1
تُمثِّل الأنساقُ الإجتماعية مرجعيةً رمزية للتجارب الشخصية التي يحياها الأفراد في مشاعرهم الداخلية وحياتهم الخارجية . والأفرادُ _ أثناء حركتهم في هذا الوجود _ يكتبون تاريخَ المجتمع الكُلي معرفيًّا ورمزيًّا . وهكذا تتحدَّد المعرفة الإجتماعية كإطار جامع لأشكال الوَعْي الإنساني ، وتتحدَّد الرمزية الثقافية كغِلاف للسُّلوك الإنساني المُتحرِّر مِن ضغط العناصر السُّلطوية . ووظيفةُ الوَعْي الإنساني أن يَنقل المعرفةَ الإجتماعية مِن الإطار إلى قلب العلاقات الفكرية في المجتمع ( الإنتقال مِن البرواز إلى المركز)، ووظيفةُ الفِعل الإجتماعي الحَي والحُر أن ينقل الرمزيةَ الثقافية مِن الغِلاف إلى رُوح التفاعل الوجداني مع عناصر الطبيعة ( الإنتقال مِن القِشرة إلى اللباب). وهذا الإنتقالان يُمثِّلان المعنى الإجتماعي المُزْدَوَج ،الذي يتحرَّك ضِمن مَسَارَيْن ، يتقاطعان في نقطة واحدة، وهذه النقطة هي قلبُ المجتمعِ النابضُ الذي يضخُّ الدَّمَ في شرايين الحُلم الإنساني لإبقائه على قَيد الحياة .
2
مِن السَّهل على الإنسان أن يُحِب ، ولكن مِن الصعب أن يُدافع عن حُبِّه ويُضحِّي مِن أجله . ومِن السَّهل على الإنسان أن يَحلُم ، ولكن مِن الصعب أن يُدافع عن حُلمه، ويُحوِّله إلى واقع ملموس . ومُهمةُ الشُّعور الإنساني الجمعي أن يُقَاتل الأوهامَ مِن أجل تكوين حُلم إنساني يمتاز بالوَعْي والواقعية، بعيدًا عن السَّذاجة والمثالية، وأن يُعبِّد الطريقَ أمامَ هذا الحُلم كي يصل إلى الهدف المنشود بلا عوائق . وما أكثرَ الأحلام التي تَمَّ وأدها في هذا الوجود، وما أكثرَ الذكريات المدفونة تحت تُراب المقابر . وفي ظِل هذه المُعطيات والتَّحَدِّيات، ينبغي على الإنسان أن يبني حَياته الإبداعية على قاعدة منطقية متماسكة بين الحُلم والمَوت، وأن يُدرك أنَّه في سِباق مع الزمن من أجل تحقيق حُلمه، فإمَّا أن يَنجح وإمَّا أن يُخفِق، ولا تُوجد نتائج مضمونة في الحياة، لأنَّ الحياة نَفْسها غَير مضمونة .
3
الحياةُ الإنسانية هي الفترة الزمنية المحصورة بين الحُلم والمَوت . والمسارُ الوجودي الذي يختاره الإنسانُ له نُقطة بداية ( وِلادة حُلم الإنسان ) ونُقطة نهاية ( مَوت جسد الإنسان ) . والمسافةُ الفاصلة بين هَاتَيْن النُّقْطَتَيْن هي المعركة الوجودية التي يخوضها الإنسانُ يَوْمِيًّا بكُل تاريخه ومهاراته وحواسِّه، ولا تُوجد فُرصة أُخرى للتَّعويض ، ولا إمكانية لرفع الراية البَيضاء . والتخطيطُ للمعركة أصعب مِن أحداث المعركة، وهذه الحقيقة تفرض على الإنسان أن يَكون العقلَ المُدبِّر الذي يُخطِّط بِدِقَّة لمعركته في الحياة، مِن أجل السَّيطرة على الأحداث، ومنعها من السيطرة عليه . وهذا لا يتأتَّى إلّا بدراسة جميع الإحتمالات بلا استثناء، والتعامل مع كُل احتمال على حِدَة باعتباره معركةً كاملة قائمة بذاتها، ومِن شأن هذه العملية تَحييد عُنصر المُفاجأة، لأنَّ عُنصر المفاجأة قاتل . ومَن امتلكَ الصَّلابةَ الذهنية وسُرعة البديهة ( رَد الفِعل السريع )، استطاعَ وأد المُفاجآت في مَهْدها . ومَن كان مَهزوزًا، ومُنهارًا مِن الداخل، ويُقَاد بالعَصَا والجَزَرة، فإن مُفاجآت الحياة ستسحقه، ولَن يَملِك فُرصة ثانية للوقوف على قَدَمَيْه، لأنَّ الخطأ الأوَّل هو الخطأ الأخير . ومَن رَمَى بنَفْسه إلى البحر وهو لا يُحسِن السِّباحةَ، فلا يُعقَل أن يَلُوم الآخَرين لأنَّهُم لَم يُلْقُوا إلَيه طَوْقَ النَّجاة . ومَن ألْقَى بنَفْسه تحت عجلات القِطار، فلا يَنتظر أيَّة مُساعدة مِن الرُّكاب، لأنَّ العاجز عن مُساعدة نَفْسه، لَن يُساعده الآخرون .