جميع الدول العربية تستند في قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث إلى الشريعة الإسلامية . وعادة ما يتحكم في تطبيق هذه القوانين، التي لها تأثيرها المباشر على حياة النساء والرجال، كل من المحاكم الدينية ورجال الدين .
غير أن العراق، في عام 1959، وخلافا لهذه الدول، أصدر قانون الأحوال الشخصية الذي استعيض بموجبه عن المحاكم الشرعية القديمة بالقضاء العراقي . وكان القانون يستند أيضا على مصادر الشريعة والقواعد الإسلامية لكن الأكثر تحرراً، فهو يقيّد زواج الأطفال حيث حدد السن القانونية للزواج بـ 18 عاماُ، وحظر الزواج القسري، كما قيّد تعدد الزوجات؛ وحد من امتيازات الرجل في الطلاق، بالاضافة إلى التوسع في حقوق المرأة في هذا النطاق، وفي نطاق حضانة الأطفال، إلى جانب ضمان حقوق المرأة في الميراث .
ولا يزال هذا القانون يعد من أكثر القوانين الليبرالية في العالم العربي فيما يتعلق بحقوق المرأة، ولعل أهم ما انطوى عليه هو القضاء على المعاملة التفاضلية بين المذاهب، لذلك واجه منذ إقراره معارضة الزعماء الدينيين، سنة وشيعة، وقد اعتبروه يتناقض وأحكام الإسلام، وكانوا يهدفون في واقع الأمر الحفاظ على نفوذهم في أوساط الشعب بعدما جردهم القانون من هذا الامتياز التاريخي .
واللافت، أن مسألة "إصلاح" قانون الأحوال الشخصية تراجعت في السنوات القليلة الماضية بشكل متزايد، نتيجة هيمنة رجال الدين، الذين يسعون إلى اكتساب السلطة لتطبيق الشريعة الإسلامية، على مراكز القرار، وانصب هدفهم على تحويل محاكم الدولة التي تحكم حاليا في قضايا الأحوال الشخصية إلى المحاكم الشرعية .
وكان هناك تهديدان تعرض لهما قانون الأحوال الشخصية، الأول في كانون الأول 2003، عندما ألغى عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق القانون، خلال فترة رئاسته لمجلس الحكم الانتقالي. ومع ذلك، وبسبب المعارضة القوية من النساء والليبراليين والأكراد داخل المجلس، إضافة إلى معارضة الجماعات النسوية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام، تم إلغاء قرار إلغاء القانون من قبل الحاكم المدني الأمريكي آنذاك بول بريمر .
وهكذا ظل قانون الأحوال الشخصية ساري المفعول بانتظار إقرار قانون جديد .
ومع ذلك، استمرت المساعي الرامية إلى تفكيك القوة المدنية للقانون، فجاء التهديد الثاني له على شكل مادة دستورية هي المادة 41 التي تنص على أن المواطنين العراقيين يتمتعون بحرية تقرير وضعهم الشخصي وفقا لدينهم أو طائفتهم أو معتقداتهم أو فرادى، وكان مكمن الخطر في هذا التهديد هو احتمال الغاء قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 واستبداله بقوانين متعددة للأحوال الشخصية لكل دين وطائفة .
التعديلات التي يناقشها البرلمان العراقي حاليا على القانون يعد التهديد الثالث والأكثر خطورة، لأنها ستضع المسائل الأسرية في أيدي السلطات الدينية، وستزيد من الانقسامات بين الطوائف، وكان الأجدر بـ ( ممثلي الشعب ) إلغاء المادة 41 من الدستور مع الحفاظ على قانون الأحوال الشخصية الحالي، وبخلاف ذلك سنكون أمام خطر تمزيق وحدة المجتمع العراقي . وانتصار الطائفية على حساب المواطنة ووحدة المواطنين .
والمفارقة، أن المادة 41 من الدستور تتناقض تماما مع المادة 14 التي تنص على أن جميع العراقيين متساوون أمام القانون، ويحظر أي تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة، إلخ . وهكذا تنتهك المادة 41 وحدة التشريعات الوطنية العراقية، وتزيد من حدة التناقض بين السلطات الدينية وبين الحقوق المتساوية لجميع المواطنين .
فهل يريد ( ممثلو الشعب ) تعميق الوضع الاجتماعي المتردي والعودة إلى ما قبل العصر الحجري؟
هل يهمهم احترام حقوق الإنسان أو انتهاكها ؟
هل يطمحون إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية أم تدمير المجتمع تحت ذرائع دينية وطائفية ؟
يكفي أن نشير إلى أن بعض التعديلات ترمي إلى تزويج القاصرات حسب المذاهب الدينية، كما تتيح لبعض المذاهب بالسماح للفتاة التي تبلغ من العمر 9 سنوات بالزواج، وحتى أقل من هذا العمر لدى البعض الآخر .