عبد الوهاب ... مؤلفا موسيقيا
لم تعرف في الموسيقى العربية أشكال "الموسيقى المجردة" أو "الموسيقى الآلية"، و القوالب الموسيقى الشرقية المعروفة: "السماعي"، "البشرف" و"اللونغا" هي تركية الأصل وتبدو أقرب الى الشكل الثابت المستعاد، غير ان محمد عبد الوهاب المجبول على التجديد بدأ مرحلة جديدة تماما فى تاريخ الموسيقى العربية بتأليفه مقطوعات من "الموسيقى البحتة" ولكن هذه بشكل جديد فيه " حرية فى التأليف" لا يتوافر عليها "السماعي" وغيره، انه شكل " المقطوعة" او piece بالاجنبية، وكانت أول مقطوعة وضعها العام 1935 بعنوان "فانتازى نهاوند"، أى خيال على مقام النهاوند، والعنوان هنا يشكل فكرة الاتصال التي أرادها عبد الوهاب بين موسيقى الشرق والغرب ، فاذا كانت " نهاوند" اشارة الى الى المقام المعروف، فان " فانتازي" هي اصطلاح غربي لشكل تؤلف وفقه المقطوعات الموسيقية الصغيرة، ثم أدخل لاحقا طريقة جديدة في وصف " مقطوعاته" الموسيقية وتسمياتها، فمثلما كانت هناك أعمال موسيقية لمؤلفي الغرب الكبار وتحمل اسماء مجردة من نوع "حلم ليلة صيف" لموتسارت أو "سيمفونية البطولة" او " السيمفونية الريفية" لبيتهوفن، أوجد عبد الوهاب تسميات مجردة بعيدا عن أصلها المقامي أو شكلها الموسيقي كما في مقطوعات: "حبى"، "يوم سعيد"، "إليها"، "بنت البلد"، "ألف ليلة"، "عزيزة"، " موكب النور"، " حياتي"، "هدية العيد"، وغيرها من المقطوعات التي حملت ميلا الى التصوير الموسيقى، وهو عادة مالم يكن مألوفا في الموسيقى العربية المأخوذة بسطوة الغنائي على حساب النغم المجرد.
ويحدد باحثون الفترة ما بين 1935 -1965 كمرحلة شهدت تأليف عبد الوهاب لمقطوعات ستصبح لاحقا "افتتاحيات" راقية لعدد من الفرق الأوركسترالية العربية فضلا عن اعتمادها أشكالا في دراسة التأليف شأنها شأن "السماعيات" في الموسيقى الشرقية و"السوناتات" في الموسيقى الغربية.
ويرى الباحثون ان "أكثر تلك المقطوعات تطورا على الإطلاق، "موسيقى حياتى" و"موسيقى الخيام"، وفيهما استخدم فيهما عبد الوهاب الأوركسترا الكاملة بتوزيع فائق الجودة، وكان المايسترو أندريا رايدر، وراء نجاح هذين العملين اللذين خرجا فى أبهى صورة، وبهما طرق عبد الوهاب آفاقا جديدة فى الموسيقى لم يتمكن أحد قبله، ولا بعده، من الوصول إليها، ومما لا شك فيه أنه لمس بهما أبعاد الموسيقى العالمية رغم احتفاظهما بالطابع الشرقي".
وقد لا تبدو مهمة اشارة عبد الوهاب الى انه وبعد ان نمت مكانته الفنية وتطورت "كنت أحس دائما انني (اولا وقبل كل شيء )موسيقي"(5)، كي نستدل على عناية عبد الوهاب بـ"الموسيقي" على حساب " الغنائي"، فقد جاءت المقدمات الموسيقية لعدد من ألحانه لأصوات غنائية كثيرة، كي يرتقي فيها الى مستوى صوغ مقطوعات موسيقية متكاملة، مما أنتج ميلا بين المتلقين للموسيقى الآلية كان سيثمر تحولا في الموسيقى العربية المعاصرة، وفي تلقيها تحديدا، لو نسج الملحنون لمرحلة ما بعد عبد الوهاب على المنوال ذاته.
