البرونزهو معدن فطري، عرفه الإنسان من أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، كان يوجد في الطبيعة على هيئة قطع حمراء نقية مخلوطة بالصخور .
في الألف السابع قبل الميلاد، اهتدى سكان حوض الرافدين "دجلة والفرات، إلى أن يزيدوا من صلابته بالطرق كي يصلح لصناعة الأدوات، ومنذ حوالي ستة آلاف عام قبل الميلاد بدأ استخدامه للأغراض المعيشية، واعتبر هذا الإنجاز بداية عصر حضاري جديد في تاريخ البشرية .
ذو لون خاص، بين الحمرة والبنية, وهو من الفلزات القابلة للطرق والسحب والتوصيل للكهرباء، ويفوق ما تبقى من الفلزات في هذه الميزة ويختلف في هذه الصفة أيظاً عن الذهب والفضة والنحاس، ولقد أصبح ا أكثر العناصر شيوعا في العالم في استخدامات الآلات والمعدات ، بالإضافة الى اعتدال ثمنه , وجودته , وتعدد غاياته وبما أنه معدن عرف منذ القدم فيجب أن نتعرف على تاريخه العريق .
وفي الألف السادسة قبل الميلاد تعلم الإنسان صهر الخامات وشكلت بذلك الأدوات المعدنية وكان المصريين القدماء قد استخدمواه في صنع أنابيب لتوصيل مياه الشرب , وأخرى لصرف الفضلات، والمياه القذرة من المنازل، ويجدر بالإشارة إلى أن الأثريين قد عثروا على 1300 قدم من الأنابيب النحاسية في معبد هرم أبي صير الأسرة الخامسة "2750 – 2625 ق.م" .
وبمعرفة الإنسان طرق استخلاصه ، وغيره من الفلزات ظهرت طبقة أصحاب المناجم وصهر الخامات والنحاسين .
أما في عهد الدولة الإسلامية تم استخدام النحاس في صناعة العملات وأواني الطعام , وكذلك استخدم على مدي واسع في طلاء قاع السفن الخشبية حتى لا تتعرض للتلف , وكذلك تم استخدامه كلحام لمعدن الحديد .
وقد ثبت أن الخام الرئيسي للنحاس هو الكبريتيد المزدوج مع الحديد ،أما الخامات الأخرى الأخرى فهي كبريتيد النحاسوز، وكبريتيد النحاسيك، وأكسيد النحاسيك. ومن خامات النحاس الحجر الأخضر وهو المستعمل في الزينة.
وعند تعدين المعادن الأخرى يتم استخراج النحاس عرضاً , ويدخل في عدد من السبائك التي تستعمل على نطاق واسع والمفيدة أيضاً وتتفاوت نسبته من سبيكة إلى أخرى , فعلى سبيل المثال "البرنجات" تتكون من سبيكة نحاسية يدخل في تركيبها القصدير , ويتم استخدام سبائك النحاس والنيكل معا وذلك عندما يراد أن تكون السبيكة مقاومة للتآكل.
وبعد أن تعرفنا على تاريخ معدن النحاس وتعريفه وأيضاً خصائص معدن النحاس سوف نتعرف الآن على استخدامات معدن النحاس.
تم استخدام النحاس في صناعة الأواني والأوعية ،وصناعة العملات , وفي طلاء قاع السفن وذلك حتى لا تتعرض للتلف وتم استخدامه أيضا في صناعة المولدات الكهربائية وصناعة الآلات واستخدم بكثرة أيضاً في خطوط وكابلات الكهرباء الخارجية , وخيوط اللمبات الكهربائية , ومعدات الاتصال, وتستخدم كميات كبيرة من النحاس في صناعة الحرير الصناعي.
و يتم استخدامه أيضا في العديد من الأصباغ وفي صناعة المبيدات الحشرية ،والمواد المبيدة للفطريات ,وذلك على الرغم من أنه يمكن استخدام المواد الكيميائية العضوية الاصطناعية للوفاء بهذه الأغراض .
أما صناعة الذهب فقد بلغت مستوى رفيعا كما يدل على ذلك ما وجد في أقدم مقابر أور التي يرجع تاريخ معظمها إلى عام 4000 ق.م من أوانٍ من الذهب تنم عن ذوق راقٍ ومصقولة أجمل صقل. وفي متحف اللوفر مزهرية من الفضة ضخمة كجسم جوديا ولكنها مزينة بطائفة كبيرة من صور الحيوانات المنحوتة نحتاً جميلاً . وأجمل ما وجد من هذه القطع الفنية غمد من الذهب وخنجر مطعم باللازورد قد عثر عليها المنقبون في أور . وإذا كان لنا أن نحكم على هذه الآية الفنية من صورها الشمسية حق لنا أن نقول إن الفن يكاد يسمو فيها إلى ذروة الكمال. وقد كشف في هذه الخرائب عن عدد كبير من الأختام الأسطوانية معظمها مصنوع من المعادن الثمينة أو الأحجار الكريمة، وعليها نقوش منحوتة فيما لا يزيد على بوصة مربعة أو بوصتين. ويلوح أن السومريين كانوا يستخدمون هذه الأختام فيما نستخدم فيه نحن الإمضاءات، وكلها تشهد بما بلغته الحياة والأخلاق في تلك الأيام من رقي وتهذيب ينقض ما لدينا من فكرة ساذجة عن تقدم الإنسان المتواصل من ثقافات الأيام الخوالي المنحوسة إلى ثقافات هذه الأيام التي بلغت الحد الأقصى من الكمال!
