إشكالية العمل المنزلي

2008-12-23
إلى//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/09541cbd-dd31-443a-aa3b-737d1e4c7073.jpeg أي حدّ ستبقى المبادرات البحثية حول إشكالية العمل المنزلي قاصرة عن تحقيق جدواها؟ فالرؤية المستقبلية على المدى المنظور، تدق ناقوس الخطر وتنذر بوحشية العوائق المؤدية لكبت النوازع الإنسانية الخيرة، بالرغم مما بذل من جهود لتبديدها.
وإلى أي حدّ سيظل هذا التناقض القائم بين أعلى درجات التطور والتقدم، وبين أبشع صور التخلف؟!
في سبيل حل هذه الإشكالية، تقتضي الضرورة تحديد الأهداف التي من شأنها تفعيل جوهر الأمومة والرجولة، منذ الصغر، والتعريف بوظائفهما ذات الصلة بالاشكالية المطروحة، والرجل الشرقي محكوم بالتقاليد المستبدة الناظمة لسلوكه، وهوممزق بين الرؤية التقليدية، وبين واقع الرؤية العلمية المتطورة المغايرة لقناعته، والتي تتيح له إظهار إبداعاته وأحلامه وخياله العلمي، إذا ما تحرر من الموروث والأعراف القمعية لرجولته.
وكلما دار الزمن دورته وانقضى عام وجاء آخر، اقتضت المصلحة العامة استحضار مآثر أمومة تجلت بأفعال الرجال العظماء، والتي تجسد المواقف الخالدة في نباهة الإنسان المؤمن بالأفكار الحرة المتجددة والمنفتحة على النور، وعليه تبرز الحاجة الماسة للعمل على تعميق مفهوم المساواة كحاجتنا إلى الماء والهواء والشمس والغذاء، وإلى المزيد من تطوير الإنتاج في كافة ميادين العمل التنموي ومنها توصيف العمل المنزلي وإبراز قيمته وجدواه، مهتدين بهدي علماء التربية الذين يرون أن التربية المثلى تتجلى في تبديد النظرة التقليدية المتوارثة وغير العادلة في توزيع الاختصاصات بين الجنسين في المنزل، والتي ترسخ التباين والفصل بينهما في الحياة داخل المجتمع.
فإذا ما قام الصبي بعمل في المنزل يتعلق بنظافته قيل له: "اترك هذا العمل لأختك فهذا من شأنها وليس من شأنك" على الرغم من أن الحياة العملية في المجتمع المعاصر لا تستدعي هذا الفصل في الأعمال، فالعاملون في بيوت الأزياء في كثير من أنحاء العالم ليسوا من النساء فقط، بل إن بعضاً من أكبر هذه البيوتات يقوم الرجال على إدارتها والعمل فيها، ويبلغون في ذلك شأواً عالياً، وما يقال عن الأزياء وأعمال الإبرة يقال مثله عن الطهو، وليس في الطهو ما يعارض طبيعة الصبي، إضافة إلى أن دراسة هذه المهارات والتدريب عليها سواء في المنزل أم في المدرسة منذ الصغر، لم تكن متاحة كما يجب، وذلك بسبب تصنيف المجتمع لأعمال الذكر خارج المنزل لتأمين مصاريف الأسرة، هذا الدور يتنافى مع المتغيرات الجديدة وانعكاساتها على الأوضاع الحياتية.
وعلى الرغم من هذا كله إذا ما تفوقت المرأة في الذود عن حياض الوطن لا ينظر إليها كإنسانة ذات قضية تؤمن بها وتدافع عنها، بل سرعان ما يجير فعلها هذا في مجتمعنا العربي للرجل، ويقال لها: "أخت رجال، أو من أصلاب الرجال" عبارات مازالت حاضرة تمجها الألسن وتجري كنسغ الحياة في الأجيال جيلاً بعد جيل، ومازالت متداولة وشائعة منذ عهود الاستبداد والتخلف وحتى الزمن الذي تغير فيه كل شيء، باستثناء سمات المجتمع الذكوري لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر بل يزداد
عنفاً وعنجهية في ظل عالم نشهد فيه حالة تسليع الإنسان وخاصة المرأة، وما كان ممكناً في زمن ما، أصبح عسيراً في زمننا اليوم، زمن دخول المرأة ميدان التنافس، فالقضية بجوهرها قضية إنسانية قبل كل شيء، ويجب على الرجل أن يعامل المرأة كإنسان منتج وفاعل، من حقه أن يتمتع بجميع الحقوق الإنسانية لا كآلة منجبة ومستهلكة وليس هناك سيد وعبد، وليس ثمة ما يقرّب في الشعور ويزكي التعاطف في التفكير وفي الاتجاهات وبث الاحترام المتبادل إلا العمل المشترك، ففي الكثير من البيوتات لا توجد فيها أنثى والعكس صحيح، هذا الواقع فرض عملية تبادل الأدوار دون مرجعية فكرية أوتحررية، لكنها أصبحت واقعاً ملموساً، علينا ألا نسلّم بأن هذه الصفات شيء جامد أزلي... بل هي نتاج واقع اجتماعي واقتصادي في فترة معينة، وبذور التغيير كامنة في الإنسان، وإلا فمن أين يأتي أي أمل في التغيير المأمول مستقبلاً، والحياة هي اكتشاف دائم لكل جديد وقواعد الحياة هي التجديد؟!.
وجديد اليوم في مجال عمل المرأة الذي كان حكراً على الرجل أصبح ميزة للمرأة، كالعمل في مجال الموانئ البحرية، وفي مجال تنظيم عقود الزواج الشرعية، والعديد من المواقع الاخرى، ومنها:
- أمل عفيفي تولت موقع المأزونة الشرعية للمرة الاولى في مصر والعالم الاسلامي.
- شهناز الربيعي تولت الموقع ذاته في البحرين.
- هدى النونو موقع سفيرة للبحرين في الولايات المتحدة الامريكية.
- نور الفايز موقع نائبة وزير التربية لشؤون الفتيات وللمرة الاولى في تاريخ السعودية.
- سعاد الشمري أول امراة مرافعة في المحاكم السعودية في القرن الحادي والعشرين.
- خلود الفقيه ولأول مرة ايضاً تتولى امرأة مهمة القاضي الشرعي في الجليل بقلسطين.
- منى محمود عطا الله تولت مهمة محكمة لبطولة المنتخبات الرياضية للمرة الاولى في تاريخ الحركة الرياضية في جمهورية مصر العربية.
- سوزان الهوبي أول فلسطينة تصل الى قمة جبل أكونكاجوا في الامريكيتين بارتفاع 6963م، فضلاً عما تم تعديله من قوانين منحت المرأة حق مزاولة العمل الذي حجب عنها حقبة من الزمن حيث أصبحت المرأة الآن في عُمان تتمع بحق حيازة العقارات.
يقول المفكر المغربي علي غريب: "كان من غير المألوف أن نرى امرأة تملك الحق في حيازة العقارات أو نرى رجلاً يعمل في المنزل مع علمنا أنهما كانا يزاولانه قديماً سواء بسواء، إلا أن ثقافة الرجل وقناعاته الشخصية اليوم هي نتاج ثقافات ذكورية ليس إلا".
في صباح 5/8/2008 أذاعت محطة العربية نبأ جديداً مفاده أن مائة وأربعين شاباً من السعودية عملوا على تجهيز أطباق البيتزا للمرة الأولى في التاريخ، كما أجرت مقابلة مع موظفيها في مكتب العربية بدمشق مع "الإعلامي زهير إبراهيم" و"الإعلامي ممدوح الأطرش" اللذين يعملان في المنزل بإتقان كما لو أن زوجة كل منهما هي التي قامت بنفس العمل المتقن..
وهما لا يريان حرجاً في ذلك، يقول ممدوح الأطرش بأنه يستمتع بالعمل المنزلي، وهو يرى أنه عمل إنساني للذكر والأنثى ويؤكد أنه لابد من تبديد القناعات حول العمل المنزلي ويصنفه بأنه ضمن الانفتاح الحضاري، ذلك انطلاقاً من أهمية عمل المرأة ومشاركتها في المجتمع، بينما البعض الآخر يراها ضرورة لمتطلبات الحياة المتزايدة.. شارحين بذلك حاجة الأبناء الماسة لتعبير الأبوين عن أهمية هذا العمل لما له من اعتبارات كثيرة في توفير احتياجات الأسرة وتنمية قيمته في نفوس الأبناء بدلاً من كبتها عند الرجل تحت ذريعة أن الرجولة لا تسمح بهذا النمط من المهام بسبب نظرة المجتمع، فهي بنظره تمثل حالة ضعف لرجولته وكأنه ليس إنساناً معنياً بتربية أبنائه مع أن العواطف والأحاسيس واحدة عند الأبوين، لكنها محكومة بسطوة ما يفرضه العالم الذكوري، فالحياة في تطور مستمر، من شأنه أن يبدد النظرة الخاطئة للمجتمع ويقضي على التقاليد والعادات المتوارثة الخاطئة، عندئذ تتضح الصورة المثالية لدور الرجل في المشاركة الحقيقية في الأعباء المنزلية، وسنستخلص بذلك نتيجة مثلى في تربية أسرية أكثر حكمة من تلك التي تنحصر في جنس أحادي الجانب والعكس صحيح.
لقد أكدت الدراسة التي قام بها الباحث "ماك أنزي" الاسكتلندي الأصل نشرت العام الماضي أنه كلما كانت النتائج التنموية بوضع سليم كان ذلك نتيجة حتمية لمشاركة المرأة سواء كان ذلك في رسم السياسة التنموية أو في اتخاذ القرار، وأكد حقيقة مفادها أنه لا بد من المشاركة الكاملة بين الرجل والمرأة في جميع قطاعات الحياة بقصد معالجة الخلل من حيث الجوهر لا من حيث الشكل فقط، وهذا يعني حياة أفضل للأجيال القادمة ونهوضاً أوسع للأسرة والمجتمع والوطن.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved