الذي يراه الآن لمرة أولى وأخيرة هو أيضا من الماضي...سيعرف بيقين كامل إنه وجه ٌ مركّب من وجوه ماضيه البعيد .إنه وجه الماضي الشخصي له، والذي أعتقد أنه
بلا وجه أو ملامح. وهاهو قد تكشف له بقوة ووضوح على مدى لحظات وجيزة../ 322)
نهايتان لرواية واحدة
بالنسبة لسلطة السلطة تنتهي الرواية في ص346..(في الحادي والعشرين من شباط عام 2006 أعلنت القيادات الأمنية العليا في بغداد عن إلقاء القبض أخيرا على المجرم الخطير الذي تسميه
بعض التقارير ب( المجرم أكس) ويسميه الأهالي (الشسمه) وله أسماء أخرى عديدة / 346)
والمجرم هو هادي حسانيّ عيدروس من سكنة البتاوين ، نلاحظ اننا كقراء لم نعرف اسم هادي الثلاثي ،إلاّ في الصفحات الأخيرة وعرفناه من خلال الاعلام المرئي...وهو يوثق تسمويا اسم
هادي ، ثم يردفه ب(هادي العتاك )...ولاينصفه سوى محمود السوادي وهو يخاطب نفسه
(إنهم يرتكبون خطأ جسيماً..إنهم يريدون غلق هذا الملف/ 348) لكن زيف الاعلام ينتصر ميدانيا..(أمتلأت سماء بغداد بالإطلاقات النارية..وكانت حالة من الفرح العارم والهستيري تسيطر على الجميع وبالذات حي البتاوين..)..وبالطريقة انتجت هشاشة السلطة قوة لتحمي خصائصها السلطوية..
النهاية الثانية ، تجعل باب الرواية مفتوحا على سعته :(..شبح رجل مجهول يقف منذ ساعة عند النافذة من أحدى غرف الطابق الثالث يراقب احتفالات الناس بصمت وهو يدخّن.ناظرا كل حين الى تلبد السماء بالغيوم الداكنة أكثر فأكثر../350)
*المقالة منشورة في صحيفة الزمان /12- آيار- 2014
*أحمد السعداوي/ فرانكشتاين في بغداد/ دار الجمل/ بغداد/ ط2/ 2013