عيون سومرية واسعة، حواجب كثة، وجوه مستديرة ممتلئة، عنق طويل وأنف مستدق، هوماترسب في أعماقه من بيئتهِ الجنوبية، وعلى التحديد من مدينة الناصرية، المدينة التي تحمل الإرث الإنساني السومري، والذي ترك صدىً في أعماقه، وانعكاساً في إبداعاته، فأصبحت مفرداتها السمة الملازمة لأعماله .
أعمالُه جميعُها، ومنذ بداية السبعينيات في أول معرض له، هي ومضات تعكس مفردات بيئته الأولى، والتي امتزجت بمناخات بيئية مستمدة من أجواء المدينة التي انتقل إليها، تلك الأجواء التي حمَّلت وعيَه ببصماتٍ من طقوس وعوالم مدنية، تَرْجَمها في لوحاته كملامح وملابس وجلسات أنثوية، أما الخلفيات في لوحاته، فهي مفردات استمدها مما ترسب في أعماقه من الموروث الديني، كالمزارات والقباب، التي تظهر في معظم أعمالهِ، وكما في لوحة النذور، والوجه الحسن، وقرويات ونذور، القمر المزار .
لقد طعَّم السنجري خلفيات لوحاته بالرموز الدينية، كتعبيرعن تمسك المرأة بتلك الرموز كمعادل لخيبات أحلامها التي تلازمها، وكتعويض لانهيار تلك الأحلام في المجتمع الذكوري المهيمن والمستبد، والذي يفقدها الكثير من طموحاتِها، فلذا جعلها صامتة، بعيون ساهمة، وبنظرات واجمة مترقبة، وبجفون مسبلة وتبدو كأنها في انتظار الحلم .
المرأة أو "شهرزاد المعاصرة"، هي البطلة المطْلَقة في أعمال الفنان «ناجي السنجري فتارة يقدمها وحيدة تجذف في قارب نهري، أو مسترخية على ضفة النهر حيث يستريح قاربُها، أو مستلقية على أريكة خشبية تعلوها «بسط» مليئة بالألوان والنقوش، وأحيانا برفقة صديقة، تحمل نفس الجسد والملامح .
في معظم أعماله يضع السنجري بعض المفردات للحفاظ على توازن اللوحة، مع توظيف الدلالات التي تحملها تلك المفردات، ، كالهلال الذي هو استبشار وأمل وتفاؤل، والديك الذي يعلن عن نهاية حكايا شهرزاد، وام سبع عيون بلونها الفيروزي وثقوبها السبعة التي يُعتقد أنها تدفع شر الحسد، وتبقى جميع الرموز في أعماله هي مفردات عالم المرأة الخاص، واستعمالها يدل على تمسكه بمناخات الفولكلورالشعبي وعلى انحيازه للمرأة ونصرته لقضاياها وتعزيز مكانتها في المجتمع .
أما الوانه فإنها تاخذ نمط المتضادات، فالأحمر مع الأخضر، الأصفر والأزرق، البنفسجي والبرتقالي، مما أكسب أعماله الفرادة والتميز، مما جعل من لوحته متعة بصريّة متوافقة الشكل والمضمون . لقد أصبحت أجواؤه اللونية كرنفالات زاهية، تمنح الشكل جمالية ودفئ وفرح، وتشهد على عطاء فنان متميز فذّ لم يأخذ حقه من الأضواء التي هو جديرٌ بها، ولم يعرّّف بالشكل الذي يستحقه كمبدع كان من الممكن أن يكون في مصاف أهم الفنانين ... لم يأخذ حقه من التَعريف لا من قبل المسؤولين في بلده، ولا من قبل الإعلام، حتى انني لم أعثر على تاريخاًً مدوناً ليوم وفاته ( ولا أعرف الظروف والأسباب ) .