سعدي يوسف والموضوع الفلسطيني

2021-06-21

رحل سعدي يوسف العراقي الجنسية، الإنساني الإنتماء، العربي الهوية، والفلسطيني النبض، الذي أقام في منفاه ومغتربه القسري بعد خروجه من وطنه الأم العراق، والذي يُعد أحد الأصوات الشعرية في القصيدة الحديثة من حيث التجربة وغزارة الإنتاج، التي ملأت الأجواء الشعرية تجديداً وضجيجاً وصخباً وتمرداً، وأحد أجمل الشعراء المفتونين بجماليات الشعر الصافي وإيقاعات اللغة، الذي جعل من القصيدة رسالة حياة وأخلص لها، وأعتُبِرَت قصيدته متمردة على التزامه وانتمائه الحزبي، وبعيدة عن اللغة المنبرية والأفكار والأيديولوجيات الكبرى التي سيطرت وهيمنت على الشعر العربي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، متجهًا من قصيدة النثر التي كتبها وابدع فيها، إلى التفاصيل اليومية ومشاغلها الإعتيادية، ممزوجة بشعور اللايقين السياسي والإجتماعي الذي ميز ووسم شعره . 

وكل ما كتبه سعدي يوسف من أشعار يأتي في إطار ما يسمى بالشعر الشفوي أو اليومي، أو كما قلنا آنفاً، قصيدة التفاصيل، ونجد فيها مذاقاً وطعماً آخرًا مختلفًاً وروائحاً في لغته المدهشة التي تميل إلى الدقة والتوثيق الواقعي، والإيماءات الفوتغرافية، والتفاصيل العابرة، لكنها في الوقت نفسه، تحافظ على وشائج قوية ومترابطة عضوياً، وهي قصيدة حرة، وشعرية عريقة، فصيحة وبليغة، تتأتى من إنزياحاتها واستعاراتها وإيماءآتها العميقة ومحسناتها البلاغية المتينة والمبتكرة، وليس من سلفيتها وبلاغتها التقليدية فقط، ويمكننا القول أن سعدي هو شاعر تفعيلة وإيقاع بالأساس . 

كان سعدي يوسف عاشقًا لفلسطين، الجرح الأكبر في التاريخ العربي المعاصر، بما تمتلكه من أبعاد حضارية وتاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية، وهو القائل : "انتمائي للحركة الثورية العربية، جنبني الضياع، والحق أنني أعني الثورة الفلسطينية، بشكل خاص، فقد وجدت فيها ما يظل إضاءة، وكرامة وتوازنا، فلسطين ما تزال البؤرة، الأكثر ملموسية في لوحة حركة التحرر الوطني العربي" . 

وكان سعدي عاش حصار بيروت أبان الغزو الإسرائيلي العام 1982، وغادرها مع عناصر المقاومة الفلسطينية، واتكأت قصائد له على الهم والجرح الفلسطيني النازف، وله نصوص كثيرة عن فلسطين والقضية الوطنية والموضوع الفلسطيني كتبها بين الأعوام 1976- 1993، وجمعها في "الديوان الفلسطيني"، الذي كان صدر في عمان عن اللجنة الشعبية الأردنية لدعم الإنتفاضة . 

وفي هذه القصائد عبّر سعدي يوسف بكلماته وحسه وأحاسيسه ونبض قلبه وفكره، عن تجارب المقاومة والتحدي والصمود في بيروت وعن الثورة والخيبة والإنكسار، والحال العربي والمواقف العربية المخزية والمتخاذلة تجاه قضية فلسطين، التي لم ترق إلى مستوى الأحداث، وأشار إلى الإضطهاد الذي تعرض ويتعرض له الأطفال الفلسطينيين في مخيمات اللجوء والشتات، وفي مخيم صبرا بالذات أبان المجزرة التي تعرض لها، حيث يتجرعون دخان أسلحة الحرب بدلاً  من أن يرتوا من الماء، ويحرمون من النعم التي يتمتع بها العشب . 

وفي شعره الفلسطيني يدعو سعدي للنضال وتحدي الظلم والعسف والإحتلال، مؤكداً على ضرورة التضحية في طريق الحرية وسمو الوطن، ويتجلى ذلك في المحاور الرئيسة لأشعاره في فلسطين والعراق، وإلى جانب دعوته للنضال والكفاح والمقاومة والتحدي حتى تحرير الوطن الفلسطيني من براثن الإحتلال والإستعمار، نراه يلقي اللوم والعتب على أولئك الذين اختاروا الصمت أمام القتل والدمار والمجازر والمذابح الدموية .  

ومن شعره الفلسطيني قصيدته" فلسطين إلى الأبد"، التي يقول فيها : 

 هذا الفضاءُ نظلُّ نطْرقُهُ 

 

حتى نرى في الوحشةِ العَلَما 

 

حتى يدورَ الطيرُ نُطْلِقُهُ 

 

نحو النجومِ لِيُطْلِقَ القَسَما 

 

في البراري فلسطينُ، في قُبّراتِ المخابئ 

 

في الرصاصِ الكثيفِ 

 

وفي صيحةِ الراجِمةْ 

 

في الأغاني فلسطينُ، في الخُصْلةِ الفاحمةْ 

 

في قميص الشهيدْ 

 

في حديدٍ يَفُلُّ الحديدْ 

 

في يدٍ 

 

في زِنادْ 

 

في اقترابِ البلادْ . 

 

حضور سعدي يوسف في المشهد الشعري والأدبي والثقافي العربي هو حضور ملهم ومشع للإبداع والمبدعين، وستظل كلماته التي خطها يراعه في حب وعشق فلسطين وشعبها، هي الكلمات التي ستقرأها الأجيال الفلسطينية القادمة، التي ستجد ما بين سطور قصائده ما يعيد لها الأمل والتفاؤل بأن القادم أجمل والتحريرآت عاجلًا أم آجلًا .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved