الموسيقى كالشعر، وكالرواية : رفاق الإنسان في عزلته التي يفرضها تصاعد ايقاع الحياة المعاصرة
الراحل أسعد محمد علي الثاني على يمين الصورة عازفا على الفيولا في حفل موسيقي بعمّان
"سومر": رهافة الوتريات في فضاء مفتوح
أقامت دارة الفنون ( مؤسسة شومان ) أمسية موسيقية، قدمت خلالها " جماعة سومر" العراقية لموسيقى الصالة، والتي تكونت من الرباعي الوتري: أسعد محمد علي (فيولا) باسم حنا بطرس (تشيلو)، زيد عصمت شوكت (كمان أول)، ونهلة ألياس ججو (كمان ثان) ·
واشتملت الأمسية على معزوفات مكتوبة للرباعي الوتري أو تناسب الإمكانيات التعبيرية لهذا الآلات، مثل الحركة الأولى من كونشرتو كتبه انطونيو فيفالدي (1680-1743) أو المقطوعة المكتوبة لرباعي وتري والتي صاغها جوزيف هايدن (1732-1809) كما عزفت الفرقة أحد الاعمال المناسبة لتكوينها الالاتي والتي كتبها الموسيقي العراقي الراحل حنا بطرس (1896-1958) وحملت عنوان مدورة شرقية (روندو) وقدمت إحياء لذكراه في عيد ميلاده المائة·
في الجزء الثاني من الأمسية قدمت الفرقة أجواء من موسيى ادوارد غريغ ( 1843-1907) حيث لمسات الفترة الرومانسية وأجواء موسيقى بداية قرننا الحالي·
فرقة "سومر" لموسيقى الصالة تأسست في بغداد عام 1896 ومرت بظروف ومتغيرات كثيرة فشهدت تواجد عدة أجيال من العازفين فيها، وها هما زيد عصمت شوكت ونهلة الياس ججو العازفان على الكمان، واللذان يمثلان الجيل الشاب من الموسيقيين العراقيين يتركان لمستهما على سيرة هذه الفرقة التي يحرص على استمرارها، الفنان والناقد والروائي أسعد محمد علي، وهو الى جانب باسم حنا بطرس واكب الفرقة منذ تأسيسها·
ساهمت موجة البرد اللطيفة في ترك آثار سيئة على درجة نصب الآلات مما أدى الى إرباك عند العازفين الذين اجتهدوا كثيراً للتعويض عن ذلك، كما يمكن إضافة سبب آخر يؤدي الى تشتيت التوصيل ما بين الموسيقى والمستمع، الا وهو الفضاء المفتوح وفي مكان مثل دارة الفنون القريبة من حركة دائبة للمدينة، يصبح ذلك الفضاء ناقلاً لضجيج دائم يقلل من كفاءة الاستماع والعزف معاً·
"جماعة سومر": 30 عاما من النغم الجميل
مع اتساع فسحة الموسيقى في "دارة الفنون" التابعة لمؤسسة عبد الحميد شومان، وتعدد أمسيات الموسيقى التي تخصصها ضمن برنامجها الثقافي، يتعرف جمهور الدارة على جماعة "سومر" لموسيقى الصالة العراقية التي انتظم ظهورها الموسيقي الناعم والمؤثر في المواسم الثقافية الماضية التي قدمتها "دارة الفنون"(6).
وبات الثلاثي أسعد محمد على (فيولا) وباسم حنا بطرس (تشيللو)، وإحسان أدهم (فلوت) يقيمون في كل ظهور لهم مشهد صداقة حميمة مع فضاء (دارة الفنون) وجمهورها.
والأمسية التي أحيتها "جماعة سومر"، حملت نكهة مختلفة لا لبرامجها فحسب بل لتوقيتها فهي تصادف مع الذكرى الثلاثين لتأسيسها في بغداد. حيث شكل في شباط 1968 عدد من الموسيقيين العراقيين هم: محمود الأوقاتي (كمان)، غازي مصطفى بهجت (أوبو)، أسعد محمد علي (فيولا)، إحسان أدهم (فلوت)، مهدي علي (فلوت) وباسم حنا بطرس (تشيللو)، جماعة موسيقية حملت إسم "جماعة سومر" لموسيقى الصالة. وجاءت أهمية عروضها الفنية بعد توقف الفرقة السيمفونية العراقية عن العمل.
وتضمنت الأمسية في قسميها عدة أعمال موسيقية، جاءت متسقة في طبيعتها الفنية ومصادرها التاريخية وانماطها.
واختارت الجماعة حسب وضعها الحالي (ثلاثة عازفين بعد ان كانت من ستة موسيقيين وخمسة أحيانا) أن تقدم أعمالا امتازت برهافة وغنى روحيين وقعهما موسيقيون ومؤلفون، أمثال "شتامتز" المؤلف الجيكي من مدرسة مانهايم الذي تمتاز أعماله بمقاربتها للكلاسيكية التي مهدت إلى ظهور أسلوب هايدن وموتسارت. وكانت المقطوعة التي عزفتها الجماعة له، بنبضها السريع تكاد تلخص حيوية كل آلة من الآلات الثلاث.
كذلك تضمن الأسم الأول عملا للمؤلف الإيطالي من القرن الثامن عشر، دفيني، الذي كتب مقطوعات صغيرة في صيغة الثنائي والثلاثي والرباعي. ورغم انه لايعتبر مؤلفا ذائع الصيت إلا إن مقطوعته جاءت بروحية سريعة كانت تناسب الحاجة للنسيم في وقت الصيف.
ولا تختلف هذه الصفة (السرعة والحيوية)، عن عمل آخر للمؤلف الفرنسي الكلاسيكي بوامورتيه الذي تخصص في صيغ الثنائيات والثلاثيات والرباعيات، وبرعت هنا الآلات الثلاث حسب قدرات عازفيها المهرة في تجسيد هذا الملمح السريع والحيوي في المقطوعة مما أدخل البهجة والسرور العميقين في نفوس المستمعين.
وتغير هذا الانتظام في عمل للمؤلف الموسيقي الجيكي فانهال الذي جايل بيتهوفن وكتب العديد من المقطوعات، ومنها عمله الذي جاء في صيغة "المتوالية"، ووقع في تسع قطع صغيرة تراوحت في إيقاعها بين البطيء الممتهل والسريع. ويحيل العمل إلى نوع من الافتتان بصياغة مشاعر يمكن لآلتين وتريتين وواحدة هوائية رقيقة أن تقدمها. وفي الوقت ذاته كشفت المقطوعات التسع الصغيرة عن براعة العازفين وعمق المشاعر التي لعبوا فيها على آلاتهم.
في القسم الثاني من الأمسية خصصت "جماعة سومر" فقرتين خاصتين لعبقري الموسيقى ولفجانغ أمادويس موتسارت، وعزفت ما أمكن لموتسارت أن يكتبه من موسيقى وهو في عمر التاسعة! حيث كان والده ليوبولد موتسارت قد أعلن عن قدرة ابنه الصغير في تأليف الموسيقى مما جعل الموسيقيين الآخرين يختبرون هذا (الإدعاء) وأمروا موتسارت الصغير بان يدخل غرفة ويغلقوها عليه خلال فترة ليخرج عليهم بمقطوعات موسيقية كما يدعي، وكان وقع المفاجاة عليهم ان خرج موتسارت بعدة مقطوعات مكتوبة (للثلاثي) الموسيقي.
وتقديرا لمثل هذه الموهبة التي ما زالت تغذي العروض الموسيقية في إثنيتن من هذه المقطوعات التي كتبها موتسارت في (غفرة الاختبار). وفيها ظهر موتسارت طليقا بهيجا ممتلئا بآمال واسعة ومشاعر طافحة.