لطبيعة الكوت وسحرها أثراً كبيراً في تكوين شخصيته، إنها شبه جزيرة يحتضنها دجلة الخالد، من جهات ثلاث، فيحول أرضها إلى بساتين غناء، حيكت حولها الأساطير وقصص السعالي والطناطل، التي غذت مخيلتَه وأغنت قدرتَه على نسج الحكايات والقصص التي شغف بها في طفولتِه، وتركت أثراً في تكوين الحلم الذي رافقه وشجعه على ركوب موجة الكتابة للأطفال، فعلي بابا والأربعين حرامي، بساط الريح، وما حُضيَ به من روايات عالمية، هي المنبع الذي لوّن عالمه بأجواء ساحرة استمد منها قدرتَه على الخيال والإبداع ومحاكاة الأساطير .
أمي كنز لا ينتهي من الحكايات
- عندما يُسأل عن الذي جعله يختص ويبدع الكتابة للأطفال يقول :
* بساتين النخيل، دجلة ونوارسه، وزرازيره، رائحة سمكه، لوبياء الشواطيء، وجزرته الوسطية، خرير ماء سدة الكوت الشهيرة، حديقة "المتصرف" والإضافة الرائعة، حكايات أُمي الشعبية، أمي كنز لا ينتهي من الحكايات، كل هذا الخليط أثرعليَّ تأثيراً كبيراً .
بدايةً تعلقت بما أقرأ أو أسمع عن السندباد البحري، نظارات الدب أبي فهد، ليلى والذئب، قطر الندى والأقزام السبعة، سندريلا، واحدة بواحدة ياسيدي الثعلب، العنزة العنيدة، بساط الريح، المصباح السحري، علي بابا والأربعين حرامي، سباق السلحفاة والأرنب، البطات والسلحفاة وغيرها . هذه الحكايات الشهيرة العالمية والمحلية فضلا عن حكايات الف ليلة وليلة، هي أول من بنى حبي وتعلقي بالكتابة للأطفال . وهي التي اثّرت تأثيراً كبيراً على قدرتي في الكتابة، حتى أنني مثلا كتبت عن "ليلى والذئب" أكثر من خمسين قصة، ولكن لا واحدة منها تشبه القصة الأصلية .
ولا يمكن أن انسى القصص العالمية والعربية مثل روبنسن كروزو، طرزان، جزيرة الكنز، جليفر، الكونت دي مونتت كريستو، حكايات الأخوين جريم، مجلة سندباد وسمير وميكي، وكنت اقرأ هذه الروائع وغيرها بالعربية، ومن ثم بدأت اقرأ مجلات الأطفال الإنجليزية التي كنت أشتريها أثناء قدومي إلى بغداد، من مكتبة النصر في شارع الرشيد .
* امنيتي ان ارى مخطوطاتي التي لم تطبع بعد، أن تطبع، وعلى الأخص "معاجم معاني أسماء وصفات وكنى والقاب الحيوان وما يتعلق به" فهو إضافة جديدة للمعاجم العربية، كما قال عنه الأُستاذ العلامة الدكتور داود سلوم، ويقع في نحو خمس مائة والف صفحة و "الف حكاية وحكاية للاطفال" وهو كتاب سيُدخل العراق "في موسوعة جينس للأرقام القياسية، اذ أنه الكتاب الوحيد في العالم، من هذا النوع، وقد وعد الأُستاذ الفاضل "فوزي الأتروشي" بذلك، بعد اللقاء المثمر الذي جرى بيني وبينه، بعد أن تشرفتُ بلقائهِ، واكرمني غاية الإكرام .
* لم يمض على صدور مجلة مجلتي سوى أشهر حتى بدأت أنشر فيها، وأول مانشرت لي قصة مصورة هي "البطتان والسلحفاة" رسوم صديقي الفنان ضياء الحجار، وفي المزمار نشرت في أول قصة مصورة، وهي "صياد"، وقد رسمها صديقي الفنان عبد الرحيم ياسر .
