الشاعر: شفيق حبيب
بعد أنقطاع يبدو أنه طال كثيرا، يطل علينا الشاعر شفيق حبيب بديوان جديد يحمل عنوان "شآبيب" والتي يفسرها "المنجد" بأنها ( أول ما يظهر من الحسن) ولعله ليس الدهن في العتاقي فقط ،انما حسن النظم أيضا ، فنحن نعتقد أن "الحسن الأدبي" ظهر في شعر شفيق قبل أن يرسو على شاطئ السبعين. ةوليوم يضيف لحسنه حسنا. يقول عن سبعينيته:
على شاطئ السبعين حطت مراكبي
وناءت بأعباء الزوايا مناكبي
ولكنه يعلن هويته بصوت مجلجل:
أحب فلسطين وأهلي وأرضها
إذا مسهم ضر تنادت كتائبي
نعرف أن الشاعر كلماته ، وما أشد بأس الكلمة حين تصدر من عمق الانسان . شفيق حبيب مثل سائر شعراء فلسطين ، لا يستطيع العيش بدون موقف ، وبدون الخوض في الصراع السياسي ، أي كان نوعه. فها هو لا يوفر نقده من الواقع المعيب، يقول:
وأصبح لي عَرْشان ِ يا عار عارنـا
وخير بني أمي طعام النواعِب
وكيف لا يغضب وهو القائل في نفس القصيدة:
أنا شاعـر تغـذوهُ آمالُ أمة ٍ
وآلامُها، والحرفُ ثـرُّ المواهـب
وأكاد أقول أنها أكثر من قصيدة، هي بيان إنساني لشاعر فلسطيني، يرى ما يؤلم، ولكنه متفائل بحزن وألم.
للشاعر شفيق حبيب 15 ديواناً شعرياً مع "شآبيب" وضعته على خارطة الأدب الفلسطيني، صوتاً جهوراً واضحاً، تتميز قصائده بالوضوح والتكثيف، ويبدو لي أيضا أن جيل السبعين هو محطة للتفكير بالطريق الصعبة الذي قطعناها. فها هو يثبت رؤيته الأساسية على الغلاف الأخير:
لعن الله السياسة..
وثعابين السياسة...
ولعن الله أساطين السياسة
وجههم ينضح لؤما وخساسة
ملأوا الدينا شعارات
صراخا.. وحماسة
حقاً كلام مباشر، أشبه ببيان سياسي ولكنها خيرة تجربة العقود السبعة. هنا قد نختلف في التقييم ، ولكننا لا نختلف ان ما تبقى لا يرقى للمستوى الذي نستحقه.
الصوت الوطني لشفيق حبيب يكاد يجلجل حتى حين يكتب غزلاً:
أحْزانُ عَـينَيكِ أَمْ أحزان أوطاني
تنهَل بُركان وَجْدٍ فوقَ بُركان ِ
(من قصيدة أحزان وأحزان)
وفي قصيدته التي تشع بالسخرية المرة : "أصبحت لي دولتان" يعلنها بألم سوداوي ساخر:
إسـمعي أيتها الدنيا !!
أهازيج البيان ...
أصبحت لي دولتان ..
دولة :
تأكل رمل البحرِ
تحيا في تلافيف الرِّهـان
غاب عنها الماء .. والنور..
وأفراح المكان.
ودولة أخرى
تجيد القفز من حِضْن لحِضْنِ
فوق كفـَّي بهلوان
القصيدة تكاد تكون رثاء لحلم على شفا الضياع لعل الضمير يستيقظ:
هاكمو أموال قارون
وأعطونا تراب القـدسِ تِبرا
وسلاما ً .. وأمان ْ..
يا سواقينا ! ارجعي نهرا ً
وقلبا واحداً ..
روحا ... دِماء .. ولِسان ...
هذه لمحة سريعة عن ديون شآبيب، ديوان جيل السبعين، ولكن السنوات لا تضعف إيمان الشاعر بالكلمة، بل نراه يزداد حكمة، وفي الوقت نفسه يزداد قلقه، فنجده في قصيدة لعنه، يلعن السياسة، ويجعلها أشبه بالموقف الفكري على الغلاف الأخير.
- نبذه- شفيق حبيب من قرية دير حنا، إحدى قرى مثلث يوم الأرض. ولد عام 1941 مع هذا الديوان وصلت إصداراته إلى خمسة عشر ديوانا شعريا وكتاباً فكرياًَ واحدا، عام 1990 صودر ديوانه "العودة إلى الآتي" وأعتقل وحكم بتهمة مساندة منظمة إرهابية !!
nabiloudeh@gmail.com