أي "سيمفونية "كتبها عبد الوهاب وأثارت سجالا حولها؟
وتلمس الناقد الفذ كمال النجمي واحدة من علامات الإمتياز الموسيقي عند عبد الوهاب، وتحديدا في نقله الألحان العربية من التخت الشرقي الى الأوركسترا السيمفوني الغربي دون تخليه عن هويته الموسيقية الشرقية. ولا يتوقف النجمي الذي ما تزال اثاره النقدية تمتلك صدقيتها العالية في كشف العناصر الفنية في الموسيقى العربية وملامحها الأبرز في القرن العشرين، عند هذه القضية في بحث "التاليف الموسيقي" عند عبد الوهاب وانما يراجع عملا لا يتردد في اعتباره سيمفونية عربية: "في سنة 1965 صنع محمد عبد الوهاب قطعة موسيقية طويلة هدية الى مصر، لمناسبة العيد الثالث عشر لثورة 23 يوليو. هذه القطعة التي سمّاها عبد الوهاب "هدية" كتبنا عنها، فقلنا انها اشبه بالعمل السيمفوني منها باللحن الميلودي! والحقيقية ان عبد الوهاب قد صنع الميلودي فقط، ثم اعطاه للموسيقي الاجنبي المتمصر اندريه ( يكتبه النجمي هكذا عوضا عن اندريا) رايدر، فجعل منه عملا ذا شكل سيمفوني مفعما بما يسمونه "التوزيع الموسيقي" الذي كان رايدر أكبر اختصاصي فيه حينذاك.
كانت مرحلة اشتراك الموسيقار او الملحن الموهوب، مع الموسيقار "الاختصاصي" في عمل واحد، مرحلة لابد منها في الأعمال الموسيقية البحتة بمصر وبكل بلد عربي"(5).
وصف النجمي للقطعة الموسيقية "هدية"، بانها "سيمفونية"، قوبل بسخرية نقاد ومعلقين فنيين. وهنا رد النجمي فكتب "لماذا نسميها سيمفونية؟ ان السيمفونية لم تجمد على شكل واحد في عصورها المتعاقبة، والسيمفونية قطع موسيقية تعزفها مجموعة آلات، وتتألف من حركات أربع او خمس أو أكثر او أقل، فلم يكن للسيمفونية شكل مقدس لا يتغير على امتداد الزمان والمكان، والآن يتسع الشكل السيمفوني، وتتزايد حركاته، وينمو عدد الآلات الموسيقية فيه، ويدخله الغناء أحيانا، بعدما كان لا يدخله على الاطلاق ولا شيء يقيد حرية المؤلف الموسيقية في الألحان والإيقاعات والخطوط اللحنية المتشابكة. وهذا ما فعله عبد الوهاب ورايدر في مجموعة الحركات الموسيقية المسماة "هدية" والتي سميناها في حينها "سيمفونية عبد الوهاب"، فقال أصحابنا النقاد يومئذ: ان آلات القانون ثم الكمان ثم الناي، انفردت كل منها طويلا بلحن ذي ايقاع "شرقي" راقص، فانقطع بذلك الخط الهارموني والكونتربنطي! قلنا ان ذلك لايمنع ان نسمي هذا العمل "سيمفونية"، لان المؤلف الموسيقي لايصح ان يقيد مواهبه وقدراته بالقيود القديمة، وله حرية تامة في إختيار الحانه وتصميم بنائه السيمفوني على اسس تختلف على المدى الذي يراه، عن الأسس الكلاسيكية والرومانسية للموسيقى السيمفونية. فاذا كان المؤلف الموسيقي عربيا، فعليه ابراز ملامح موسيقاه القومية، وقد اعلنت "سيمفونية عبدالوهاب" عن جنسيتها العربية بالنغمات العربية المقتبسة من الموالد والاذكار،كما اعلنتها بالكمان والناي والقانون، في اداء "تقاسيم" منفردة مصحوبة بايقاعات متنوعة، فكانت أشبه بالتحميلة وسط تلك السيمفونية. ولا شيء –في رأينا- يمنع الناي والقانون والكمان العربي والعود من الدخول في أوركسترا تعزف سيمفونية حديثة لا تتقيد بمراسم السيمفونيات القديمة. فليس التقليد "طبق الاصل" هو الطريق الى صناعة موسيقى عربية متطورة.. واذا كان لابد للسيمفونية المصرية العربية من نقطة انطلاق، فمن الواضح ان ما صنعه عبد الوهاب ورايدر في سيمفونية"هدية" يمكن ان يعد نقطة انطلاق مناسبة، وليس شكل السيمفونية تنزيلا من السماء!"( 6).
