يأتيكَ الاسمُ من حيثُ لا تدري ، وآنَ لا تدري.
تغمغِمُ في سِـرِّكَ ، فينفتحُ نعيـمٌ . هاهي ذي " رادسُ الغابةِ " ملتفّةٌ بأشجارِها وظِلالِها العميقةِ. نوافذُها تكادُ تَخْـفَـى من متعرِّشٍ ومتسلِّقٍ . خضرةٌ ذاتُ أفوافٍ وتدرُّجاتٍ وندىً. لَكأنَّ تونسَ العاصمةَ خلعتْ جُبّـةَ القاضي ، أو بِزّةَ الشرطيّ، ولاذت بالطبيعةِ خلاصاً.
هنا ، ظلَّ عبد الرحمن بن أيوب ، يهدهِدُ " تِـبْــرَ الزمانِ " حُلماً على الوسادةِ والورق.
هنا أيضاً ، ودّعَ محمد الصغير أولاد أحمد، شقاوةَ صِبا ، فأمسى ربَّ عائلةٍ.
كلّما دخلتُ رادسَ الغابةِ تذكّرتُ أندريه جِيد في " قوتِ الأرض " وهو يصلِّـي لبلدةٍ جزائريةٍ
لِصْقَ العاصمةِ ، أيضاً ، هي " الـبُـلَـيدة ". وهي لِـبْـلِـيده ، بالنّطقِ الجزائريّ.
ما يُبهِجُ المرءَ في تونسَ ، أن الطبيعة لم تزَلْ موضعَ احترامٍ نسبيّ .
مرّةً كنت مع محمد لطفي اليوسفي ، في سيّارته " الأودي" القديمة ، نخترقُ غيضةً، فيها أشجارٌ ما رأيتُ مثلَها من قبلُ.
سألتُ : أيّ أشجارٍ هذه يا لطفي ؟
اجابَ : أشجارُ الفلّين . إنها محميّةٌ .
*
أحببتُ إحدى قريبات عبد الرحمن بن أيوب .
كانت من " قرقنة ".
لكنها لم تُحبِـبْـني . وقد فعلتْ خيراً ، لها ، ولي.
" رادِس الغابة " لا تزال تتموَّجُ بضحكةِ تلك التي لم تُحبِبْني.
كانت ضحكتُها مثل أجراسِ فضّةٍ.
*
قبل فترةٍ ، اتّصَلَ بي منصف الوهَيبي ، شاعرُ تونس الأصيل ، قال لي : البقاء في حياتك. محجوب العيّاري رحلَ...
محجوب العيّاري ، الشاعر ، المتمردُ بطريقته ، رحلَ ضاحكاً ، بعد أن سهرَ طويلاً ، ودخّنَ ثقيلاً. محجوب هو مَن دعاني إلى " نابِل " لأكون في ضيافته ، في " نُزْلِ إيمان" حيث السيدة
ليلى .العيّاري ، أخذني مرّةً إلى بستانٍ من بساتين " نابل" البحرية ، فيه نفحةٌ من " رادس الغابة"
محجوب العيّاري كان مولَّهاً بـ " تونس العاصمة".بـ" رادس الغابة " تحديداً .