وقد عثر في خرائب تنتمي إلى العهد السومري الأول على تمثال صغير من النحاس على شكل ثور عدى عليه الدهر ولكنه لا يزال يفيض حيوية وهمة ثورية. وفي مدينة أور عثر المنقبون على رأس بقرة مصنوع من الفضة في قبر الملكة شب- آد وهو آية فنية تشهد بما وصل إليه الفن من رقي عظيم، وإن كان الدهر قد عدا عليها حتى لم يعد في وسعنا أن نقدرها التقدير الذي هي خليقة به. وأن هذا الحكم ليؤيده ما بقي من النقوش المحفورة تأييداً لا يكاد يترك مجالاً للشد فيه كذلك تظهر خشونة الفن السومري في "لوحة الصقور" التي أقامها إينا- نوم ملك لكش، واسطوانة إبنشـــــــار المصنوعة من الرخام السماقي والصور الهزلية "وهي بلا شك هزلية" التي تمثل أور- نينا ، وبخاصة في "لوحة النصر" التي أقامها نارام- سِنْ، ولكنها مع ذلك تنم عن حيوية قوية في الرسم والنحت لا تكاد تترك مجالاً للشك في وجود فن ناشئ سائر في طريق الازدهار.
وعلى ذلك فان العصر البرونزي يوافق بصورة عامة بداية العصور التاريخية أختراع الكتاية في سومر.
أوروبا
أما النحت المدوّر (التماثيل) فكان نصيبه أقل من النحت البارز، ومنه تمثال آشورناصربال الثاني في نمرود من القرن التاسع قبل الميلاد وتمثال شلمنصر الثالث. وظهر النحت كذلك في شخوص سباع مجنحة وثيران برؤوس آدمية متوّجة وكانت تلك الشخوص تحتل موقع الحراسة على البوابات التي أحكمتها أبواب خشبية مزينة بزخارف من البرونز كما في مدينة أم غربل Balawat (في العراق). مثال ذلك ثور ذكر مجنح ذو رأس آدمي ولحية مستعارة، من قصر صرغون الثاني في خورسباد (القرن الثامن قبل الميلاد) وهو اليوم في متحف اللوفر في باريس، ومن صفاته المميزة أن له خمس قوائم تظهر أربعٌ منها إذا شوهد من الناحية الجبهية والخامسة مجاورة أنسيّاً للقائمة الأمامية تظهر إذا ما شوهد من الناحية الجانبية. وإلى جانب ذلك وجد في المواقع الآشورية تماثيل حيوانات من الجص بحجوم صغيرة وأختام أسطوانية وتمائم تثير الدهشة لما فيها من دقة في تمثيل المخلوقات الخيالية والمشاهد الأسطورية.
الحروب والفتوحات والصيد والفعاليات الاجتماعية،تشكل عنصرا مهما وكبيرا في الرسالة التي ينقلها العمل الفني (( الرسم الجداري)) شخصية الملك ولباسه وأدواته هي أكثر المفردات التي تميز عملية أبلاغ مهمة ، بالرغم من تداخل التكوينات والمفردات (( العربة، والحصان، والأسد، والقوس، والسهام ، والحركة)) هذه الأجزاء من التكوين الفني هي بالتأكيد تخلق مفهوم تشكيلي عند الفنان الرافديني حيث يبلغه بفكرة الإلوهية والملكية ، وسيادة عامل المركز ودلالات وثبة الأسد وعامل السيطرة والصيد هو وسيلة مهمة لتواصل المفاهيم والعناصر الشكلية التي بثت البلاغ الخطابي في السيطرة على هذا العامل الرمزي المهم في بابل(( الأسد)) وعند السيطرة عامل التكوين الفني يعظم شخصية الملك الآشوري وينمي نظام التحول الفكري نحو مظاهر العظمة لدى الملوك الآشوريين وحكامهم ، وهذا الموضوع يبدو لي انعكس تماما على على قصورهم الواسعة الفارهة وبالنتيجة ولد بنية فن جديدة عند الآشوريين، وهي الأسلوب الذي يوثق فعالياتهم وان كانت بسيطة ولكنها مهمة بالنسبة لهم فكانت الرسوم الجدارية، حالة ناطقة عظمت الحدث الملكي وولد عندهم طغيان غريب ولاسيما هم في أراض موحدة مثلت مشاهد (( الحروب ، الصيد ، والشؤون الملكية )) ليصبح فن الرسم الجداري عامل إبلاغ مهم يخدم إمبراطوريتهم وهنا العمل الفني يكشف صرامة الموقف والشخصية التي لاترحم الرمز البابلي هذا الانعكاس للإرادة الملكية ، ودورها في تفعيل السلطة والوقفة الراسخة للملك ، وسمات حركة الحيوانات والعربة الملكية هي بالتأكيد خاطبت المجتمع البابلي قبل الآشوري وتوجيه النظرة ورمز القوة والجبروت، والديمومة والقوة ، والخلود هو في اعتقادي يعظم الشخصية.
يؤشر الكاتب جملة من المؤشرات للعمل الفني ، عندما تؤشر السمة البطولية للملك الآشوري لابد من القول أن هناك حرص دفع الفنان في إعطاء عامل انتباه مهم إلى رموز القوة الأخرى ، الحصان ، العربة ، السيف، والسهام وغطاء الرأس ومن ثم السهام المستقرة في ثلاث مناطق مهمة من حيوان الأسد ، جمع هذه الوحدات وعامل التلاحق، هي بالتأكيد تعظم الشخصية وتنمي عامل البطولة والمحاربة القوية وتؤكد وتزيد في ترتيب وتوزيع حلقات المشهد التكويني للعمل الفني ، والمؤشر الآخر الذي يفصح عنه العمل هناك حالة نفسية مستقرة للملك وكأنه محارب من الدرجة الأولى وله الثقة في السيطرة على الموقف وهذا يؤهله في أن يكون رمزا للبقاء والحياة الذي لخصه الفنان الرسام الآشوري بهذه الكيفية الفنية العالية .