تحولات ما بعد 1952: موسيقى أعمق من "الثورة" وشعاراتها
في حين سقطت أعمال ادبية وفنية كثيرة في حماسة فجة تأثرا او ملاحقة لـ"التحولات" التي أفرزها انقلاب "الضباط الأحرار" في العام 1952، ظل عبد الوهاب يقرأ تلك الوقائع حسب "رؤية" موسيقية مستقلة أبعدته عن الحماسة التي لم تكن أصلا تلتقي بمنابعه الفكرية الشخصية الأقرب الى المحافظة وبالتالي هي أبعد عن "التحولات الثورية"، ولكن احتفاظ صاحب "الجندول" بالجوهر الموسيقي العميق لأعماله جعله، عن قصد أم دونه، صاحب أعمق الأعمال الموسيقية والغنائية التي رافقت مرحلة " صعود الناصرية"، وامتدت من أواسط خمسينات القرن العشرين وستينياته، و"وثّقت" لأبرز تحولاتها (معاركها). وهناك رأي يقول بعكس ما ذهبنا اليه من "تردد" موسيقارنا في الاندراج بمرحلة التعبير الفني عن "الثورة"، ومفادها ان الرجل "تخلى عن قراره اعتزال الغناء وتفرغه للتلحين، وراح فى حماس بالغ لثورة يوليو يطلق سلسلة من الأعمال الوطنية التى غناها بنفسه، أو شارك فيها غيره كمجموعة مطربين، يصاحبها أصوات كورس متميز وعلى مستوى عال من التدريب" في اشارة الى اعمال "يا نسمة الحرية"، "الدنيا بقت حرية"، "زود جيش أوطانك" و"أنشودة الجلاء "( قولوا لمصر تغني) التي شهدها عقد الخمسينيات، و"بطل الثورة"، "ناصر"، "الجيل الصاعد"، "صوت الجماهير"، "وطني الأكبر" وغيرها فى الستينيات.
ولئن كان عبد الوهاب مبدع موسيقى من طراز فريد، فان تلك الأعمال تكاد تنفصل بين بناء موسيقي عال، استلهم معنى الحماسة لا شكلها التحريضي الفج، و"النصوص" الشعرية لتلك الأغنيات والأناشيد التي سقطت في إطار صناعة " البطل القومي"، لذا كانت تلك الاعمال فريسة القرار السياسي الناتج عن تغيير النظام في مصر اثر تولي السادات السلطة، وقبل ذلك اثر هزيمة حزيران 1967 التي أظهرت " البطل " على حقيقته بجيش مهزوم، وان كانت الأغنيات تصوره فاتحا " لايشق له غبار".
صحيح ان اعمال عبد الوهاب الغنائية والموسيقية التي ارتبطت بالمرحلة الناصرية، هي نتاج طبيعي ومتصل بتلك المرحلة، لكن هذا لايمنع من إمكان اعادة الاعتبار "الثقافي" لتلك الأعمال لو توفر الموسيقيون المصريون او العرب بعامة على رغبة صادقة في تقديمها، وفق الشكل البارع الذي انتج فيه عبد الوهاب عددا لا يستهان به من القطع الموسيقية، اي ان يعاد توزيع تلك الأعمال كمقطوعات موسيقية مجردة، فالبناء الموسيقي الراقي في تلك الأعمال يظل أرفع بكثير من "موضوعاتها التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالنظام السياسى بكل رموزه وشعاراته".
