تعمل المجتمعات والشعوب في جميع أنحاء العالم على الحفاظ على موروثها الثقافي والحضاري وشخصيتها الاجتماعية والثقافية، بل أن هذا الموروث أصبح جزءاً لا يتجزأ من الموروث الإنساني العالمي، وبداية من القرن التاسع عشر بدء الوعي العالمي بمسألة حفظ وصيانة الممتلكات الثقافية وصدرت عدة تشريعات دولية وإقليمية ومحلية في سبيل حفظ هذا الموروث، حتى أننا نجد أنه هناك اليوم مؤسسات عالمية كبرى تُعنى بالحفاظ على هذا التراث العالمي مثل منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) وغيرها من المنظمات الدولية.
ومن أبرز المظاهر المادية للموروث الثقافي هي المعالم العمرانية والمتمثلة في المدن والمنشآت والمباني الأثرية والتاريخية والتي يُعبّر عنها في غالب الأحيان بتعبير (الآثار) وهو كل أثر عمراني خلّفته الحضارة الإنسانية في العصور الماضية.
غالباً ما نجد هذه المعالم الأثرية والتاريخية في نفس مواقع المدن ومراكز التجمع السكاني الحديثة، حيث أن الكثير من المدن في العالم استمرت في التطور منذ نشأتها وفي نفس مواقعها، لذلك نجد أنها تحتوي على طبقات أثرية ترجع إلى مختلف العصور الزمنية التي مرت بها، ومن ضمن المدن التي يصل عمرها إلى آلاف السنين، تقف مُدننا العراقية العامرة بالتأريخ و التراث .
ونظراً لوجود بعض المعالم الأثرية والتاريخية داخل مخططات المدن الحديثة سواء كانت قائمة فوق سطح الأرض حسب منسوب هذه المدن حالياً أو توجد تحت سطح الأرض في طبقات أقدم، تبرز هنا إشكالية الحفاظ على هذه المعالم من عمليات الهدم والإزالة لإقامة مرافق جديدة داخل مخطط المدينة، للتوفيق بين ما يجب الحفاظ عليه واعتباره موروث ثقافي وحضاري، وفي نفس الوقت المضي قدماً في تطبيق المخططات العمرانية لتطوير المدن، وهما أمران مهمان بلا شك للصالح العام، علينا كمجتمع أن نوازن هذه المعادلة الصعبة في بعض الأحيان وأن نستفيد في ذلك من تجارب الأمم التي سبقتنا ووصلت لحلول ناجحة ومتوازنة في هذا المجال.
وعلينا أن نجد طرقاً جيدة توائم بين متطلبات التنمية والتخطيط والتطوير العمراني للمدن، لما للحفاظ على المعالم الأثرية التاريخية من أهمية تاريخية وأثرية وقيمة فنية وجمالية، ولا أريد في هذا السياق أن أذكّر بالتشريعات الدولية والمحلية لحفظ الممتلكات الثقافية، ندائي لكم لا تقتلوا التراث، فنكون شعب بلا تأريخ. وهناك أمثلة نموذجية تم تطبيقها محلياً ودولياً من الممكن الاقتداء بها سعياً لإنجاح خطط التنمية العمرانية والثقافية للمجتمع، والحر تكفيه الإشارة .
د. هاشم عبود الموسوي
أستاذ مشارك في العمارة والتخطيط العمراني