مؤسسة السلطة الآشورية ونظام الشكل والتوثيق للمشاهد الحربية ومشاهد الصيد هناك مؤشر آخر هو السمة الدرامية المميزة وتخليد الحدث الهدف منه التأثير بعظمة الآشوريين وكأن الأعلام المسبق موجود ليفرز العامل النفسي ويكون في موضع يذكر انتصاراتهم على الأعداء ، هذه الفعاليات والأنشطة وصيد الحيوانات المفترسة ودلالة التركيب ومن ثم ترتيب وحدات تصوير المشهد ، جعلت العمل أن يعلن انتصار الملك والقضاء على رمز الموت ومن ثم إبادته تماما، حتى يحافظ على ديمومة الحياة الخالدة ، الرسم الجداري موضوع المقالة ، اخذ يتصل بأفكار الديمومة والبقاء بالرغم من تكوينه الشكلي والبطولة للمشهد الملكي والصرامة والتهديف اخذ يعالج موضوعين مهمين هما:
•1. الأسلوب الرمزي الذي وثق وخلد عظمة الملك الآشوري هو الذي يحمي ويخلد الحياة .
•2. والأسلوب القصصي الذي سجل الفعالية بإيقاعية جميلة امتلكت كل عناصر العمل الفني
•3. الابتعاد عن المبالغة في الحجوم التي امتلكها فن النحت في الكثير من الاعمال الأخرى.
المؤشر الآخر هو التركيز على التفاصيل الشكلية في أزياء الملك وإعداد العربة، وصراع الأسد وجها لوجه ، قوة الهجوم وعنف الموضوع ، جعل حرص الفنان الآشوري في أن يعطي أهمية كبيرة لعامل التشريح ، تمييز حالة الغضب ، وهياج الحيوان نوع التركيز على قوة الأسد الذي مثل رمز الفناء، وابتعد عن رمز القوة ، هذا الصراع أعطى حياة متمثلة بشجاعة الملك الآشوري ، وقوة موت الأسد وتلاحق المفردات هي التي عظمت توثيق حالة الحدث ، التداخل الفني وحاشية الملك الظاهرة بالتتابع كونت سياق منظم يبدو لي أن هناك مبالغة في عامل الحرص، الذي جعل من فكرة الإيصال للمتلقي عامل سهل ومنظم أوصل الرسالة من خلال هذا المشهد في الرسم الجداري ، للملك الاشوري.
ومع نهاية العصر الحجري الحديث توصل اإلنسان القديم الى استخراج
بعض المعادن من الصخور مثل النحاس والرصاص، وكانت بداية التعدين
في حدود األلف الخامس قبل الميالد.
كما ظهرت عندهم صناعة الأواني المطبخية والأدوات المنزلية من معدن النحاس الى جانب صناعة حلى النساء من البرنز والفضة والذهب. واشتهر السومريون في صناعة نحت التماثيل لألهتهم وملوكهم من الرخام العماني الصلد.
برع العراقيون في الصناعة في كثير من الصناعات المعدنية فصنعوا الأسلحة و أدوات الزينة والتماثيل النحاسية واستخدموا الذهب والفضة في صناعة الأقراط والعقود
استخدم السومريون والبابليون الحجر إلى جانب المعادن وخاصة النحاس في صنع التماثيل التي تصور الآلهة والرجال والحيوانات كما استخدم البابليون المتأخرون طوبا من الخزف لتزيين المباني
أيضا نبغ الآشوريون في نحت أجسامالحيوانات وقد ساعدهم على ذلك مهارتهم في الصيد وركوب الخيل ومن الأشكال التي برعوافي نحتها " الثيران المجنحة " والتي كانت عبارة عن أجسام ثيران ورؤوس بشر وأجنحة الطير كذلك صوروا الأسود والفيلة وقد عثر الباحثونعلى كثير من هذه البقايا في مدينة نينوي
اما عن الفن في العصر السومري فكان في مرحلة التطور وقد اشتهروا في صناعة الفخار وتزيينه بالألوان. وكذالك صنع التماثيل التي وجد منها في حوض الخابور وتل الخوير لكنها كانت غير مهذبة الصقل بينما تلك التي وجدت في مقابر الملوك كانت ذات قيمة فنية عالية كالقيثارة المرصعة الجميلة وراية اور المطعمة بحجر اللازورد والصدف تعرض مشاهد من الحرب والسلم، كما وجدت في قصور الملوك تراتيل ونوتات موسيقية، مما يدل ان استعمال الموسيقى والإستمتاع بفنها كان لم يقتصر على جو المعابد فحسب.. لقد ضاع وفقد الى الأبد معظم الأثار الموسيقية وحتى ألات الطرب البدائية من العصر السومري القديم فلم يعثر لها في الحفريات الأستكشافية من اثر....
ما الصناعة فقد ظهرت بوادرها في المراحل الأولى من الأستقرار فقد اكتشف السومريون الدولاب الخزاف الذي ساعد على تصنيع انواع من الأواني الفخارية وقالب اللبن والطابوق. كما ظهرت عندهم صناعة الأواني المطبخية والأدوات المنزلية من معدن النحاس الى جانب صناعة حلى النساء من البرنز والفضة والذهب. واشتهر السومريون في صناعة نحت التماثيل لألهتهم وملوكهم من الرخام العماني الصلد
كان في مرحلة التطور وقد اشتهروا في صناعة الفخار وتزيينه بالألوان. وكذالك صنع التماثيل التي وجد منها في حوض الخابور وتل الخوير لكنها كانت غير مهذبة الصقل بينما تلك التي وجدت في مقابر الملوك كانت ذات قيمة فنية عالية كالقيثارة المرصعة الجميلة وراية اور المطعمة بحجر اللازورد والصدف تعرض مشاهد من الحرب والسلم، كما وجدت في قصور الملوك تراتيل ونوتات موسيقية، مما يدل ان استعمال الموسيقى والإستمتاع بفنها كان لم يقتصر على جو المعابد فحسب.. لقد ضاع وفقد الى الأبد معظم الأثار الموسيقية وحتى ألات الطرب البدائية من العصر السومري القديم فلم يعثر لها في الحفريات الأستكشافية من اثر.
