كنت أبحث عن بلد يقبلني بما أنا عليه من شتات، فدخلت مدينة كلّ من فيها بعين واحدة . قيل إنّهم خُيّروا بين نصف البصر، ونصف الحكمة فقبلوا البصر . وما عليّ إلّا أن أفقد إحدى عينيّ ليقبلوني بينهم. فخرجت...
وكان أمام بصري بلد آخر كلّ من يسكنه يعلّق يده برقبته، قالوا رأى كلّ منهم في منامه يده تسرق فعلّقها برقبته . أصبحت مخيّرا في أن أنتظر حلماً أجدني أسرق فيه فأعلق يدي بعنقي، فلم يرق لي الحال...
وابتعدت إلى حيث مدينة أخرى كلّ أناسها برجل واحدة وعرفت أنّ أيّا منهم حلم برجله تقوده إلى الخطيئة، فتجرّد منها . وما علي إذا أحببت أن أعيش بينهم أن أنتظر حلماً أفقد فيه إحدى رجليّ، فهربت من حلم ينتظرني أو أنتظره .
لكني لم أبصر أيّ بلد بعد، ولا مكان لي .
كالمستسلم رجعت إلى آخر مدينة كرهتها، فوجدت سكانها من دون أرجل، يقولون راود كلاً منهم حلم ثان، فتحرروا من أرجل تقودهم إلى الخطايا، أمّا أي غريب يدخل فلينتظر حلمين يقطع بعدهما رجليه كي لايذهب إلى خطيئة ما .
وقد وجدت حين دخلت المدينة الأخرى أهلها يعلقون أيديهم جميعها برقابهم . هناك حلم آخر راودهم وأنا أنتظر حلمين حتّى أصبح من دون يدين وقد يأتي الحلم على عجل أو يتأخر أشهراً وسنواتّ، فأخرج من حيرتي إلى المدينة الأولى . فوجدتهم بغير عيون، قالوا إنهم خُيِّروا بين فقدان البصر وكلّ الحكمة فاختاروها عبر حلم آخر ! .