رواية " كرنفال " لراوي حاج : دانتي في مونتريال !

2015-01-09
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/708a186f-3311-4449-a564-3e51731b4edb.jpeg
في 2008  ، آنَ جئتُ مونتريال ، لأتسلّمَ جائزة متروبوليس الزرقاء ، من الجامعة ، التقيتُ راوي حاج ، صحبةَ جان عصفور الأكاديميّ والشاعر .
يومَها كان راوي حاج أصدرَ روايته الأولى : لعبة دي نيرو 
De Niro’s Game
التي فازت بجائزة دبلِن الأدبية الكبرى ، وتُرجِمت إلى تسعٍ وثلاثين لغةً .
الآن ، أزورُ مونتريال ، في شهر أيار من عامنا الرابع عشر بعد الألفَين ، زورةً خاصةً ، فأسألُ عن صديقَيّ راوي حاج ، وجان عصفور ، وأكون محظوظاً
 بلقائهما ، في مطعم " الزوّادة " اللبناني ، غير البعيد عن جامعة مغيل الشهيرة في قلب مونتريال .
راوي حاج ما زال كعهده ، يفضِّلُ الصمتَ والمراقبة الذكية ؛ وجان عصفور ما زال كعهده ، في طراوة اللسان وطلاوتِه ، ومتابعة الشأن الثقافي .
*
بين يديّ رواية " كرنفال "  الصادرة قبل عامٍ في طبعةٍ أميركيةٍ ، بعد الطبعة الكندية . تقع الرواية في 290 صفحة 
*
الحبكة الروائية ، الذكية ، التي اتّبَعَها راوي حاج ، على امتداد العمل ، ذاتُ شقّينِ  : متابعة الكرنفال الذي يمتدُّ شهراً ، ومتابعة سائق التاكسي ذي الأصل الشرقي.
الكرنفال ، باعتباره قيمةً فنّيّةً ، يسّرَ للكاتب الوصولَ إلى جوّ اللامعقول في حياة مونتريال الفعليّة .
وسائق التاكسي ، كقيمةٍ فنيةٍ أيضاً ، يسّرَ لراوي حاج ، مهمّةَ الحركة ، واستقدامَ الأشخاص ، وتقريبَ البعيد ، واختزالَ الزمن .
*
تبدأُ الرواية بسائق التاكسي ، الذي يصلُ مونتريال على بساط الريح ، وتنتهي بمغادرة " حميد " مونتريال ، على بساط الريح أيضاً ، بعد أن ضاقت به الحالُ ،  وحاصرَه
الخطَرُ ، وتَهدَّدَ حياته ، شأنه شأن عديدٍ من سائقي التاكسي القتلى في ظروفٍ غامضةٍ .
في الرواية تشريحٌ صارخٌ للمدينة الكندية ، يتولاّهُ أناسٌ من شرائح اجتماعية مهمّشة : هناك لاعبو السيرك ، العواهر ، سائقو التاكسي ، مدمنو الخمر والمخدّرات ، ضحايا
التمييز في بلدانهم الأصلِ أو في المهْجرِ الكنديّ ، راقصات الملاهي الرخيصة ... إلخ .
أحياناً يتّخذُ التشريحُ سبيلَ الانتقامِ حدَّ القتل أو التخطيط للقتل ، كما هو الحال لدى " أوتو " المثقف المتهور ، الذي اعدَّ قائمةً طويلةً بأغنياء مونتريال ، بُغْيةَ قتلهم انتقاماً .
*
لا بُدّ لي ، في حديثي المختصر عن العمل ، من التنويه براديكالية الفكر الحاضنِ ، في ما اتّصَلَ بالموقف الطبقيّ ، والدين ، والسياسة عموماً .
لقد بلغت الراديكاليةُ حدّاً جعل أوتو ، يقتلُ صحافيّاً فرنسيّاً ظلّ يمتدحُ ألبير كامو بحرارة ، بينما كان أوتو يجادله حول استعمار الجزائر .
*
أشدُّ على يد راوي حاج ، مهنّئاً ، وسعيداً بالعمل .
لَكأنّ هذا الروائيّ ، القادم من لبنان ، المتمرِّس بالحياة ، والمتمترِس بها ، دانتي مونتريال .
لقد فضح ، بجدارةٍ فنّيّةٍ عاليةٍ ، الكذبةَ الكبرى : الحاضرة الرأسماليّة !

تورنتو  08.05.2014


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved