رسالةُ مَنْفِيٍّ " إلى يُوان "

2015-07-26
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/26cd9e5f-b2bb-4f92-9bda-a878eb522df9.jpeg

لِي بُو (701-762 )


ترجمة سعدي يوسف

أتذكرُ كيف بنى لنا " تونْغْ " ، مأوىً نشربُ فيه  ،
في " لُو- يانْغْ " إلى الجنوبِ من جسرِ " تْيَنْ شِيْنْغْ " ؟
اليشَبُ الأبيضُ  والذهبُ يأتيانِ بالأغاني والضحكاتِ .
نحن شرِبْنا ، ناسين البلاطَ والأمراءَ .
أولئك الذين بيننا ، هم ذوو الحكمةِ والشجاعةِ
في كل هذا الطرَفِ من الأنهارِ والمحيطاتِ ،
القلوبُ عامرةٌ ، كالغيوم ، وأنا وأنت ، معاً
لانعبأُ باجتيازِ البحيراتِ والجبالِ ...
كلُّ همِّنا أن نتبادلَ أفكارَنا وأحاسيسَنا .

ثم مضَيتُ انا ، إلى الجنوبِ الشرقيّ ،  كي أقطعَ الغارَ
وأنتَ مضَيتَ شمالَ " نهر لُو " ، مدوَّخاً بأحلامِكَ .
لا فرحةَ في الفراقِ .
وسَرعانَ ما عُدْنا إلى الجبالِ ،
عبرَ الإستداراتِ الستِّ والثلاثين للوادي ،
عندَ جداولَ متألِّقةٍ بآلافِ الأزهارِ
عندَ مياهٍ لا نهايةَ لها ،
ونحن نسمعُ أشجارَ الصنوبرِ تتنهّدُ .
حتى التقَينا حاكمَ " هانْغْ - تونْغْ "
وهو على سرْجٍ من ذهبٍ وفضّةٍ . ،
أمّا " هُوْ"  ، التاويُّ الحقُّ ، فقد سلبَنا  بعزفهِ
موسيقى غير َ أرضيّةٍ ، على البُرجِ العالي ،
أصواتٌ غريبةٌ من طائرَيْ فينيقٍ يتحابّانِ .
 أردانُ الحاكمِ تضْبِطُ  إيقاعَ الموسيقى ،
حتى لقد وقفَ ، سكرانَ ،  ورقصَ قليلاً
وجاءَ بمعطفِهِ المطرّزِ ، ليغطّيني .
ولقد نمتُ ، ورأسي في حِضْنِهِ .
نهاراً ، بلغتْ أفئدتُنا السماواتِ التسعَ ،
ومساءً ، تفرَّقْنا ، مثل نجومٍ تأفُلُ ، أو كالمطر ،
أنا إلى الجبلِ البعيدِ ، عبرَ التلالِ والأمواهِ ،
وأنتَ إلى بيتِكَ عند جسرِ " وِيْ " .

ذاكَ الشتاءَ ، أقصدُ " المدينةَ الشماليّةَ " لأبيكَ ،
لقد أحببْتُكَ لأنكَ شرَّفتَني هكذا ،
وشاركتَني ثروتَكَ ، بلا تردُّدٍ .
الخمرُ هناك ، في أقداحِ عنبرٍ ،
الطعامُ هناكَ ، في أطباقٍ من يَشَبٍ .
طَعِمْتُ وشرِبْتُ ، غيرَ مفكِّرٍ بالإيابِ .
مضَينا غرباً . النهرُ يتفرّعُ هناك
حول المعبدِ العتيقِ لأميرِ شُوْ .
الزوارقُ على الماءِ مع طبولٍ وأبواقٍ .
أسَلٌ في خضرةِ اليشَبِ ، أمواجٌ من صَدفِ التنّينِ .
شرِبْنا وشربنا ، عشْنا اللحظاتِ العابرةَ ،
ناسِينَ كيف تمضي مثلَ أكمامِ الزهرِ ، أو نثيرِ الثلجِ .
الفتَياتُ ، متورِّداتٍ بالخمرِ
دافئاتٍ في ألَقِ الغروبِ
والبحيرةُ العميقةُ مائةَ قَدمٍ تعكسُ الوجوهَ المتألِّقةَ ،
كانت الفتياتُ الراقصاتُ ، رشيقاتٍ ، كالصفصافِ في ضوءِ القمرِ.
الأنغامُ تضيعُ في رفرفةِ الأردانِ الحريرِ .
نسمةٌ بيضاءُ ذهبَتْ بأغنيتِهُنَّ إلى السماءِ 
متموِّجةً في الهواءِ
متمايلةً مع دروبِ السحابِ .
أبداً
أبداً
ليس من فرَحٍ كهذا .

مضَيت ، مُغَرِّباً ، بلا جدوى ...
وبعد أن اشتعلَ رأسي شَيباً ، عُدتُ إلى التلالِ الشرقيّة ،
والتقَينا
ثانيةً
جنوبَ " جسرِ وِيْ " .
وافترقْنا ، ثانيةً ، شمال شُرفةِ "تْسـوْ " .
إنْ سألتَني عن مشاعري آنَ الفراق
فقد كانت ، في داخلي ، مثل أزهارِ ربيعٍ تتساقَطُ .
لا سبيلَ إلى القلبِ ، أبداً .

أستدعي الصبيَّ
أسألُهُ أن ينحني هنا ،
أن يعقدَ هذه ، صُرّةً ،
لأرسلَها عبرَ آلافِ الأميالِ .
--------
* القصيدة من  ديوان لي بو ( جِرارٌ من ذهب ) الذي سيصدر قريباً عن " دار الجَمل "

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved