سبعة دروسٌ في فن الشِعر من و.ه. أودِنْ W.H.Auden

2016-01-05
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/6aeed2c5-b1e1-4216-8498-bbbdead42950.jpeg
 
1907-1973
Dichtung und Wahrheit
الحقيقة والخيال
(قـصيدةٌ غير مكتوبة )
ترجمة سعدي يوسف

1
متوقِّعاً وصولَكِ غداً، وجدتُني أفكِّرُ أنا أحبُّكِ : ثم تأتي الفكرةُ :- عليَّ أن أريد كتابةَ قصيدةٍ تُعَبِّرُ تماماً عمّا أعنيهِ حين أفكِّرُ بهذه الكلماتِ .

2
 أوّلُ ما أطلبُهُ، حين أقرأُ قصيدةً كتبَها سواي، أن تكون جيّدةً ( اسمُ كاتبِها ذو أهميّةٍ ثانويّةٍ ) ؛ أمّا القصيدةُ التي أكتبُها فإن مطْلبي الأول منها أن تكون أصيلةً، يمْكِنُ التعرُّفُ عليها، مثل خطِّ يدي، إذ أنها كُتِبَتْ، على عِلّاتِها، من قِبَلي .
( في ما يتّصِلُ بقصائدِ الشاعرِ نفسِه، فإن ما يفضّلُهُ الشاعرُ، وما يفضِّلُهُ قُرّاؤهُ، متشابكٌ، ونادراً ما يكون متوافقاً. )
3
لكن  على هذه القصيدةِ التي أريدُ أن أكتبَها الآن، أن تكونَ، ليس فقط جيدةً وأصيلةً، بل عليها أن ترضيني، وعليها  أيضاً أن تكون صادقةً .
قرأتُ قصيدةً لشاعرٍ ذرفَ دمعةَ فراقٍ لمحبوبته : القصيدة جيدة ( أثّرَتْ فِيَّ شأن أي قصيدةٍ جيّدةٍ ) وأصيلة ( تعرّفتُ فيها على خطّ يدِ الشاعر ) . في ما بَعدُ، ومن قراءتي سِيرةً،  عرفتُ، أن الشاعر، وقتَ كتابتِها، كان يبغضُ حتى الموتِ، تلك الفتاةَ
لكنه تظاهرَ بالعويلِ، كي يتجنّبَ إيذاءَ المشاعر، والمشهدَ .
هل أثّرتْ هذه المعلومةُ، سلباً، في إعجابي  بقصيدتِهِ ؟  أبداً. أنا لم أعرفْه شخصيّاً، وحياتُه الخاصة لاتهمُّني .
هل كان هذا سيؤثِّرُ في إعجابي، لو كنتُ أنا، كتبتُ القصيدةَ ؟ آمُلُ في ذلك .
4
لن يكفي أنّ عليّ الاعتقادَ بأن ما كتبتُهُ كان صادقاً :
لكي أرضى، على الصدقِ في هذه القصيدةِ أن  يكون واضحاً بذاتِهِ .
على القصيدةِ أن تكون مكتوبةً، بطريقةٍ تجعلُ القاريءَ لا يقرأ  أنا أحِبُّكِ، كما يقرأ أنا أحِبُّكِ .



5
لو كنتُ مؤلِّفاً موسيقيّاً ، فأظنُّني قادراً على تأليف قطعةٍ موسيقيّةٍ تُعَبِّرُ للمستمعِ عمّا أعنيه آنَ أفكِّرُ بكلمة حُبّ، لكنْ سيكون مستحيلاً عليّ أن أؤلِّفَها بطريقةٍ يعرفُ المستمعُ، بها، أن هذا الحُبّ كان لكِ  أنتِ . ( لا للّه، أو أُمّي، أو النظام العَشريّ ) . لغةُ الموسيقى لازمةٌ، غير متعدِّيةٍ ، كما كانت. هذه اللزوميّة، بالضبط، هي التي تجعلُ، سؤال المستمعِ بلامعنى، لو سألَ :- "  هل يعني هذا المؤلفُ، حقّاً، ما يقولُ، أم أنه يتظاهر بذلك فقط ؟ "
6
لو كنتُ رسّاماً، فأظنني قادراً على رسم بورتريت يُعَبِّرُ للمُشاهدِ عمّا أعنيه، عندما أفكِّرُ بكلمةِ  أنتِ ( جميلة، محبوبة، إلخ .) ، لكنْ سيكون مستحيلاً علَيَّ أن أن أرسمَ البورتريت بطريقةٍ يعرفُ فيها أني أنـــا أحببتُكِ أنتِ .
لُغةُ الرسمِ تفتقدٌ، كما كانت، الصوتَ الفعّالَ، هذه الموضوعيّة، بالذات، هي التي تجعلُ، بلا معنى، سؤالَ المُشاهِدِ:-
"  أهذا حقاً بورتريت نون ( وليس لصبيٍّ، أو قاضٍ، أو لقاطرةٍ مموّهةٍ ) ؟"
7
محاولة " الرمزيّين "  جعلَ الشِعرِ، لازماً،  كالموسيقى، لن تمضي أبعدَ من الفعل الإنعكاسيّ النرجسيّ - " أنا أحبُّ نفسي ".
محاولةُ جعلِ الشِعرِ موضوعيّاً، كالرسم، لن تمضي أبعدَ  من المقارنة المفردة " أ  مثل ب " ،" جيم مثل د" ، " ر مثل ز" ،
لن تتعدّى قصيدة صًوَريّة ( إيماجِسْتْ )، بضعَ كلماتٍ طولاً .


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved