" نشقى لأن القصائد أبقى"

عدنان الصايغ

يعتني نص " نشيد أوروك " للشاعر العراقي عدنان الصايغ بالهوامش عناية لافتة ، وهي عناية نادرا ما تتسنى لنص، وقد امتدت الهوامش التي تربو على 1500 هامش على طول مسافة شغلت ثمن الكتاب من ص 199الى 232 وعنونها عدنان الصايغ ب" إضاءات " .

إن هذه الاضاءات يمكن اعتبارها هوامش مضمونية لارتباطها بفهم النص وتنوير معتمه وتبيين مستغلقة.غير انه ينبغي الإشارة إلى أنماط إحالية أخرى هي أساسا هوامش بنائية مثل :

1-الهامش التاريخي الزمني والمكاني

" 1984-1999

وما بينهما من أيام سود

السليمانية( إسطبل في قرية شيخ أوصال

معسكر 575، شيراتون البصرة، سجن الموقع في كركوك، الكوفة، بغداد، القاهرة، عمان، صنعاء،عدن ، الخرطوم، دمشق ، بيروت "(3)

2- الهامش السيري

" ولد في مدينة الكوفة في العراق عام 1955

صدر له:

انتظريني تحت نصب الحرية- 1984 بغداد.

أغنيات على جسر الكوفة 1986 بغداد.

العصافير لا تحب الرصاص 1986 بغداد.

سماء في خوذة ط 1 1988 بغداد- ط2 1996 القاهرة.

مرايا لشعرها الطويل 1992 بغداد.

غيمة الصمغ 1993 بغداد ط 2 1994 دمشق.

تحت سماء غريبة 1994 لندن." (4)

1- هامش المقتبسة النيرودية :

" لاشيء ولا حتى الانتصار

سيردم الفراغ الفظيع الذي خلفه الدم

لاشيء ولا حتى البحر ولا خطوات

الرمل والزمان

والنبات المحترق

فوق اللحد "(5)

4- هامش السلطة الباثة وجنس الكتاب:

في الصفحة الوهمية للغلاف نقرأ:

اسم الكاتب : باعتباره مؤلفا للعمل غير أن هذا الاسم يتكرر في الإشارة الاجناسية:

" عدنان الصايغ

نشيد أوروك

أو هذيانات داخل جمجمة زرقاء لا

علاقة لعدنان الصايغ بها..

قصيدة طويلة"

5- الهامش الغيري أو هامش الناشر تمييزا عن هامش الكاتب:

" نشيد أوروك اختصار لكل ما مر على هذه الأرض من حروب وحضارات وطغاة.يمتزج فيه التاريخ والأساطير والفلسفات والسحر والسير والتراث الفكري الإنساني والعقائد والجنس والأشخاص والأحداث ليشكل هذيانا مسعورا اقرب إلى صرخة احتجاج أمام ما يحدث..

ويرسم بعبود صورتنا جميعا، صورة الإنسان العربي المكدود والمحدود بين اللقمة والطلقة.فكان هدا النشيد أطول قصيدة كتبت في تاريخ الشعر العربي على الإطلاق، وقد أحجمت عن نشره حتى الآن العديد من دور النشر في عدة عواصم عربية لجرأته وسبب الكثير من المتاعب لمؤلفة فتنقل من بلد إلى بلد وطاردته الأنظمة والأحزاب والأصوليون والسلفيون..نعتز اليوم بتقديمه للقراء"(6)

مرجعيات الهوامش

الى جانب هذه الهوامش - التي صنفناها باعتبار ارتباطها بسيرة المبدع أومكان وزمان إقامة المبدع و تنقله أوخطاب الناشر واعتبرناها هوامش بنائية- فإن الهوامش المضمونية ترتبط بمرجعيات يمكن أن نقدم أمثلة لنوعها من خلال صنافة اختزالية لأنماط منها:

I- الفكر والابداع العربي قديمه وحديثة :

I-1-1-الفكر الصوفي

الحلاج" ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم

I-1-2-الإبداع الصوفي :

-ابن الفارض" أخفيت حبكم فأخفاني أسى...

I-2-1-ابن الرومي " صيد حرمناه على إغراقنا.

I-2-2 - المتنبي : تجري الرياح

II-الفكر والإبداع غير العربيين قديمهما وحديثهما

1- 1-الشعر الفرنسي

-بول فاليري"...ما الأسد إلا بعض خراف مهضومة "

1-2- الشعر البولوني

الشاعرة فيسلافا زيمبور سكا "بعني روحك فليس من مشتر محتمل آخر غيري ".

1-3-الشعر الفارسي :

-الشاعر نظامي " فكما أن الشعر على صلة بكل علم فكل علم على صلة كذلك بالشعر.

1-4- الشعر الزنجي:

- وول سوينكا " سنأكل التراب عاجلا أم آجلا".

1-5- الشعر اليوناني

الشاعر بالماس"هاهي روح البنت تتلالا في قلب النرجسة".

III -1-1 -السرد الروسي

- تولستوي" كم من سعادة أجدها في نفسي وفي هذه الشمس"

III-1-2- السرد اللاتيني

خورخي لويس بورخيس"الحياة وحدها هي الحقيقة/ الفضاء والزمان شكلان لها"

III-1-3-السرد الفرنسي:

مارسيل بروست" إنما الحياة الحقيقية هي الأدب"

ولا يمكن أن تتخيل كتابا إلا تجد هامشا منه في تشيد أوروك من روايات "الطاهر وطار" إلى دوواين الشعراء " أبي فراس الحمداني" و"ابن الفارض" إلى مسرحيات " شكسبير" وخطب "الحجاج" والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان لتوحيدي إلى كتب الحلم والتاريخ " ناظم حكمت" و " أبو الفرج الاصفهاني" و "بابلو نيرودا" إلى كتب المعتقدات والأساطير والخرافات والفقه ونصوص الأخبار عند " الشيرازي" و" السيوطي" و" النفزاوي" و"التيجاني" و"الالوسي" وكتب الديانات والميثولوجيات و"المسعودي" و"ابن الأثير" وكتب الحيوان والملاحم...الخ إلى درجة يكفي الكتاب وحده أن يكون مستقلا - وهو الحاشية التي يمكنها أن تدرج ضمن المتعاليات النصية في إطار النصوص اللاحقة.

إن كثيرا من الهوامش التي اشرنا إليها تصنيفا يمكن أن تدرج في إطار ما يعرف بالعتبات في الأدبيات النقدية ، غير أننا وجدنا في تآلفها وتكاملها ما جعلنا نعتبرها كلها هوامش ويتجلى تكاملها في كون الهامش السيري اشد إيحاء مادام يشير إذا ما ربطناه بالهامس التاريخي الزماني إلى أن جميع الأعمال كتبت بالموازاة مع متن الدراسة نشيد أوروك ويكمنها كلها أن تكون نصوصا نواة للنشيد إما ب:

إحالاتها المكانية: أغنيات على جسر الكوفة

إحالاتها المضمونية:/ العصافير لاتحب الرصاص.

إحالاتها الحدثية:غيمة الصمغ

إحالاتها الزمانية: تحت سماء غريبة ( اللندنية) بعد سماء في خوذة ( البغدادية).

وهي الإحالات والامتدادات التي يمكن ربطها بالإحالة أو الهامش الخاص بالناشر" وسبب الكثير من المتاعب لمؤلفه فتنقل من بلد إلى آخر وطاردته الأنظمة والأحزاب والأصوليون والسلفيون".

ينبغي أن نشير إلى هامش أخير يتموقع في الصفحة الرابعة للغلاف وهو هامش يعتبر بمثابة شهادات نصية عن العمل وعن صاحب العمل موقع من مجموعة من المؤلفين والكتاب والجامعيين، غير انه لابد من تسجيل ملاحظة مفادها إجماعهم جميعا على اعتبار أن ما ينتجه عدنان الصايغ شعرا، وهنا ننبه إلى أن " نشيد أوروك " رغم كل الأشكال الاقناعية التي قد يمارسها المؤلف أو الناقد أوالدارس أو محيط الكاتب أو النصوص الموازية المعلنة في ما هو خارج نصي ، فإننا لا نتوانى في اعتبار " نشيد أوروك" محققا لأكثر من شكل إبداعي:هو القصيد بالنسبة إلى صاحبه وغير قليل من النقاد لكننا نعتبره عملا سرديا متكاملا .انه رواية مؤسسة على جمل شعرية بليغة ، علما أن السردية ليست حكرا على جنس دون آخر كما اشرنا سابقا في هذا الكتاب.