وكانت الهياكل تزينها أحيانا تماثيل للآلهة وللحيوان وللأبطال من بني الإنسان. وكانت هذه التماثيل ساذجة وغير جميلة في صناعتها ، تمثل القوة والعظمة ولكن ينقصها الصقل والأناقة والدقة الفنية. ومعظم ما بقي منها يمثل الملك جوديا. وهي منحوتة من الحجر الديوريت الصلب نحتاً واضح المعارف ولكنه مع ذلك فج ساذج. وقد عثر في خرائب تنتمي إلى العهد السومري الأول على تمثال صغير من النحاس على شكل ثور عدى عليه الدهر ولكنه لا يزال يفيض حيوية وهمة ثورية. وفي مدينة أور عثر المنقبون على رأس بقرة مصنوع من الفضة في قبر الملكة شب آد وهو آية فنية تشهد بما وصل إليه الفن من رقي عظيم ، وإن كان الدهر قد عدا عليها حتى لم يعد في وسعنا أن نقدرها التقدير الذي هي خليقة به. وأن هذا الحكم ليؤيده ما بقي من النقوش المحفورة تأييداً لا يكاد يترك مجالاً للشد فيه كذلك تظهر خشونة الفن السومري في "لوحة الصقور" التي أقامها إينا- نوم ملك لكش ، وإسطوانة إبنشار المصنوعة من الرخام السماقي والصور الهزلية "وهي بلا شك هزلية" التي تمثل أور نينا، وبخاصة في "لوحة النصر" التي أقامها نارام- سِنْ ، ولكنها مع ذلك تنم عن حيوية قوية في الرسم والنحت لا تكاد تترك مجالاً للشك في وجود فن ناشئ سائر في طريق الإزدهار.
، وأول إستخدام للذهب والفضة في تقويم السلع
فقد كان السومريون يستخدمون النحاس والقصدير ، وكانوا يخلطونهما في بعض الأحيان ليصنعوا منهما البرونز ، وبلغ من أمرهم أنهم كانوا من حين إلى حين يصنعون من الحديد آلات كبيرة. ولكن المعادن مع هذا كانت نادرة الوجود قليلة الإستعمال ؛ وكانت كثرة الآلات السومرية تتخذ من الظران
يعتبر (الفخار) من أبرز المبتكرات التي لها أهميتها. وشاع استخدام المعادن وتطور النمط العمراني بتطور المباني وتطور تلوين الخزف وتطورت المعابد وتطور الفن واتسع انتشار مراكز الاستقرار الاجتماعي في وسط العراق ونموها السريع. ثم ظهر الدولاب الذي يصنع به الفخار وبدأت الحضارة العراقية تأخذ طريقها إلى خارج العراق.
عصر الانبعاث السومري الاكدي
جاءت نهاية الحكم الاكدي على يد الكوتيين (وهم اقوام نزحوا من جبال زاكروس ،يذكرهم التاريخ بأنهم كانوا برابرة قضوا على ثقافة البلاد السومرية والاكدية واعتبر حكمهم من اولى الفترات المظلمة في تاريخ العراق القديم ,فهي تتميز بندرة واضحة في الكتابات التاريخية ،وبغموض يكتنف الأوضاع السياسية ،وتوقف عجلة التقدم الحضاري لفترة قرن من الزمان في المجالات الحضارية والفكرية والفنية ، إذ بقي هؤلاء في الحكم مدة تقرب قرنا من الزمن ).لقد كانت سلطة الكوتيين متمركزة على وجه العموم في المدن الاكدية ولهذا بقيت بعض المدن السومرية في الجنوب محافظة على كيانها وكانت مدينة(0لجش )من بين المدن التي لم يلحقها الغزو الكوتي بضرر ملحوظ،وان زوال السلطة المركزية المتمثلة بالحكم الاكدي ساعد مدينة لجش على استرجاع ماضيها ،فاستطاع أمراؤها مد نفوذهم خارج دولتهم ،واشهر أمراءهذه السلالة هو (كوديا )الذي اقترن اسمه ببناء المعابد ،ويفهم من الكتابة التي وجدت على تماثيل (كوديا)انه جهدا على المعابد وصيانتها . زكانت نهاية الكوتيين على يد زعيم سومري من مدينة الوركاء اسمه (اوتو حيكال ).
النحت المجسم
يبدو من ملاحظة نماذج النحت المجسم في هذه الفترة ان هناك مدرستين للنحت المجسم قد نشئتا في البلاد ، الاولى المدرسة السومرية الحديثة في النحت المجسم وقد انجز اعمالها النحاتون في مدينة لجش والتي كان نتاجها يمت بصلات قوية الى التقاليد السومرية القديمة ، والثانية يمكن تسميتها بالسامية وتمركزت في منطقة ديالى شمال شرق بغداد وفي مدينة ماري ،ولقد تركت كل من المدرستين تاثيراتها الفنية الواضحة في الاخرى بفعل احتكاك الفنانين ببعضهم .
كانت المواضيع المستخدمة في المنحوتات السومرية سواء المجسمة او البارزة تأخذ منحى :-
1- ديني / خاص بتخليد الالهة والكهنة والطقوس الدينية.
2- دنيوي / خاص بالملك والمشاهد السياسية والقضائية.
• اما مواد العمل في النحت السومري فقد استخدم /
1- الحجر مثل( الكلس الهش , حجر البازات , الرخام, الديورايت, الستياتيت )
2- المعادن مثل (البرونز , الذهب ,الفضة , النحاس ) وكانت تصب في قوالب لتكون المنحوتات البارزة وكان النحات السومري يطعم بعض اجزاء المنحوتات بأحجار كريمة ذات الوان براقة وايضا تتميز اعماله بالتنوع وتعدد الالوان .
أ – النحت السومري المجسم /
رغب السومريون بأن يكونوا ذات صلة وثيقة بألهتهم في اماكن معابدها , فقاموا وخاصتا الوجهاء منهم بصناعة تماثيل مجسمه لهم وضعوها في المعابد بالقرب من تماثيل الالهة كنذور لمواصلة العبادة من اجل تحقيق السعادة والاطمئنان النفسي في الحياة .
*خصائص ومميزات النحت المجسم السومري /
1- تتميز التماثيل السومرية بالتشابه بشكل عام من ناحية التقنية واسلوب النحت لعدة قرون بدأ هندسيا ثم تطور نحو الواقعية.
2- عملت هذه المنحوتات داخل ورش صغيرة مجاورة للمعابد اذ يقوم النحات بنحت اعداد كبيرة من تماثيل لرجال ونساء بدون اسماء بوضعية التعبد سواء بالوقوف او الجلوس يتم شرائها من قبل المسافرون ليضعونها بجوار تمثال الالهة للتعبد.
3- تتميز التماثيل السومرية بأنها صغيرة الحجم يتراوح ارتفاعها بين (20سم – 80سم) وكانت تماثيل متعبدين لرجال ونساء .
4- تميزت الاشكال بخطوط هندسية فالاكتاف عريضة وعملت بشكل خط مسقيم والصدور ضيقة ومثلثة والايدي متلاقية بأنحناء حاء عند المرفقين امام الصدر في وضعية الصلاة السومرية , وكانت الاقدام بدون حركة جامدة .
رجل سومري يحمل صندوقا على الرأس ، نوع مت تقديم القرابين
متروبوليتان متحف الفن. كاليفورنيا. 2900 قبل الميلاد . الفترة السومرية مصنوع من سبائك النحاس
Sumerian man carrying a box, possibly for offerings Metropolitan Museum Of Art. ca. 2900 B.C. Sumerian Copper alloy
هذا التمثال السومري هو دلالة على ان السومريون كان لهم باع طويل في علم الأبعاد فالصندوق الذي على رأسه هو ليس صندوق بالمعنى المألوف لذلك نلاحظ ان يدي التمثال لا تحمله لكنه داخل مركبة مضادة للجاذبية وهذا من خلال ما نلاحظة بالبساط الموجود تحت قدميه فهم استخدموا هذه التقنية للانتقال وحمل الاثقال وهي احد الوسائل التي استخدمت في بناء ورفع احجار الجيزة في مصر باستخدام الموجات الفوق الصوتية المضادة للجاذبية وحاليا توجد هذه التقنية والاجهزة في اليابان وعلى نفس نطاق هذا التمثال والاجهزة تحمل احمال كبيرة جدا باستخدام هذه الموجات
بورتريه براك Brak من روائع الفن العراقي
أقبلَ أفراد المجتمع السومري، على نَحت تماثيل تُمثل شخصياتهم، لتوثق صورهم في مكان أسطوري لا تَحدّه حدود الزمان والمكان الفيزيائية. إنه صيرورة (وجود) تماثيلهم بهيئة التَعبّد في محراب الإله Cella الى الأبد. فالتمثال بالنسبة لهم كان مثابة أداة سحرية، لمعالجة قلقهم السايكولوجي، من خطر مُهدد عنوانه (الفناء). وذلك نوع من الصراع الوجودي الأول بين الذات وعوالمها المغيبة.
فالتمثال السومري في خطابه الفكري المُعلن، مكوّن من جسم مادي (جزء خاص)، ومن مغزى دلالي متحف فيه هو المضمون الروحي الاجتماعي. فهو ليس مادة جامدة بحد ذاته، بل فعل سحري، يحيا ويُؤثر بفعل وجوده في (قدس أقداس) المعبد، إنه شكل طقوسي ذو قدرة عليا مُحرر من طبيعته المادية، بوصفه رمزاً توحّدَ مع القوى (الماورائية). فهو بذلك بمثابة (البديل) الذي يتجلّى فيه الفرد في حالة من الرَجاء الدائم.
قدّمَ مستوطن (تل براك) وهو أحد المدن السومرية الواقعة بالقرب من (آلبو كمال) على الحدود العراقية ــ السورية، تمثالاً يعود تأريخه الى (3200 ق.م) منحوت على وفق الأسلوب التعبيري، وبذلك فأنه يُؤشر تنوعاً في حركة الأسلوب الذي يميز سمات منظومة التماثيل السومرية من هذه الحقبة العتيقة في تاريخ الحضارة السومرية.
تنطلق مقولة تمثال (تل براك) من فكرة مَفادها، إن على الفن عدم التَقُيد بتمثيل الانطباعات المرئية، بل عليه أن يُعبّر عن الأحاسيس العاطفية والقيم الروحية. ففكرته تقوم على إعادة بناء العالم في حالته السرية الداخلية، فلم تَعد لطبيعة الأشياء من دلالة، إلا بقدر تحولاتها لتعكس حالاً إنسانياً سعيداً.
فبفعل هيمنة الذاتي على الموضوعي، ظهر (بورتريه) المُتعبد بمثل تلك الاستطالة وسعة العينين وامتداد الأنف الطويل وشكل الرقبة الأسطواني. فالصورة الفنية في هذا التمثال التعبيري العظيم، ليست تمثيلاً للواقع الخارجي فقط، وإنما هي إفراغ لما في ذات الفنان من طاقة عاطفية، متولدة عن إنصهار الوجود في مخيلتهِ، كما لو كان شيئاً من ذاته. فقد امتصت ذهنية الفنان فكرة الموضوع، وأعادت إخراجها على وفق نظام الشكل التعبيري، الذي يُشكّل تولّداً لذات النحات الكاشفة المؤولة. وكأننا أمام شكل من أشكال الفنان (مودلياني)، أو (بورتريه) من إبداعات النحت الحديث.
ومما لاشك فيه، أن الحُمّى (الميتافيزيقية) التي اجتازت حِراك الفكر الاجتماعي، قد تكشّفت في مُخيلة الفنان، لأبداع شكل يُخبّئ تحت قشرته الخاصية الروحية للفكر، وأن يُؤسس في بؤرته بنية علاقة بين الروحي والبشري، وهي السمة المهمة التي تُميز مِثلَ هذا الشكل الرمزي. إذ إن مِثل هذه الرؤية السحرية الأسطورية، قد عاملت (المفاهيم) على أنها كائنات، أي تحوّلَ المفهوم في منطقها الى كائن. وهذه (اللعُبة) أحالت التمثال الى (أداة) تُحقق إمكانية التعامل مع القوى الماورائية، أي توجيهاً للحَدث وتملكاً للشيء وخَلقاً اجتماعياً للإنسان.
وفي منعطف آخر، فأن شخصية مشهدنا الدرامي مُفرّغة تماماً وجودها المادي، ومرحّلة بفعل ضغوط البنية الفكرية العميقة، الى منطقة متخيلة تتوسط الشعور واللاشعور. نوع من (الصوفية) عصَفت بالمُتعبد ليجتاز حالة البشري وصولاً الى تعالي الأبدية. ذلك أن (ميتافيزيقيا) الفكر قد بَثت الرغبة في الذات، لأن تدخل سِر الحياة، وأن تتعقب دروب الطاقة الخلاقة في الوجود. فكل شيء يعمل استناداً إلى ظاهرة الاستعطاف، فهذه القوى (التماثيل والأرواح) مؤثرة في بعضها البعض، من خلال (رِباط) سري ولدّتهُ الشعيرة أو الطقس التَعبدي.
د. زهير صاحب
تماثيل اميرات البلاط الأكدي (من روائع الفن العراقي)
(2371-2230) ق.م
تعد تماثيل (اليورتريهات) النسوية، من أهم روائع النحت الأكدي في عصر الملكين (ريموش ومانشتوسو) إذ يحتفظ متحف الجامعة في فيلادفيا في امريكا، ومتحف الدولة في برلين، والمتحف البريطاني في لندن. بثلاثة (رؤوس) لنساء يتراوح ارتفاعُها بين 7 ــ 9 سم، ونحتت إثنين منهما من خامة الرخام الأبيض، أما الآخر فقد نحت من حجر الديورايت الاسود اللون. وقد اكتشف أثنين منهما في أور في الناصرية، اما الثالث فقد اكتشف في آشور (قلعة الشرقاط).
ويبدو أن هذه الرؤوس الجميلة، كانت اجزاء من تماثيل كاملة، وقد لقيت مثل هذا التدمير العنيف بسبب أهمية الشخصيات التي تمثلها. فلم ينحت السومريون والأكديون، تمثالا لشخصية بدلالة الرأس فقط، بل كانت النزعة (المثالية) بوصفها العامل الفكري المهيمن في نحت هذه المنظومة من التماثيل، التي تمتلك وظائف طقوسية، تفرض ان يُنحت التمثال كاملا، لان أي إقتطاع او إجتزاء من كُلية الصورة، سوف يؤثر وربما يغير دلالتها، فهذه التماثيل بوصفها (دوال)، فأنها تُشفّر عن (مدلولاتها) من خلال بنيتها الكلية، إذ تعلن حركات أجزاء الجسم، وهيمنة بعضها على الآخر، عن دلالاتها في حركة الفكر الاجتماعي.
ولا يمكننا في الوقت الحاضر تحديد هوية هذه الشخصيات، هل إنها بشر إعتيادي؟ أم كاهنات من ذوات المنزلة الرفيعة؟ أم زوجات لملوك؟ فقد تجيب الوجوه عن أي من هذه التساؤلات، نظراً لقوتها التعبيرية الخارقة. وبشكل عام فأننا نرجح ان يكون لهذه (البورتريهات) الجميلة أهمية دينية، بدلالة اكتشاف نماذجها في المعابد، إذ يتعاظم الفكر التأملي للمكان في بنية هذه المنظومة من التماثيل، ليضم المناطق التي لا تدركها التجارب الحسية المباشرة كالسماوات او العالم السفلي. ففي مثل هذه الفضاءات الأسطورية، تلعب الامكنة دوراً مهماً، بمقدار العلاقة التي تعقدها مع المتخيل او لنقل مع اللاواقع.
وابدع النحات الأكدي في تقنية نحت الوجوه، وجمال تشكيلها، وتمييز اجزائها بانسجام دقيق، فملامحها لها قوة تعبيرية كبيرة، فلكل منها شفتان رفيعتان متموجتان تكادان أن تنطقا، وحنك صغير مع طية رقيقة على الوجنتين أمتدت الى الأنف وزادت من جمالهِ. ورغم كون كل من (البورتريهات) يشكل مفردة من مفردات العالم المرئي، إلا إنه (مُعّدل) عن صفتهِ الواقعية، إذ إن دخوله (نسق) الفن.. قد جعل منه رمزاً، فالشخصيات (مفرغة) تماماً من وجودها المادي كأيقونة معاشة، ومرحّلة بفعل ضغوط البنية العميقة للطقس الديني، الى منطقة تتوسط الشعور واللاشعور، وفي ذلك نوع من الصوفية عصفت بالنسوة، ليجتزن حالة الانسان.. وصولاً الى حضور الأبدية.
