الى ارواح جميع اخوتي في العراق وفي الارض جمعاء، الذين قتلهم اخوتي في العراق وفي الارض جمعاء!!
آوه يا لخطيئتي التي ما بعدها خطيئة.. لقد قتلت اخي، بيدي الآثمتين هاتين .. نعم انا قابيل ابن آدم، قد قتلت اخي وحبيبي هابيل. واويلتاه ها انت يا حبيبي، بدن بلا حياة..، فمك لا ينطق وعيناك نائمتان..
لا ادري منذ كم من ازمان وازمان وانا احملك على ظهري هائما في البراري حائرا استغيث بالله وامي وابي لتعود الي كما كنت دائما. انت جامد بلا حياة، اداعبك فلا تضحك.. امنحك الطعام فلا تأكل.. اناديك، استغيث بك، فلا تسمعني... يا أخي، اهمس لي وله بشهقة، اشفق علي ولو بنظرة..
يا الله يا خالق الاكوان هب الحياة من جديد الى حبيبي هابيل.. انت الذي َزَيَّنَّت السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْتها رُجُوماً للِّشَّيَاطِين. إنت الذي يعلم غيب السماوات والأرض وما نبدي وما نكتم.. انت الذي شئت ان تجعل في الأرض خليفة وتخلق بشراً من طين. رغم احتجاجات ملائكتك الذين قالوا:
ـ انك ستجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟
نعم انك يا ربي خلقت أبي آدم من تراب، كالفخار، وخاطبته: كن فيكون..
ثم أمرت ملائكتك: اسجدوا لآدم. فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.
وبعد ان خلقت امي حواء من ضلع ابي، خاطبته: يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين.
لكن شهوة التمرد وملاكك ابليس الثائر ضدك انتقم وأزلهما عن طريقك وأخرجهما من نعيمك.
فاهتزت صرختك الغاضبة ياربي هادرة في اقاصي الكون:
ـ اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين.
وعندما شرع ابي وامي بالبكاء وطلب الغفران، خاطبتهما أنت التواب الرحيم:
ـ إهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
* * *
كيف يا الهي تركتني اقتل شقيق عمري وعضيدي وخليلي.. كيف اعيش من بعده.. كيف ابقى في هذه الدنيا وانا قاتله وهو توأمي، هو ذاتي انا.. آه من الغيرة، كم هي جبارة طاغية لا ترحم. كنت راعيا واخي مزارعا، نعيش بمحبة وتعاون. وعندما طلبت يا ربي قربان لك، قدم اخي حمل سمين وقدمت انا ثمار ، لكن نيرانك الهابطة من السماء اكلت حمل هابيل وأبت ثماري. وعندما صرخت انا به دون تفكير(لأَقْتُلَنَّكَ)، اذا به يرد علي بهدوء:
ـ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ من الْمُتَّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ..
حينها اجتاحني غضب ارعن فحملت حجرا اسود ورميته به. انا يا ربي اردت فقط ان أوذيه وابكيه، لا لأقتله، لكنه اطلق صرخة وجع لم اسمع لها مثيلا ما زال صداها يلهب اعماقي، وسقط ارضا وسوائل حمراء حارة تنزف من رأسه مثل حمم براكين. واذا بصوتك الجليل يا الهي يهز الوجود صارخا:
ـ ماذا فعلت يا قابيل يا ابن آدم؟ هاهو دم أخيك يعول شاكيا في انحاء الأرض. لتحل عليك اللعنة من ذات الأرض التي فتحت فاهها لتشرب دم أخيك من يدك. مهما كافحت فلن تمنحك ثمارها. ستظل الى الابد تائهاً هارباً في البراري والقفار .
* * *
ايه يا وحوش الغابات والبراري تعالي ابكي معي، اندبي هابيل، انهشيني عذبيني خذي مني روحي كما اخذت انا روح اخي.. وانت يا حجر، آه نعم انت ياحجر من اين اتتك تلك القدرة العجيبة لتسلب مني روح مَن لا روح عندي من بعده؟ كيف اذوق الطعام يا حبيبي وانت جائع.. كيف انام وانت في نومتك الابدية.. سأظل احملك على ظهري حتى يستجيب الله لدعائي ويعيد الحياة اليك..
وانتم يا أبي وامي واخوتي، لا تسامحوني ابدا على خطيئتي، ولن اعود اليكم الا وأخي يسير امامي حيا مثلما كان.. انت يا حواء يا امي وسيدتي ومانحتي الحب والحياة، كيف لي انا اعود اليك وقد قتلت ابنك وحبيبك هابيل.
وانت يا شقيقتي يا توأمتي ومعبودتي، اهجريني امقتيني فانا لا أستحق منك غير الصد والهجران لان حبي لك وغيرتي عليك هي التي زرعت الضغينة في قلبي ضد اخي وسولت لي قتله لكي تظلين انت توأمي لي وحدي..
تعالي يا طيور احملينا انا واخي الى اقاصي الاكوان، الى سابع السموات، هنالك في عرش الخالق العظيم، اريد ان اطلب الرحمة، ابكي واستغيث واستجير بالحاكم الجبار ان يأخذ روحي ويمنحها لأخي كي يعود حيا وانا ارحل الى عوالم الغياب..
آه تبا للحب الذي يخلق الحقد.. كيف لشتلات النور ان تثمر الظلام.. ولأغاني الفرح ان تبكي العيون؟!
سليم مطر/ جنيف/ كانون الثاني 2009
www.salim-matar.com
www.mesopotamia4374.com