السؤال حول جدوى "التعليم عن بعد" ما زال مستمراً، ولا يتوقف حوله النقاش منذ اعتماده وحتى الآن. ومرّ المجتمع التربوي عامة بمراحل وحالات من التذبذب في جدواه وأهميته، على مستوى المسؤول أولا وحتى المعلمين والطلاب، كانت القناعات كبيرة، والمعول عليه لا حدود له، بحيث كانت القناعة راسخة في أن هذا النوع من التعليم لا يعوض الخلل التعليمي الذي عّرّف بعد ذلك "بالفاقد التعليمي" فقط، بل إنه بديل حقيقي وعظيم يردم الفجوة ويشكل بديلا ناجحاً.
لقد انهارت هذه القناعة، وكادت تتلاشى، بل عندما تشكلت كانت مجرد خيالات وأمنيات في عقل المسؤول، كحلم راوده وأعجبه وصار يلعب بمخيلته، فظن أن "التعليم عن بعد" المنقذ، وإذا به ذو نتائج تكاد تكون صفراً، بل ليس صفرا فقط، بل كان له نتائج سلبية في عملية الدوام المدرسي وكان سببا في انهيار قيمة التعليم ذاتها عند كثير من الطلاب والأهالي والمعلمين ومديري المدارس، وبعض المسؤولين وإن لم يصرحوا بذلك، لقد كانوا يمارسون شيئا خارج قناعاتهم، لأنهم فطروا على الجبن والخوف والطاعة البائسة، وإسماع المسؤول ما يريد سماعه ويدغدغ عواطفه.
بدأ المسؤول يصحو من تلك النشوة الكاذبة والخادعة، وبدأ بمحاسبة الذات، وبدأت العودة إلى التعليم الوجاهي والمدمج، وسمح في ظروف معينة وخاصة بالتعليم عن بعد، مع أن التعليم عن بعد في هذه الظروف سيكون ذا نتائج مشابهة إلا أنه قد سمح بها.
لعله من المناسب أولا أن أبين أن التعليم عن بعد من حيث هو نوع من التعليم، يشكل أداة أو وسيلة أو ظرفا مهما للتعليم، ولا بد عنه، بل إنه حاجة بشرية سواء أكان في ظل جائحة فايروس كورونا أم في غيرها، فهو ثمرة من ثمار التطور في الفكر البشري والتواصل البشري، وقد عرف عالميا وفي فلسطين قبل الجائحة بما كانت تطلق عليه الأدبيات التربوية "التعلم الإلكتروني" الذي اندرج- كما قلت في مقالات سابقة- تحته العديد من البرامج والورش التدريبية، مع أنه كان تجريبيا وليس عاماً، إلا أنه ليس غريباً عن المجتمع التربوي في فلسطين والعالم، وعرف في الجامعات، ويتوفر في معظمها إن لم يكن في كلها "وحدة للتعلم الإلكتروني"، وعرف النظام الجامعي ما يعرف بالصفوف الافتراضية. ويتكامل نهج التعلم عن بعد مع بقية مناحي الحياة، من التجارة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية والتسوق الإلكتروني وحتى الحروب الإلكترونية.
في هذا النوع من التعليم تم تحقيق أهداف معينة وجزئية، كانت على الدوام مسايرة للتعليم الوجاهي، ولم يكن هو الأساس في عملية التعلم والتعليم، وعلينا جميعا أن نصارح أنفسنا بأن "التعليم عن بعد" لم يحقق ما كان مأمولا منه، وليس الخلل في هذا النوع من آليات التعليم، ولكن الخلل يأتي من عدة جوانب أبينها فيما يأتي من خلال بحث بنية المجتمع وبنية المجتمع التربوي في فلسطين:
بنية المجتمع :
عندما أقول بنية المجتمع أقصد مجتمعات الطلاب الذين أتوا منها، وهذه متعددة، وليس مجتمعا واحدا متناسقا، فثمة اختلافات جوهرية وحادة بين الأسر في هذه المجتمعات، في نمط العيش ومستوى الرفاهية، والفجوة واسعة جدا بين من يمتلك المال والتكنولوجيا، وبين من لا يمتلك إلا بالكاد قوت يومه، ويعيش الكفاف، ولا يعرف المستقبل ولا يفكر فيه، فقد استولى عليه الواقع، وكل همه كيف يوفر لأبنائه الخبز، فثمة "فجوة رقمية" هائلة بين أفراد المجتمع، عدا اختلاف بيئات الطلاب ما بين مدنية وقروية وبدوية، وما بين أسر زراعية، وأسر تعتاش على اقتصاد الخدمات أو التجارة المحدودة في بقالات متواضعة أو مشاريع إنتاجية صغيرة، ليس من ورائها إلا العيش أولا بأول، يوماً بيوم.