ألحان "خفيفة" لأم كلثوم في هجاء للشخصية المتعجرفة
فى تفاصيل مشروع "ستديو مصر" لبدء صناعة سينمائية مصرية حقيقية، يمكن التعرف على بداية "النفور" الذي ميز علاقة أم كلثوم بمحمد عبد الوهاب، فثمة نرجسيتان في شخصيتيهما جعلت من جمعهما في فيلم مشترك امرا مستحيلا، فأم كلثوم لم يرق لها ان تغني في فيلم، ألحان عبد الوهاب وحسب، مثلما لم يرق لصاحب "إمتى الزمان" ان يضع غيره ألحانا في فيلم من بطولته، حتى وان كانت من وضع كبار الملحنين مثل زكريا احمد ومحمد القصبجي. نقطة الافتراق هذه ما لبثت ان تعززت وكبرت خلافا ذوقيا وحياتيا، حتى ان عبد الوهاب الذي استجاب لرغبة أقرب الى الأمر منها الى الاقتراح (رغبة عبد الناصر بجمع عبد الوهاب وام كلثوم في عمل مشترك) بدا وكأنه قد ثأر لصائغ ألحان كبير، هو القصبجي، الذي حطمته شخصية المطربة المتعجرفة، حين حولته عازفا ذليلا على العود في فرقتها، فأجبرها عبد الوهاب على ان تتعلم درسا في ان الملحن، هو صاحب العمل لا مؤديه، حتى وان كان صاحب سطوة كأم كلثوم، التي لطالما أجبرت الملحنين على صوغ موسيقى وألحان وفق ذوقها ويتيح لها البروز كعلامة تفوق على عناصر الأغنية الاخرى كالموسيقى والكلمات. في درس عبد الوهاب لأم كلثوم، تكريسه لتفوق الملحن على الصوت الغنائي، وهو ما برز في المقدمات الموسيقية التي تحولت قطعا موسيقية منفصلة تماما عن الاغنيات، حتى انها تحولت افتتاحيات لعدد كبير من الاجيال الموسيقية العربية، تبدأ من المايسترو احمد فؤاد حسن، ولا تنتهي بسعيد مراد الذي اعاد تلك المقدمات وغيرها وفق تقنيات التوليف النغمي الاليكترونية.
ان نظرة ما الى ألحان عبد الوهاب لام كلثوم، لتكشف تحولا نحو " خفة" في الاداء ما كان ليتصل بالمطربة صاحبة التجليات الصوتية الهائلة التي توفرها الحان السنباطي وزكريا احمد المستغرقة عميقا في شرقيتها، وان مقارنة أولية بين " إنت عمرى" وهو اول الحان عبد الوهاب لام كلثوم ووضعه العام 1964 وبين "رباعيات الخيام" لتكشف التحول الكبير الذي أحدثه عبد الوهاب على صوت سيطرت ألحان رياض السنباطى عليه بقوة.
هناك من باحثي الموسيقى العربية المعاصرة ونقادها من يرى ان "عبد الوهاب جدّد كل شىء في ألحانه لام كلثوم، وكأنه بدأ التلحين لتوه، نسى قديمه وقديم أم كلثوم، وبدأ يعيد نسج الأغنية من جديد، فجدد فى الموسيقى، والإيقاعات، والآلات، وطريقة الغناء"، الا ان ما لا يمكن اغفاله هو الدرس الذي يمكن تلمسه من أغنيات ام كلثوم بحسب المزاج الوهابي، درس أقرب الى التفسير النفسي والاجتماعي منه الى القراءة الموسيقية المجردة ولقنه صاحب " الكرنك" الى من رفضت غناء ألحانه هو دون مشاركة من أحد في فيلم مشترك قبل نحو أربعة عقود من لقائهما " الإجباري"، درس يقول : عبد الوهاب ليس من ترهبه شخصية متعجرفة، مهما اوتيت من نفوذ وسطوة، حتى وان كانت من قماشة ام كلثوم ، بل انه زاد على ذلك بان منح أجمل الحانه لصوت "نحيل" كما هو صوت نجاة الصغيرة، فيما شتت "قوة" صوت ام كلثوم بألحان لا تخفى ملامحها الايقاعية الاخفيفية ابتداء من " إنت عمري" وصولا الى "ليلة حب" التي لا يبقى في ذاكرة مستمعها الا الجمل الموسيقية الرشيقة للحن عبد الوهاب فيما يخفت صوت لطالما "أرهب" الملحنين قبل السامعين بجبروته.
في ألحان محمد عبد الوهاب لأم كلثوم: "أنت عمري"، "أمل حياتي"، "فكروني"، "هذه ليلتي"، "دارت الأيام" و" ليلة حب"، لا يمكن التعرف الى الآلات الموسيقية الغربية الكهربائية التي رفضتها ام كلثوم للوهلة الاولى وحسب، بل "الروح التجديدية" التي أدخلها على "المقامات الشرقية" التى وصفها بعض دارسي عبد الوهاب "ملّ الناس سماعها من كثرة التداول، لكنه أدخل عليها جملا جديدة جعلتها تبدو أبعد ما يكون عن التقليدية"(7).