إن اعتبارنا العمل " رواية "مقابل اعتبار صاحبه وآخرين عملا شعريا يمكن أن يتم التوليف بينهما( الاعتباران) للخروج إلى اعتبار " نشيد أوروك" ملحمة.كيف لا وهي المحققة للسردية والشعرية في آن ، وهي أطول قصيدة عرفها الشعر العربي ...وقد نجد ملامح الملحمية ظاهرة في هذا المقطع المؤسس على نفس عقدي خاص :" الصدى يتردد: تيفيس مات ولا من دليل يقود السفينة في البحر عائمة بضلالها لترى ظله المتسلل عبر المباني يقطر في جفن تيتانيا حلمه فتفز من النوم ولهى تفتش عن رمح فارسها يتبختر بين الأمازونيات غابا من الشهوات الذبيحة لكنها أبصرت ظله يتحجر في عين ميدوزا تندب لحظة مرآته تتكسر قبل انعكاس النهار على دم نرسيس في الماء لا يتلاشى ولا يتحاشى المرور بأصداء أكو تتيه بموكبها المتماوج قانطة في تطابق صورتها فوق بركته.صوته شبه زلاجة وثلوج ليليث تزحلق ذاكرة رثة غسلتها مياه الليثه فجف على حلقها دبق الاه قبل الوصول الى عربات ديونيس يسقط مثل اللفافة من فم سكيرة تشتهي رجلا بالمايونيز تغرز شوكتها في اليتيه فينعظ نبلد خلف لذاذاتها بالمساطر نكسرها ونفر إلى الثورة الاشتراكية في مطعم الفول حيث المعلم يقلي لينين ويأكله..." (7)

إن هذه الهوامش يمكنها أن تتحول إلى نص مقلص والنص الأصل يؤول إلى نص ممدد ، بل يمكن اعتبار الثاني مفسرا بالأول وهو ما يمكن أن يكون علاقة نصية يمكن للمتعاليات النصية أن تطعم بها غير قليل من نظريها.

وسعيا الى ربط هذه الهوامش البنائية او المضمونية بالمتن فانه يمكننا أن نعتبر النص الآتي :

" في المحافل

أو في المزابل

في الأغاني التي كرزتها الإذاعات

في حجر القحط يجرش ضحك السنابل

في دروب الصحافة ، في اللادروب الغروب الذي سال

أو مال

من قال إن القصيدة لا تنتهي في جيوب المقاول" (8)نصا ممددا للإحالة البروستية رغم أن الأمر ليس كذلك في صحيفة الكتاب كما نعتبر ما يليه مثلا :" خسرنا البلاد

خسرنا الأغاني

ورحنا نجوب المنافي البعيدة

نستجدي العابرين

ولي في الرصافة نخل وأهل" (9) نصا ممددا لاحالة سوينكا . وتطرد الأسئلة عن المقاول من يكون وهل يصح أن ننتظر وضوءا بدم لنصلي ركعتين في العشق مثلا أم نخلق الأسد بتحولنا إلى خراف مهضومة تبيع روحها للمحتمل من المشترين والمقاولين الذين لن يعدموا جوابا معاكسا للسائل عن تعريفات وتحديدات لم توجد لها هوامش بعد ،وأهم هذه المبهمات ما يسمى " وطنا":

" آه يا وطني

أكل بلاد تسوق أبناءها للحروب العقيمة تدعى وطن

أكل مجنزرة حرثت حقل أحلامنا في السواتر تدعى وطن

أكل فتاة نسيت طفولاتنا في ضفائرها

نسيت قلبها في سرير المقاول تدعى وطن

أكل جدار نزفنا عليه الشعارات يسبقنا في الهتافات نحو البنوك ونسبقه في المجاعات نحو المخافر...يدعى وطن

أكل شميم عرار زرعناه في أول العمر

ثم اختفى في بطون المرابين يدعى وطن

أكل شهيد بنى الأثرياء على جرحه شققا ومصارف..يدعى وطن" (10)

وعموما ، فإن هذه الهوامش التي تتميز بكونها يمكن أن تعرف شكليا ، كما يمكن أن تعرف وظيفيا، هي هوامش لها تحديداتها ولحظة إعلانها ومكانه وحدودها اللغوية وشكل خطابي مرتبط بباث ومتلق ولا ينبغي أبدا أن نهون من شانها وان نحذر منها بالانتباه إليها والانتباه منها لأنها في حالة " عدنان الصايغ " تعتبر مكونا بنائيا من مكونات القصيدة/ الرواية ، تماما مثل بقية المكونات الشكلية والمضمونية التي تشكل مجتمعة النص متن التحليل.