هذه الفئة من المجتمع هي التي يجب أن ننظر إليها، وهي غالبية المجتمع، وأبناؤها هم طلبة المدارس الحكومية ومدارس وكالة الغوث، وتمتاز الأسرة في هذه الفئة في أن عدد المعالين من الأطفال والنساء وكبار السن كثير، فيتراوح عدد أطفال الأسرة الواحدة في المعدل ما بين ثلاثة أطفال إلى خمسة. هذا العدد الكبير من الأطفال سيترجم تربويا إلى عدد كبير من الطلاب المحتاجين للتعليم وما يفرضه التعلم عن بعد من توفير مستلزماته من كهرباء دائمة، وشبكة إنترنت صالحة وقادرة على توفير الخدمة الدائمة، وأجهزة حاملة لمنصات التعلم الإلكتروني وأهمها اللابتوب أو الكمبيوتر (Desk Top) أو الأجهزة اللوحية، وأما الهواتف الخلوية الذكية فقد ثبت أنها ذات قدرة محدودة في الاستفادة من إمكانيات منصة (TEAMS)، فلا يستطيع المعلم أن يستثمر كل ما في المنصة من إمكانيات وهو يستخدم هذه الأجهزة. عدا أن البيوت بحد ذاتها لا توفر جوا مناسبا للتعليم عن بعد نتيجة لهذه الحالة الاقتصادية وعدد أفراد الأسرة وحجم البيوت وغرفها.
كل هذه الحالة تؤوّل اقتصاديا أيضا أنها ستشكل عبئا إضافياً على المعلم وعلى رب الأسرة، وأي أب يستطيع توفير أجهزة مناسبة لأبنائه وبيئة منزلية صالحة لهذا النوع من التعليم؟ لذلك كان التفاعل مع هذا النوع من التعليم يكاد يكون صفراً، وتخلله مجموعة من المشاكل.
المجتمع التربوي:
يشمل هذا المجتمع كل مكونات المجتمع التربوي الذين لهم علاقة بالتعليم من واضعي السياسات وحتى المستفدين منها أو المنفذين لها، لقد كان هذا المجتمع مرتبكا وعشوائيا وفوضويا وغير واضح، ولا يمتلك رؤيا واضحة وتمثل الفشل أولا عند واضعي السياسات الذين كانت قراراتهم تميل إلى العموميات تاركة بعض التفاصيل للاجتهاد الشخصي، وتغاضت عن المشاكل الكبرى البنيوية في المجتمع الفلسطيني السابق ذكرها، ولعل أبرز ما تم الإرباك فيه ما يأتي:
- التردد بين منصة (ZOOM) ومنصة (TEAMS)، فكان الخلل واضحا منذ البداية، فبعد أن تم تدريب المعلمين على المنصة الأولى، تم التراجع عنها، ليتم اعتماد منصة (TEAMS)، وأعيد تدريب المعلمين، هذا كان خللا له تبعات من التندر على العملية التربوية وعدم الجدية عند المعلمين ابتداء، فكان له أثر واضح في توظيفها واستخدامها واعتمادها في التعليم.
- لم يتم تدريب المعلمين والمجتمع التربوي جيدا لاستخدام هذه المنصة، وما هو التدريب الجيد؟ إن أهم نقطة كان من الواجب اتخاذها هو التدريب المكثف على الاستعمال التربوي التعليمي لمنصة (TEAMS)، وتجهيز نماذج حصص تقدم للمعلمين ليستفيدوا منها، لم يتم شيء من ذلك وبقي الأمر خاضعاً أيضا للاجتهاد الشخصي، وإثبات الحضور على (TEAMS) للخروج من المساءلة، إن وجدت، هذا أيضا كان له أثر سيئ جدا في تلقي الطلاب وتعاملهم بجدية مع الموضوع، فكانت نسبة الحضور متدنية جدا، وخاصة عند الطلاب الذكور، بحكم انشغال هؤلاء الطلاب بما هو أجدى، فانخرطوا في العمل مع أولياء أمورهم، لأنهم على قناعة أنه لا فائدة من قضاء الوقت أمام الجهاز والمعلم يقضي طوال الوقت متحدثاً، ولا شيء جديد أو نافع أو مؤثر سيقدمه لهم هذا المعلم.
لقد زادت تبعاً لذلك حالات التحايل التي تخرج المعلم والطالب من المساءلة. وصار التهرب مبررا من تنفيذ الحصص، وساعد هذا في ضرب قيمة الثقة بين المعلم والطالب من جهة، وبين المعلم والمسؤول من جهة ثانية.
- لم يكن هناك نظام كامل متكامل بحيث يشتمل على الحوافز والعقوبات للمعلمين والطلاب حوافز لمن انخرطوا بجدية، وعقوبات لمن لم ينخرطوا في مجتمع (TEAMS)، وربما عائد هذا إلى معرفة الوزارة بالخلل البنيوي المجتمعي الذي تعاني منه بنية التعليم في فلسطين، فغضت الطرف عن المعلمين والطلاب، فلم تشجع المبادرين والملتزمين طلابا ومعلمين، وكذلك لم يكن هناك أي إجراءات مقررة في القانون أو في التعليمات للمساءلة، وكل ما تم من مساءلات أو إجراءات إدارية هي نتيجة تصرف المسؤول، وعلى عاتقه الشخصي دون أن يكون لها سند قانوني مقرر في اللوائح الناظمة للعملية التعليمية.
- هذا التذبذب في حضور الطلاب والمعلمين كان سببا مباشرا في زيادة "الفاقد التعليمي" إلى حد كبير، وصارت عملية تعويضه أو الحد منه عملية شبه مستحيلة، فلجأ المسؤول مضطرا إلى سياسة القبول بالأمر الواقع التي تلخصت في "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، و"ليس بالإمكان أبدع مما كان"، إذ لا يوجد إلى الآن تعليمات واضحة في كيفية تعويض الطلاب ما فقدوه، وهم لم يفقدوا- بالمناسبة- محتوى تعليميا ومفاهيم فقط، بل يتعدى مفهوم الفاقد التعليمي إلى ما هو أعمق ليصل إلى فقدان الطلاب "مستوى جيدا من التعليم"، ومن القيم التي تربوا عليها في المدارس وجاهياً، وصار الطلاب يفقدون شيئا فشيئاً القيمة العليا للتعليم في المجتمع.
- ثمة مشكلة أخرى غير متسقة تربويا بين ما هو مكتوب في التعليمات، ومآل تلك التعليمات عندما تنفذ كإجراءات عملية؛ فمثلا تنادي التعليمات باللامركزية، وتعزيز رأي المدرسة بمديرها ومعلميها، هذه اللامركزية يقفز عنها المسؤول المحلي ويؤولها في منطقته إلى تسلطية كبرى ممزوجة بنوع من "العنجهية" الإدارية غير التربوية، ناهيكم عن المقدار الهائل من عبارات "اللاتهذيب" التي تسيطر على عقول هؤلاء الذين لم يستوعبوا ماذا تعني التربية والتعليم في ظل الطوارئ. إن هذا النوع من المسؤولين أشد خطرا من المعلمين المتمردين على التعليمات ولم ينفذوا حصة واحدة على الأقل عبر منصة (TEAMS). باعتقادي أن على وزارة التربية والتعليم إعادة تأهيل هؤلاء المسؤولين أو إنهاء خدماتهم، فهم "لا حاجة فنية وإدارية لهم" في ظل هذه الأوضاع التي لم يحسنوا التعامل معها. فهم تقليديون جدا وإن تبجحوا بغير ذلك، فواقع إدارتهم للعملية تثبت أنهم مجموعة من الفاشلين ليس أكثر.
- أما المحتوى التعليمي ومآلاته فإنه هو الآخر شكل عقبة أمام المعلمين، فما الذي حدث بهذا المحتوى؟ لقد تم تقليص المحتوى التعليمي إلى رزم تعليمية قللت كمية المحتوى العلمي وما يتصل به من أنشطة تقويمية وتعليمية، هذا التقليص ترجم عمليا إلى حذف جزء من المحتوى التعليمي، أي أن هذه الرزم بحد ذاتها من حيث هي أقرت دون أن تدري إلى وجود الفاقد التعليمي. لقد أسيء بهذه الطريقة التعامل مع المحتوى ليشكل برزمة تعليمية لم تختلف في شيء عن المحتوى التعليمي إلا ببعض الأنشطة التي يمكن للطالب أن يؤديها وحده تحت عنوان "مهمة بيتية" أو "مهمة تعليمية"، أو ما شابه.
يعرّف "المعجم الموحد لمصطلحات المناهج وطرائق التدريس" الرزمة التعليمية أو الحقيبة التعليمية بأنها "عبارة عن برنامج محكم التنظيم، يقترح مجموعة من الأنشطة والبدائل التعليمية التي تساعد المتعلم على تحقيق أهداف محددة. وتتضف بأنها منظومة متكاملة، ويتم التخطيط لها؛ وفقا لمدخل المنظومات للتقنيات التعليمية، حيث تحدد الأهداف أو خبرات وطرق التدريس، ومصادر تعلم متنوعة، وأساليب تقييم وتقويم وأدوات قياس. ويتحقق إتقان التعليم والتعلم من خلال الاهتمام بأداء المتعلم خطوة بخطوة." (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2020، ص66).
ليس العيب في وجود رزم تعليمية ابتداء، ولكن يجب أن تحقق الرزمة كل مخرجات التعليم ذاتها ولكن بمحتوى آخر وأنشطة أخرى مبنية على فلسفة ورؤيا خاصة بالمرحلة والتعليم عن بعد، كما هو الحال مثلا في كتب التعليم المفتوح الذي تمارسه جامعة القدس المفتوحة، فالخبراء الذين صمموا وحدات التعلم في تلك الكتب جعلوها صالحة من أجل هذا الغرض. أما رزمنا التعليمية فكانت عملا عشوائيا خاضعا لمزاجية المسؤول، وقام بها أفراد غير مؤهلين لهذا الغرض. وكان ينبغي إعادة النظر بكامل المحتوى لإعادة بنائه على ثلاثة أسس تنسجم مع التعليم عن بعد، كما هو واضح في التعريف السابق للرزمة التعليمية:
- التفاعلية بين الطالب والمحتوى التعليمي عبر وسيط تكنولوجي لا يقوم على المعلم وحده، بل يتشارك فيه الطالب والمعلم سواء بسواء.
- القدرة على التعلم الذاتي، بأن يكون المتعلم قادرا على التعلم وحده، وتهيئ له الرزمة التعليمية هذه القدرة، وتفتح له منافذ من أجل هذا الغرض.
- تفريد التعليم: بحيث يتم مراعاة- نتيجة لعدة عوامل- إمكانيات الطالب الفردية وقدراته، ويكون في الرزمة التعليمية بدائل عملية وتربوية تناسب قدراته، وتجعله فاعلا ضمن السياق التربوي التعليمي بشكل عام، فلا يشعر أنه مهمش، أو أن التعليم تجاوزه؛ ما يضرب في العمق أساسا آخر من أساسيات التعليم وهو "العدالة في التعليم" وتوفير فرص متكافئة لكل المتعلمين.
- لقد عامل النظام التعليمي الجديد "التعليم عن بعد" الطلاب كلهم بآلية واحدة؛ فالصف الأول الأساسي كالصف الحادي عشر، وأخرج النظام التربوي طلاب الصف الثاني عشر من هذا النوع من التعليم، وحصره في تقديم خدمات التمكين والمراجعة، مع أنه لا يصح أن نتعامل مع الطلاب بالطريقة نفسها، فطالب الصف الأول كيف سيتعلم عن بعد مهارات القراءة والكتابة والحساب؟ لقد نقلت الوزارة هذه المسؤولية إلى الأهل، ما يعني أن هناك طلابا لم يتعلموا شيئا، بناء على ما ذكرته من "الفجوة الرقمية" أولاً، وحال أولياء الأمور ومقدرتهم في تعليم أبنائهم المهارات المطلوبةثانيا، والعمر والمرحلة ثالثاً.
وقد أثبتت التجارب التي حالفها النجاح والحظ في التعليم عن بعد أن هذا النوع من التعليم هو الأنسب للطلاب الأكبر سنا، فكان من اللازم تخصيصه لطلاب الثانوية العامة والحادي عشر والعاشر مثلا، فهم أقدر بحكم "خصائصهم النمائية" على التعامل إلكترونيا، وبما يتمتعون به من ذاكرة أطول عمرا تتعامل مع التلقين والمجردات الذهنية أكثر من طلاب الصفوف الأساسية الأربعة الأولى، وانسجاما مع بنية التعليم في فلسطين، إذ كان من الواجب عليها التركيز على مراحل التعليم الأساسي، ومنحه إمكانيات التعليم الوجاهي، وليس الصف الثاني عشر (التعليم الثانوي). لقد كان هذا ضاربا لأسس التعليم الفلسطينية وتم التعامل معها بشكل مقلوب تماماً.