الخصائص الفنية في أعماله الموسيقية
يجمع باحثو الموسيقى العربية المعاصرة ونقادها ودارسو محمد عبد الوهاب تحديدا ومنهم : د.رتيبة الحفني، كمال النجمي، د. أسامة عفيفي والياس سحاب، على " التجديد فى الموسيقى والألحان" الذي ميّز أعمال عبد الوهاب واتخذ أشكالا وملامح عدة من بينها استخدام آلات جديدة فضلا عن "استخدامات جديدة للآلات التقليدية"، واعتماد التوزيع الموسيقى، واضفاء ملامح تعبيرية وتصويرية في الغناء.
وفي الوقت الذي عنى أبرز رواد النهضة العربية بـ"تأصيل" الحداثة واضفاء ملامح محلية على الإنجاز الفكري والروحي للغرب، فان عبد الوهاب أضفى على ألحان ايقاعية لاتينية: "رومبا"، "سامبا" و "تانغو" طابعا شرقيا(8). فهو سعى الى صوغ بناء لحني من إيقاع "رومبا" الراقص لقصيدة الشاعر بشارة الخوري "جفنه علم الغزل"، كما وضع مقطوعة موسيقية بعنوان "سامبا"، ومن ايقاع "تانغو" صاغ الحانا عدة منها لحن أغنية "إيه انكتب لي" .
واذا كانت "استخدامات" عبد الوهاب للايقاعات اللاتينية شديدة الرواج في حينها غربيا، تبدو شرقية الروح والملمح فان " استعاراته" أنغاما رئيسة في أعمال غربية "كلاسيكية" ظلت مثيرة للجدل، لا بل ان هناك من وصفها بـ"سرقة أنغام الغرب"، مع ان عبد الوهاب قرأ الأمر بطريقة مختلفة تماما، اذ كان يعتبرها موروثا ثقافيا انسانيا و"الاتصال" بها عبر روحية موسيقية شرقية لايعني "سطوا" عليها، وهكذا جاء"اتصاله" مع الجملة الموسيقية المميزة فى سيمفونية بيتهوفن الخامسة "القدر"، كما أمكن تتبع اللحن الرئيس في "كونشرتو البيانو" لرحمانينوف في اغنية "خي خي"، فضلا عن عثور باحثين تطابقا بين لحن تشايكوفسكى فى مقطوعته "كابريشيو" والمقدمة الموسيقية لأغنية "من غير ليه".
وفي هذا الاطار يشير د.أسامة عفيفي "قد يكون من المناسب هنا ذكر أن محمد عبد الوهاب هو الآخر ظهرت موسيقاه فى موسيقى الغرب الحديثة، وقد وجد بعض فنانى أوروبا فى ألحانه ما يمكن أن يكون أوروبيا رغم شرقيته"!
ومن بين ابرز الملامح الفنية في "النتاج الوهابي" الاطار الأصيل لحداثة أنغامه، اي قدرته على الجمع بين التجديد والأصالة في آن، ففي حين كان لحن أغنية "لا مش أنا اللى ابكي"، يبدو "حداثويا" الا ان طابع الاداء في الاغنية كان"تقليديا"، وروح المزج بين الحداثة والتقليد كانت اكثر حضورا في المقدمات الموسيقية في عدد غير قليل من الاغنيات، وبدأت مع اغنية "فى الليل لما خلي" ثم تواصل مع مرحلة "القصائد الكبرى" ومقدمات الحانه لأم كلثوم، حيث تلتقي ملامح التحديث: الاوركسترا والبناء الموسيقي الآلي مع الجملة الموسيقية الشرقية ضمن سياق متصل قلما يعرف التنافر.
(5) "تراث الغناء العربي بين الموصلي وزرياب.. وأم كلثوم وعبد الوهاب كمال النجمي"، الهيئة المصرية للكتاب 1998.
(6) المصدر السابق.
(7) علي عبد الأمير، "الرأي" الأردنية 6 آيار 1998.
(8) المصدر السابق.