فهذه المنظومة الشكلية من رؤوس النسوة، رغم إقتصاديتها اللغوية، فأنها (تُخبّيء) قدرة تكاثرية في ماهية خطاباتها، يمكنها الظهور في المستويين الدلالي والشكلي. ولعل ذلك يفسر تحول دلالاتها الى (ملحمة) في داخلية كل (مواطنة) أكدية. فحقيقتها أكثر تعقيداً وغرابةً مما هي عليه في الواقع.
د. زهير صاحب
تمثال باسطكي
في عَقد السبعينات من القرن العشرين، حَصلَت هيئة الآثار العراقية من منطقة (باسطكي) في قضاء زاخو شمال العراق، على تمثال برونزي أكدي فَريد من نوعه، في أسلوب نحته ودلالته الرمزية. يتألف من قاعدة برونزية دائرية الشكل قطرها 71.5سم، استقر عليها شكل رجل، وقد شَكّلَ رجليه بوضعية صعبة لم يَظهر مثيلها إلا في حركات ألعاب الجمناستك. وأمامه قاعدة مجوفة أسطوانية الشكل أُعدّت لتثبيت شيء ما، فيما أُستغل الجزء المتبقي من القاعدة الدائرية المستوية السطح، لتسطير نص كتابي مسماري له شكل مستطيل مُنتظم. وللأسف الشديد فُقِدَ الجزء العلوي من جسم الرجل، وشأنه في ذلك شأن الروائع الأكدية، التي لم يعاملها الأعداء بشيء من اللُطف.
في جريمة (نَهب) المتحف العراقي التي حَدثت في العام 2003، حاول (اللصوص) سرقة ذلك التمثال فصعدوا به من قاعدة العَرض، الى شباك مفتوح يُؤدي الى الخارج. ولحسن الحظ فأن حجم التمثال كان أكبر من فتحة الشباك، لذلك تركوه في مكانه، ليعود مرة أخرى الى مكانه في القاعة الأكدية بالمتحف العراقي، بوصفه واحداً من الروائع الأكدية المُتفردة.
يُقدّم تمثال (باسطكي) خطابه الإبداعي في مرتكزين، أحدهما يكمن في جماليات تقنية النحت وآليات الإظهار الشكلية، والآخر يخص دلالته الفكرية. فشاعرية خطوطه فيها شيء من (روعة) الخط وحريته عند الفنان (بيكاسو)، ودراسة تفاصيل أصابع القدمين، وشكل الساقين والفخذين الرشيق، يُلمح إلى (طراوة) و(صلابة) الأشكال النحتية في أعمال النحات (كانوفا). وهندسة التكوين المتمثلة في تضايف النص المكتوب مع الشكل البشري، على المساحة المعدنية الصغيرة المُعدّة للتنفيذ، فَفيهِ الكثير من تقليلية (جاكومتي) في أنظمة تكوين منحوتاته وعلى الأخص في منجزه (رجل المدينة). أما نعومة وشفافية المشهد المُتبقي من التمثال، فلا يضاهيها جمالاً، إلا خطاب الجسد في ساقي الإلهة (أثينا) على واجهة معبد البارثنون في أثينا من إبداع النحات الإغريقي (فيدياس).
وبصدد دلالة التمثال، فقد تمكن المرحوم د. فوزي رشيد، من إعادة إكمال التمثال في ضوء ما ظهر من مشاهد مشابهة على سطوح الأختام الأسطوانية الأكدية. كما قدّم قراءة للنص المكتوب على قاعدة التمثال مفادها: "نرام ــ سن، الملك القوي، ملك أكد، عندما تحالفت ضده جهات العالم الأربع سوية، بواسطة محبته مع الإلهة عشتار التي تُحبهُ، استطاع أن ينتصر في تسع معارك بسنة واحدة، وكبّلَ ملوك منطقة شجر الصنوبر".
ذلك يَعني أن الفكر الأكدي اختزل مفهوم الانتصار وأحاَّلهُ الى شكل بطل أسطوري، كان يُثّبت رايات الجيش الأكدي، في الأماكن الجغرافية المختلفة والواسعة التي وصلتها الماكنة الحربية الأكدية. فالفكر هنا، قد فعّلَ خاصية التحول من الإشارات المُحددة الدلالات، إلى الرموز المنفتحة التأويل والمُتعددة المدلولات والحرة الحركة في الفكر الحضاري. وبذلك حقق الفكر نقلته النوعية من التعامل مع المادي الملموس الى صورته الذهنية، ومن استخدام الأشياء إلى استخدام رموزها. فأتاح للإنسان فرصة التعامل مع المفاهيم الدالة على وِفرة من المدلولات.
إن شكل البطل الأكدي الرمزي، الذي يَروي حيوان الجاموس تارة، ويُصارع الأسود تارة أخرى، في مشاهد الأختام الأسطوانية الأكدية، ويُعلن عن انتصارات الجيوش الأكدية. هو شكل (هرقلي) بشعر أشعث طويل، مُؤطر بثلاثة حلزونات على جانبي الوجه، ولحية مُسترسلة عَريضة، ويتمنطق بحزام ذو أربعة (غضون) مع نهاية منسابة إلى الأسفل. يَعود بجذره التاريخي الى فكرة البطل (ﮔـلـﮕـامش) في الحضارة السومرية السابقة، إذ سَعى الفكر الأكدي كذلك في تَمثّل شكل بَطلهِ، الى تَحطيم خاصية المشابهة والتشخيص مع قالب الجسم البشري، بقصدية باحثة عن تفعيل نظام العلاقة الرمزية بين الشكل ومضمونه. وذلك بالانتقال بالشكل من صورته العَرضية إلى نظامه الأسطوري الذي يبغي الأعمام واللامحدود في تعبيره الرمزي، بأنفتاح النص على تغييب محدودية الزمان والمكان نحو المُتخيل. وفي ذلك نوع من التسامي فوق مستوى الواقع، لكشف المضامين المتخفية في قاع المفاهيم المتحركة في الفكر الحضاري الأكدي.