هذا الأمر خلّف نتائج سلبية جدا في مخرجات التعليم، وساهم في إشاعة عدم الجدوى من التعليم، وظهرت الوزارة أنها ليست حريصة على تعليم الطلاب إلا طلاب الصف الثاني عشر، فوفرت لهم الوقت والظروف المناسبة ليتعلموا وجاهياً. وقد ولّد هذا أيضا عند أفراد المجتمع التربوي خللا في القناعة في جدوى "التعليم عن بعد" بشكل أساسي.
كان بإمكان الوزارة أسوة بالتعليم الجامعي تحويل طلاب المرحلة الثانوية (11-12) إلى التعليم الإلكتروني الكامل، بوصفه تعليما ثانويا، والصفوف المتوسطة (5-10) بالنظام المدمج، والصفوف (1-4) إلى نظام التعليم الوجاهي الكامل أو المدمج، مع التركيز والتشديد في فرض البروتوكول الصحي الذي لم يتم الالتزام به على الوجه المطلوب. إذ ينبغي التشديد في تطبيق الإجراءات وتكثيف الرقابة على المدارس، وتوجيه العقوبات الإدارية للمخالفين.
- كان ينقص المجتمع نقصا شديدا عملية توعية شاملة، يشارك فيها كل أفراد المجتمع والمهمين فيه، وليس المعلمون فقط، ومديري المدارس، ودعاة المساجد والأئمة، بل كان على الإعلام توفير مادة تثقيقية مؤثرة تدفع الناس إلى هذا النوع من التعليم، وليس استدعاء المسؤولين وفتح حوار معهم، مع أهمية ذلك إلا أن المطلوب كان توفر تغطية إعلامية شاملة في كافة منصات الإعلام الرقمي والفضائي والمسموع والمكتوب، وأن يتخلل دائما كل البرامج وبرامج الترفيه، فمن الضروري أن يساهم كل هذا بخلق توعية وخلخلة القناعة السابقة ليحل محلها قناعة جديدة.
لعل أسوأ ما حدث في المجتمع بالإضافة إلى عدم القناعة بالتعليم عن بعد وجدواه، هو عدم القناعة بوجود فايروس (كورونا) وخطورته، ما خلق حالة من عدم القناعة بكل الإجراءات المتخذة في البروتوكول الصحي سواء في ذلك موظفو مديريات التربية والتعليم أو في المدارس، وكان الكثيرون يعبرون عن مؤامرات وسياسات ويشطح بهم الخيال، ما أدى هذا إلى وجود خلل حقيقي في تنفيذ البروتوكول الصحي على أرض الواقع، ولم يعد موجودا إلا على الورق في التعليمات. عدم القناعة بوجود الفايروس خلق عدم اهتمام بكل الإجراءات الأخرى، وخاصة التعليم عن بعد، فهؤلاء كلهم لا يثقون بوجود فايروس ما يعني أن ما اتخذ من إجراءات للتعلم والتعليم عن بعد لا قيمة لها، وتم حصره في سوء النوايا والمشاركة في المؤامرة على الشعب وعلى الأمة.
آمل أن تجد هذه الورقة آذاناً صاغية لدى المسؤولين وصناع القرار التربوي في فلسطين، وتكون هناك "خطة إنقاذ وطني" للتربية والتعليم، لا تتعامل مع المسألة بجزئية وسطحية وكأنها مسألة عابرة. على المسؤولين أن يروا أن الخطر كبير، وخسائرنا فادحة، فيجب التفكير بحلّ، وأن يكون الحلّ عبقرياً، وأول تلك الحلول هو العمل بجد على ردم "الفجوة الرقمية"، وبعد ذلك كل شيء قد يكون بالإمكان العمل عليه وبسهولة أكبر إن توفرت النوايا، وأسند الأمر إلى المختصين، وليس إلى هواة وعابثين، يودون بمستقبل وطن كامل، وجيل كامل من المتعلمين متأرجح، آملا ألا يسقط في هوة يصعب إخراجه منها بعد ذلك.
_______________________
*مشرف اللغة العربية في مديرية التربية والتعليم/ جنوب نابلس.