ترجمة وإعداد : سعدي يوسف
" هذه المادة منتقاةٌ من وثائق سريّة للغاية أُفرِجَ عنها مؤخّراً في الولايات المتحدة الأميركيّة "
س. ي
8 تشرين أوّل ( أكتوبر ) 1967
تلقّت القوّات معلوماتٍ تفيد بتواجد مجموعة من الأنصار عددُها 17 في وادي جورو . دخل الجنودُ المنطقةَ وواجهوا مجموعةً من ستة أنصار إلى ثمانية . فتح الجنود النار وقتلوا كوبيّينِ اثنين :؛ أنتونيو وأرتورو . حاولَ رامون ( غيفارا )، و وِيلي، الإفلاتَ باتجاه قسم الهاون، حيث جُرِح غيفارا في أسفل ربلة ساقِه .
8 تشرين أوّل 1967
أبلغتْ فلاّحةٌ، الجيشَ، أنها سمعتْ أصواتاً على امتداد ضفتَي اليورو قرب البقعة التي يجري فيها بمحاذاة نهر سانت أنتونيو . ولا يُعرَف ما إذا كانت هذه المرأة هي التي صادفَها الأنصارُ سابقاً .
في الصباح، تموضعتْ عدّة سرايا من " الرينجرز " في منطقة أنصار غيفارا، واتخذتْ لها مواقع في الوادي نفسه، في كبرا دل يورو .
حوالي الثانية عشرة بعد الظهر : وحدةٌ من فرقة الجنرال برادو، كل أفرادها تخرّجوا حديثاً في معسكر تدريب القوات الخاصة الأميركي، اشتبكتْ مع الأنصار، قتلتْ اثنين، وجرحتْ كثيرين .
الواحدة والنصف بعد الظهر : بدأتْ معركة شَي الأخيرة في كبرادا دل ريو . سيمون كوبا ( وِيلي ) سرابيا، وهو عامل منجم بوليفي، يقود مجموعة الثوّار . شَي خلفَه، مصاباً في ساقه عدة إصابات . سرابيا يحمل شَي، ويحاول إبعاده عن خطّ النار. إطلاقُ النار يستأنَف . وتسقط بيريّةُ شَي عن رأسه . يُجلِسُ سرابيا شَي على الأرض، كي يتمكن من الردّ على النيران . كان محاصَراً ضمن أقل من عشر ياردات . فأخذ الرينجرز يركِّزون نيرانَهم عليه، واخترقَه رصاصٌ كثيرٌ . حاولَ شَي مواصلةَ إطلاق النار، لكنه لم يستطع استخدام بندقيّته بيدٍ واحدةٍ . أصيبَ ثانيةً في ساقه اليسرى، وسقطتْ بندقيته من يده، واختُرِقتْ ذراعه .
وعندما اقتربَ منه جنديٌّ صاح به شَي : " لا تطلق النار. أنا شَي غيفارا . سِعري حيّاً أكثرُ من سِعري ميّتاً" .
انتهت المعركة حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر . أُخِذَ شَي أسيراً .
تدّعي مصادرُ أخرى أن سرابيا ألقي عليه القبض حيّاً، وجيء به مع شَي، حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر أمام الكابتن برادو . أمرَ الكابتن برادو عامل اللاسلكي لديه بأن يتّصل بقيادة الفرقة في فير غرانده مبْلِغاً إيّاهم بأسر شَي . الرسالة المشفّرة كانت : " هلو ساتورنو، لدينا باب ؟ "
Pap
ساتورنو هو رمز العقيد جواكان زنتانو، آمر الفرقة ىالثامنة في الجيش البوليفي، و Pap هو رمز شَي. لم يصدِّق العقيدُ النبأ، فطلب من الكابتن برادو تأكيد البرقية . مع التأكيد ، غمرت الفرحةُ قيادة الفرقة . وبعث العقيد زنتانو برقية إلى الكابتن برادو يخبره فيها بضرورة إرسال شَي وأيّ أسرى آخرين، فوراً، إلى الهجيرا .
في فاله غرانده، تلقّى فليكس رودريغز رسالةً باللاسلكي : Papa? casado
ومعناها : الأب متعَبٌ .
Pap?
رمزٌ للأجنبيّ، أي، شَي .
أمّا متعَبٌ، فتعني أنه أسيرٌ أو جريحٌ .
*
أربعة جنود حملوا شَي، ممدّداً على بطّانيّةٍ، إلى الهجيرا، على مبعدة سبعة كيلومترات، أمّا سرابيا فقد أُرغِمَ على السير خلف شَي ، وقد أُوثِقتْ يداه إلى ظَهره . مع هبوط الظلام بالضبط ، وصلت المجموعة إلى الهجيرا ، وحُجِزَ الإثنان ، شَي وسرابيا ، في بيت مدرسةٍ ذي غرفة واحدة . في ما بَعدُ ، ليلاً ، جيء بخمسة ثوارٍ آخرين إلى المكان .
المراسلات العسكرية الرسمية تعلن كذِباً أن شَي قُتِلَ في اشتباكٍ جنوبيّ شرقيّ بوليفيا، بينما تؤكد تقارير رسمية أخرى مقتل شَي، معلنةً أن الجيش يحتفظ بجثمانه . إلا أن القيادة العليا للجيش لم تؤكد هذا التقرير .
9 تشرين أوّل 1967
والتْ روستو يرسل مذكرة إلى ( الرئيس الأميركي لندون جونسون ) يخبره بأن البوليفيّين قبضوا على شَي غيفارا، وأن الوحدة البوليفية التي تولّت الأمر كانت من الوحدات التي درّبتْها الولايات المتحدة .
9 تشرين أوّل 1967 : الساعة السادسة والربع صباحاً :
فليكس رودريغز يصلُ بالهليكوبتر إلى الهجيرا مع العقيد جواكان زنتانو أنايا . رودريغز حملَ معه جهازَ إرسالٍ ميدانيّاً محمولاً، قويّاً، وآلةَ تصويرٍ ذات مَسْنَدٍ رباعيّ لتصوير المستنَدات . عاينَ ، بهدوءٍ، الموضعَ، في البيت المدرسيّ، وسجّلَ ما يراه، وقد وجدَ الحالةَ " فظيعةً "، مع شَي ممدّداً في الوسخ، يداه موثقتان إلى ظَهره، وقدماه مربوطتان، لِصقَ أجسادِ أصدقائه . كان يبدو مثل " قطعة زبالةٍ " بشَعره المتلبِّد، وملابسه القذرة، منتعِلاً قطعتَي جِلْدٍ باعتبارهما حذاءين . في إحدى المقابلات صرّح رودريغز قائلاً :
" أحسستُ بمشاعرَ مختلفة حين وصلتُ هنا لأوّل وهلةٍ . فهاهوذا الرجل المسؤول عن قتل كثيرٍ من أبناء بلدي . وبالرغم من هذا أحسستُ بالأسف عليه، بسبب حالته المزرية " .
شغّلَ رودريغز جهازَ إرساله، وبعث رسالةً مشفّرةً إلى محطة الـC.I.A
إمّا في البيرو أو البرازيل لتعيد إرسالها إلى المركز في لانغلِي . وشرع رودريغز يصوِّرُ يوميّات شَي والوثائق الأخرى المستولَى عليها . في ما بَعدُ، أخذ رودريغز يقضي وقتاً في الحديث مع شَي . والتُقِطتْ لهما صورٌ معاً . الصور التي التقطَها رودريغز هي في عهدة وكالة المخابرات المركزية .