د. زهير صاحب
تمثال باسطكي
في عَقد السبعينات من القرن العشرين، حَصلَت هيئة الآثار العراقية من منطقة (باسطكي) في قضاء زاخو شمال العراق، على تمثال برونزي أكدي فَريد من نوعه، في أسلوب نحته ودلالته الرمزية. يتألف من قاعدة برونزية دائرية الشكل قطرها 71.5سم، استقر عليها شكل رجل، وقد شَكّلَ رجليه بوضعية صعبة لم يَظهر مثيلها إلا في حركات ألعاب الجمناستك. وأمامه قاعدة مجوفة أسطوانية الشكل أُعدّت لتثبيت شيء ما، فيما أُستغل الجزء المتبقي من القاعدة الدائرية المستوية السطح، لتسطير نص كتابي مسماري له شكل مستطيل مُنتظم. وللأسف الشديد فُقِدَ الجزء العلوي من جسم الرجل، وشأنه في ذلك شأن الروائع الأكدية، التي لم يعاملها الأعداء بشيء من اللُطف.
في جريمة (نَهب) المتحف العراقي التي حَدثت في العام 2003، حاول (اللصوص) سرقة ذلك التمثال فصعدوا به من قاعدة العَرض، الى شباك مفتوح يُؤدي الى الخارج. ولحسن الحظ فأن حجم التمثال كان أكبر من فتحة الشباك، لذلك تركوه في مكانه، ليعود مرة أخرى الى مكانه في القاعة الأكدية بالمتحف العراقي، بوصفه واحداً من الروائع الأكدية المُتفردة.
يُقدّم تمثال (باسطكي) خطابه الإبداعي في مرتكزين، أحدهما يكمن في جماليات تقنية النحت وآليات الإظهار الشكلية، والآخر يخص دلالته الفكرية. فشاعرية خطوطه فيها شيء من (روعة) الخط وحريته عند الفنان (بيكاسو)، ودراسة تفاصيل أصابع القدمين، وشكل الساقين والفخذين الرشيق، يُلمح إلى (طراوة) و(صلابة) الأشكال النحتية في أعمال النحات (كانوفا). وهندسة التكوين المتمثلة في تضايف النص المكتوب مع الشكل البشري، على المساحة المعدنية الصغيرة المُعدّة للتنفيذ، فَفيهِ الكثير من تقليلية (جاكومتي) في أنظمة تكوين منحوتاته وعلى الأخص في منجزه (رجل المدينة). أما نعومة وشفافية المشهد المُتبقي من التمثال، فلا يضاهيها جمالاً، إلا خطاب الجسد في ساقي الإلهة (أثينا) على واجهة معبد البارثنون في أثينا من إبداع النحات الإغريقي (فيدياس).
وبصدد دلالة التمثال، فقد تمكن المرحوم د. فوزي رشيد، من إعادة إكمال التمثال في ضوء ما ظهر من مشاهد مشابهة على سطوح الأختام الأسطوانية الأكدية. كما قدّم قراءة للنص المكتوب على قاعدة التمثال مفادها: "نرام ــ سن، الملك القوي، ملك أكد، عندما تحالفت ضده جهات العالم الأربع سوية، بواسطة محبته مع الإلهة عشتار التي تُحبهُ، استطاع أن ينتصر في تسع معارك بسنة واحدة، وكبّلَ ملوك منطقة شجر الصنوبر".
ذلك يَعني أن الفكر الأكدي اختزل مفهوم الانتصار وأحاَّلهُ الى شكل بطل أسطوري، كان يُثّبت رايات الجيش الأكدي، في الأماكن الجغرافية المختلفة والواسعة التي وصلتها الماكنة الحربية الأكدية. فالفكر هنا، قد فعّلَ خاصية التحول من الإشارات المُحددة الدلالات، إلى الرموز المنفتحة التأويل والمُتعددة المدلولات والحرة الحركة في الفكر الحضاري. وبذلك حقق الفكر نقلته النوعية من التعامل مع المادي الملموس الى صورته الذهنية، ومن استخدام الأشياء إلى استخدام رموزها. فأتاح للإنسان فرصة التعامل مع المفاهيم الدالة على وِفرة من المدلولات.
إن شكل البطل الأكدي الرمزي، الذي يَروي حيوان الجاموس تارة، ويُصارع الأسود تارة أخرى، في مشاهد الأختام الأسطوانية الأكدية، ويُعلن عن انتصارات الجيوش الأكدية. هو شكل (هرقلي) بشعر أشعث طويل، مُؤطر بثلاثة حلزونات على جانبي الوجه، ولحية مُسترسلة عَريضة، ويتمنطق بحزام ذو أربعة (غضون) مع نهاية منسابة إلى الأسفل. يَعود بجذره التاريخي الى فكرة البطل (ﮔـلـﮕـامش) في الحضارة السومرية السابقة، إذ سَعى الفكر الأكدي كذلك في تَمثّل شكل بَطلهِ، الى تَحطيم خاصية المشابهة والتشخيص مع قالب الجسم البشري، بقصدية باحثة عن تفعيل نظام العلاقة الرمزية بين الشكل ومضمونه. وذلك بالانتقال بالشكل من صورته العَرضية إلى نظامه الأسطوري الذي يبغي الأعمام واللامحدود في تعبيره الرمزي، بأنفتاح النص على تغييب محدودية الزمان والمكان نحو المُتخيل. وفي ذلك نوع من التسامي فوق مستوى الواقع، لكشف المضامين المتخفية في قاع المفاهيم المتحركة في الفكر الحضاري الأكدي.
د. زهير صاحب