سيرة
شفيق مهدي كاتب ومترجم عراقي مبدع ولد عام 1946 وذاع صيته مطلع السبعينات في مجلة ( مجلتي ) العراقية ولازمته الكتابة للأطفال سنوات طويلة، ترجم خلالها أيضاً الكثير من المقالات والقصص والروايات، نقلها للعربية عبر مؤسسة دار ثقافة الأطفال العراقية، وهو أكاديمي وباحث معروف في الأوساط الثقافية العراقية، وحاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية وشهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من معهد التاريخ العربي والتراث، وشهادة الدبلوم العالي لصحافة الأطفال من معهد التبادل الثقافي في بودابست / المجر .
كما أنه دُعيَ لإلقاء العديد من البحوث عن صحافة الأطفال في العاصمة الاردنية (عمان) والشارقة، كما نشر الكثير من قصصه في العديد من المجلات العراقية والعربية الخاصة بأدب الأطفال مثل (حاتم )، (وسام) الاردنيتين، و(أحمد) و(توتة) اللبنانيتين كذلك في السعودية والإمارات .
وقد عمل في (مجلتي والمزمار) منذ 44 عاما وعمل سكرتير تحرير ثم رئيس تحرير . وقد كتب عنه الكثير من كتاب القصة .
عمل في مجال الإذاعة والتلفزيون وكتب مئات البرامج والمسلسلات الخاصة بالأطفال والكبار منها للإذاعة : على بساط الريح، رحلة الجمعه، وللتلفزيون مصباح علاء الدين، وقد فاز المسلسل الإذاعي (حسن الصائغ البصري) الذي كتبه، بجائزة الإبداع التي تقيمها وزارة الثقافة عام 1998، وله نحو مئة كتاب معظمها للأطفال منها : شجرتا الورد، مئة قصة وقصة، حكايات الفصول، البذرة السحرية، الف حكاية وحكاية، الصقريات في العراق والوطن العربي، حيوانات عراقية منقرضة ونادرة، الصيد والصقور في الجزيرة العربية، معجم ومعاني واسماء وصفات والقاب الحيوان ( 3 اجزاء )، نداءآت الباعة، وسائط النقل القديمة في العراق، يوميات التهجير في احضان الوطن .
قالوا فيه :
قال عنه الكاتب (جعفر صادق محمد) إن شفيق مهدي من الكتاب الذين عنوا باللغة عناية خاصة وجعلوا من وضوح المفردة وشيوعها، وابتعادها عن الإبتذال مبدأً .
كما جاء في رسالة د (طاهرة داخل) : أن شفيق مهدي صانع الفكرة الذكية والجميلة في قصص الأطفال .
قال عنه الكاتب المبدع صلاح محمد علي : "إنه لو لم يكن شفيق مهدي كاتبا للأطفال لعاش لغزاً طوال حياته، وكانه خلق ليكون كاتباً للأطفال فقط، ولو قيل لي اختصر كل كتاب الأطفال في إنسان واحد لقلت بدون تردد : إنه شفيق مهدي .
نعاه الكاتب بيان الصفدي فقال :
إنه كاتب الأطفال الكبير شفيق مهدي لا يحيط به تعريف سريع، إنه واحد من أعمدة أدب الأطفال في دار ثقافة الأطفال في العراق، وعلى مستوى الوطن العربي .
لقد خسرته زميلاً وصديقاً نادراٍ .
رحمك الله يا أبا حيدر، أيها المعلم والطفل الكبير والإنسان الحق .
رحل الكاتب شفيق مهدي مساء يوم 17 03 2021، وغادرعالم الأطفال، الذي ظل ملتسقاً به ولم يغادره منذ السبعينات من القرن العشرين، يكتب ويترجم المقالات والقصص والروايات .. أكاديمي وباحث وله شأن كبير في الثقافة العراقية .. لقد أختير كتابه (يدي) من مئة كتاب جدير بالقراءة سنة 2014 من قبل الهيئة الدولية لكتب الاطفال فرع الكويت . عمل في (مجلتي والمزمار) 44 عاما، متفانياً وسعيداً بعالم البراءة والنقاء .