الساعة العاشرة قبل الظهر:
الضبّاط البوليفيّون يواجههم السؤال : ماذا سيصنعون بشَي ؟ إن مقاضاته مستبعَدةٌ، لأن المحاكمة ستجعل العالَم يركِّز الإنتباه عليه، ممّا يولِّدُ تعاطفاً مع شَي وكوبا . تقرَّرَ وجوبُ إعدام شَي فوراً، لكنْ جرى الأتّفاقُ على أن الرواية الرسمية ستقول إنه توفِّيَ متأثراً بجراحه في المعركة . استقبلَ رودريغز مكالمةً من فاله غرانده تتضمّن أمراً من القيادة العليا بأن ينفِّذَ العمليّتين خمسمائة وستمائة . خمسمائة هو الرمز البوليفي لشَي، وستمائة هو الأمر بقتله . أخبرَ رودريغز العقيد زنتانو بالأمر، لكن أخبره أيضاً بأن الحكومة الأميركية أصدرتْ تعليماتِها إليه بإبقاء شَي حيّاً بأيّ ثمن . المخابرات المركزية والحكومة الأميركيّتان، كانتا هيّأتا هليكوبترات وطائرات لنقل شَي إلى بنما، لاستجوابه هناك . إلاّ أن العقيد زنتانو قال إن عليه تنفيذ أوامره هو . أمّا رودريغز فقد قرّر أن " يترك للتاريخ يأخذ مجراه "، ويدع القضية في أيدي البوليفيّين .
يدرك رودريغز أنه لا يستطيع أن يتلبّثَ أكثرَ، بعد أن أخبرتْه معلِّمة المدرسة أنها سمعتْ عبر مذياعِها خبرَ موتِ شَي . رودريغز يدخل غرفة المدْرسة ليخبر شَي بأوامر القيادة العليا البوليفية . شَي يفهم ويقول :
" أفضل أن يتمّ الأمر هكذا ... ما كان ينبغي أبداً أن يلقى عليّ القبضُ حيّاً " .
يسلِّمُ شَي، رودريغز، رسالةً إلى زوجته، وإلى كاسترو، يتعانق الإثنان، ويغادرُ رودريغز الغرفةَ .
الضباط ذوو الرتَب العالية في الهجيرا، كما أفادَ مصدرٌ واحدٌ، كلّفوا بتنفيذ الأمر، نوّابَ الضبّاط الذين اقترعوا على مَن سينفِّذُ الإعدامَ . قُبَيلَ الظُّهرِ تماماً، استقرّت القُرعةُ على العريف خاييم تيرؤون . يذهب تيرون إلى المدرسة ليُعدِم شَي . تيرون يجد شَي ملتصقاً بالحائط، ويسأله شَي أن ينتظر دقيقةً ليقف . يرتعب تيرون ويفرّ هارباً، لكنّ العقيدَين سليج و زنتانو يأمرانه بالعودة . كان لا يزال يرتعد حين عاد إلى غرفة المدرسة، ووجّهَ الرصاصَ، بدون أن ينظر في وجه شَي، إلى صدره وجنبِه .
جنودٌ آخرون كانوا يريدون أن يطلقوا النارَ أيضاً، يدخلون الغرفة ويطلقون عليه النار .
جاء في رواية جون لي أندرسن أن العريف تيرون يتطوّع لرمي شَي . آخر ما قاله شَي لتيرون :
" أنا أعرف أنك جئتَ تقتلني . أطلِقْ . أنت ستقتلُ رجلاً فقط " .
تيرون يطلق النار على ذراعَي شَي وساقَيه، ثم على زَورِه مالئاً رئتَيه دماً .
14 تشرين أوّل 1967 : ملحق رقم 3
ثلاثة من منتسبي الشرطة الإتحاديّة الأرجنتينيّة، زاروا بدعوة من الحكومة البوليفية، مقر القيادة العسكرية البوليفية في لاباز، بُغْيةَ التعرّف على خط شَي غيفارا وبصمات أصابعه .
" عُرِضَتْ أمامهم حاويةٌ معدنٌ، بها يدان مقطوعتان في محلولٍ، هو الفورمالديهايد كما هو واضح " .
قارنَ الخبراءُ بصماتِ الأصابعِ مع تلك التي في السجلّ المدنيّ الأرجنتينيّ المرقّم
272-524-3
الخاص بغيفارا، وكانت البصمات متطابقة .