سحر خليفة صوت قوي وحظور ملموس\ سين

2008-02-29
سحر خل//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/8b45159c-adb8-4fb3-92b1-3b665e5bb823.jpeg يفة واحدة من أهم الروائيين الفلسطينيين . ولدت في نابلس عام 1941، تزوجت في سن مبكرة زواجا تقليديا ؛ وبعد مرور ثلاثة عشر عاما من الإحباط وخيبة الأمل . قررت أن تتحرر من هذا الزواج وتكرس حياتها للكتابة . وقد عادت لتواصل دراستها الجامعية، وقد حصلت على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من جامعة بير زيت في رام الله سنة 1977 حيث تخرجت مع ابنتها في نفس السنة، ونالت درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة من جامعة أيوا في دراسات المرأة والأدب الأمريكي .وتعمل مديرة لمركز شؤون المرأة والأسرة في نابلس . كتبت حتى الآن ست روايات . روايتها الأولى ( لم نعد جواري لكم ) (1974) أحدثت صدى كبيرا بسبب دفاعها عن حرية المرأة , غير أن سحر لم تحضى بالاعتراف الأدبي إلا بعد صدور روايتها الثانية (الصبار) (1976) . وقد ترجمت هذه الرواية إلى العبرية و الفرنسية و الألمانية و الهولندية و الإيطالية و الأسبانية و الماليزية , كما ترجمتها تريفور لي غاسيك وإليزابيث فيرنيا إلى الإنجليزية عام 1985 م لصالح مؤسسة بروتا . أصدرت أيضا ( عباد الشمس ) (1980) , ( مذكرات امرأة غير واقعية ) (1986) ترجمت إلى الإيطالية والألمانية, ( باب الساحة ) (1990) و (الميراث) .

اسلوب شفاف

في عملها الروائي تعبر سحر خليفة عن إيمانها العميق بأن وعي المرأة النسوي هو جزء لا يتجزأ من وعيها السياسي , وهي ترينا في رواياتها , وبأسلوب فني مقنع , أن نضال المرأة الفلسطينية والمحن التي تمر بها هي جزء من النضال السياسي الفلسطيني العام من أجل التحرير . أسلوبها الروائي حساس ومقتصد وشفاف ؛ورغم أنها تكتب بالعربية الفصحى ,الا ان لها قدرة عجيبة على استعارة العامية الفلسطينية وتعبيراتها الدارجة عندما يقتضي حال الحوار في الرواية.

نجحت سحر خليفة منذ روايتها الأولى "لم نعد جواري لكم" الصادرة عام 1974 أن تشدّ إليها اهتمام القراء والنقّاد وأن تُرسّخ وجودها على الساحة الأدبية. وبصدور روايتيها الصبار(1976) وعبّاد الشمس (1980) وتصويرها لوضع ومعاناة الانسان الفلسطيني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ حزيران 1967 فرضت سحر على نفسها التزام هموم شعبها وتصوير حياته اليومية وما فيها من تعقيدات وتشابكات خاصة ما يتعلق بوضع المرأة وعلاقتها بالرجل، وبالمقابل في مرافقة نضال الناس في مواجهتهم لاحتلال الأرض وظلم الانسان. حتى باتت سحر تُؤطّر بين ثنائيتين هما : المرأة في مواجهة الرجل. والانسان الفلسطيني في مواجهة جندي الاحتلال. هاتان الثنائيتان المترافقتان والمتلازمتان في معظم رواياتها حتى أصبح من الصعب الفصل ما بين النضال ضدّ المحتل الغريب والنضال ضدّ ظلم الرجل والمجتمع للمرأة، والاقتناع أنّ تحرّر الوطن من رَبَقة الاحتلال لا يكون كاملا وناجحا إذا لم يُرافقه تحرّر المرأة من قيود المجتمع والرجل.

عايَشت سحر خليفة الناسَ وعانت ما عانوا وآمنت لفترة من الزمن أن ظروف الاحتلال والمقاومة قد تصقل المجتمع الفلسطيني وتأتي بشعب جديد عركته النضالات ووحدته الأهداف ومحت الفوارق بين فئاته ووضعت المرأة في مكانة واحدة مع الرجل لأنها كانت مرافقته وساعده الايمن، وفي كثير من الحالات المتقدّمة عليه ورأس الحربة في مواجهة المحتل، هكذا آمنت سحر ورسمت في روايتيها "الصبار و عبّاد الشمس" وهذا ما عملت على تحقيقه وفَرضه في حياتها اليومية والجامعية حيث نشطت في مختلف المجالات وكانت صاحبة الصوت القويّ والحضور الملموس .

خيبة أمل

لكنّ خيبة أمل سحر خليفة كانت كبيرة وهي ترى أنّ سنوات الاحتلال العجاف التي زادت على العقد والنصف لم تُحقّق الامل، وظلّ المجتمعُ الفلسطيني بكل موروثاته القديمة هو الضاغط، والرجل الذي أمِلت، من خلال مرافقتها له في الحياة النضالية والمَعيشية اليومية، أن يكون قد تغيّر وتبدّل وتفهمّ لأهمية دورها، ظلّ هو الرجل الذي لم تُغيّره الشهادات التي يُعلّقها على الحائط ولا ما تفرضه عليه ظروف الاحتلال وما فيها من إهانة وإذلال واحتقار وإلغاء لعنجهيتة الجوفاء. وزاد من حزن وثورة سحر ما ألمّ بالفلسطينيين، وبالتحديد بالمرأة الفلسطينية في لبنان وما وصلها من أخبار .

ان قارئ أعمال سحر، ومنها "ربيع حار" يرى نفسه غالباً أمام مستوى لغوي تذوب فيه الفوارق. لكأن سحر هنا مثل الشاعر الغنائي معكوساً. وبدلاً من أن تدخل لغة شخوصها في نهر لغة الكاتب - مع أن هذا ليس مطلوباً في الرواية - نجدها تدخل لغتها في نهر لغة الآخرين، لكأنه لا فرق بين لغتها ولغة نساء الأحياء الأكثر شعبية.

حازت سحر خليفة تقديرات عالمية عدّة، من "مورافيا» إلى "ثرفانتس". لكنها المرّة الأولى التي تكرّم عربياً. لقد فازت بجائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة، عن روايتها"صورة وأيقونة وعهد قديم" التي تحكي فيها ضياع القدس وعزت اللجنة اختيارها الروائية الفلسطينية إلى "الطاقة السردية العالية التي تتضمنها الرواية وقيام الروائية باستدعاء فضاء غائب منذ البداية فهي مثل شاعر الجاهلية تبدأ بالبكاء على الأطلال في استعادة للتاريخ الفلسطيني المعاصر".

هل حصلت سحر خليفة على جائزة نجيب محفوظ لأسباب سياسية بحتة؟

فوجئت الروائية الفلسطينية بسؤال تطرحه عليها إحدى الصحافيات خلال المؤتمر الذي عقدته الجامعة الأميركية في القاهرة، في مناسبة الإعلان عن الفائز بالجائزة السنوية التي تحمل اسم عميد الرواية العربية.
ارتبكت قليلاً صاحبة "صورة وأيقونة وعهد قديم" (2002) الرواية التي منحت الجائزة على أساسها. اعتبرت أولاً أن السؤال ليس موجهاً إليها، بل الى لجنة التحكيم الجالسة إلى جوارها. أجاب مارك لينز مدير قسم النشر في الجامعة الأميركية: "ليس صحيحاً. لا نمنح الجائزة لأسباب سياسية. منحناها قبلاً لروائيات من بلدان عربية مختلفة مثل أحلام مستغانمي من الجزائر، وهدى بركات من لبنان".
إلا أن سحر خليفة التي أدركت مغزى السؤال، عادت إلى هذه النقطة: "إنّها أول جائزة عربية أحصل عليها، على رغم أنني حصلت على جائزة "ألبرتو مورافيا" الإيطالية، وعلى جائزة "ثرفانتس" الإسبانية. حتى السلطة الفلسطينية لم تمنحني أي جائزة لأنني كتبت رواية "الميراث" التي تناولت فساد السلطة. أعتقد بأنني أستحق العديد من الجوائز، وأعتز بجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ على رغم أنها جاءت متأخرة".

رواية سحر خليفة "الصبار" (1976) التي تطرّقت إلى حاجة العمال الفلسطينيين إلى العمل داخل إسرائيل في السبعينيات، تعتبر مفترق طرق في مسار الأدب الفلسطيني. وقد تناولت الكاتبة في أعمالها الواقع من خلال نظرة نقدية، تجمع بين التجربة الفرديّة ومعاناة الجماعة، بين الإحباطات المتتالية والحركة النسوية والانتفاضة وأوسلو وضياع القدس ومفارقات الثورة الفلسطينية...
منذ دخولها المشهد الأدبي، جسّدت سحر خليفة في تجربتها الروائية مسارين، هما مسار الرواية النسوية التي مثّلته روايات مثل "لم نعد جواري لكم" (1974) و"مذكرات امرأة غير واقعية" (1986). أما الثاني فهو مسار الرواية الفلسطينية الذي تمثل في "الصبار" (1976)، و"الميراث" (1977)، و"عباد الشمس" (1980)، و"باب الساحة" (1990). إلا أنّ هاتين الثيمتين، أي المرأة والوطن، تداخلتا في معظم رواياتها، كأنّ المواجهة كانت على جبهتين: مواجهة الاحتلال ومواجهة السلطة البطريركيّة في مجتمع ذكوري. حكمت هاتان الثنائيتان معظم رواياتها، انطلاقاً من أنّ تحرّر الوطن من الاحتلال لا يكون كاملاً ما لم يترافق مع تحرر المرأة من قيود المجتمع ووصاية الرجل.


رواية الضياع بامتياز


لجنة التحكيم التي تألفت من الدكتورة هدى وصفي، عبد المنعم تليمه، إبراهيم فتحي، فخري صالح، سامية محرز ومارك لينز، اعتبرت أن "صورة وأيقونة وعهد قديم" هي رواية الضياع بامتياز، ورواية الطاقة السردية العالية. إذ تستدعي فيها سحر خليفة فضاءً غائباً. إنّها مثل شعر الجاهلية تبدأ بالبكاء على الأطلال... لتخوض في نضال الفلسطينيين حالياً. وتتآزر مستويات السرد، تاريخياً وجمالياً، من خلال رموز تختصر الشخوص والأمكنة، وتستدعي دلالات موروثة مقدسة لا تزال حية وفاعلة. تبدو بطلة الرواية مريم المسيحية صورةً جميلةً في خيال البطل المسلم إبراهيم الذي يحملها معه في غربة الشتات. يستعيد من خلالها ذكرياته في القدس. ليست مريم سوى القدس، أيقونة مدينة الأنبياء التي شوّهتها الحرب وأهوال الاحتلال.

طابع إشكالي

عضو لجنة التحكيم وأستاذة الأدب العربي في الجامعة الأميركية في القاهرة سامية محرز، قالت إن "قصة الحب هذه التي تدور قبل هزيمة 1967 هي ذات طابع إشكالي. لكن الحدث يتوارى، على المستوى الشخصي، في تاريخ المدينة المقدسة التي استرسلت لصناعة السياحة وهجرت شعارات التحرير... الرواية ليست ملحمة إنما مرثية لمدينة الراوي الحبيبة. مدينة القدس التي هجرها أنبياؤها الجدد سعياً وراء أموال الخليج". من خلال هذه الرواية، توضح الكاتبة الموقف الفلسطيني الصعب والمعقّد لاجئةً الى شخصيات غير تقليدية، تبحث عن حلول لسؤالها الوجودي خارج السياسة، أي عبر الحب والعلاقات الإنسانية الخائبة والمدمرة.
وقالت خليفة عندما تَسََلَمت الجائزة ، إن المناسبة ذكّرتها بمشهدين لا تنساهما. الأول منذ ثلاثين سنة، عندما اقترحت عليها أستاذتها الدكتورة حنان عشراوي تقديم مخطوط "الصبار" إلى الدائرة العربية في وزارة المعارف تحت الاحتلال، لكن مدير الدائرة اعتبر يومذاك أن الرواية لا ترقى الى مستوى الأدب. أما المشهد الثاني فهو عندما جاءت بروايتها إلى القاهرة لتنشرها، لكن الناشر رفضها أيضاً بحجة أنّ الرواية مجهولة الجنس والهوية. واعتبرت الكاتبة أن الأدب ليس "حلية نعلّقها فى صدر البيت، وشكلة على الرأس... بل إحساس أعمق، مجبول بالتراب، بالشوارع، بهموم الناس، برصاص المحتل والمدافع، بالضحايا ودم الثوار. وأيضاً بالحب والتمنّي وحنين القلب، وجمال الروح والتصدر للكآبة بأجنحة الحلم". وأضافت: "الأدب بالنسبة إليّ ليس نزهة، بل جهد وأجنحة ومرايا وعتاب دائم للذات وسماء ماطرة وقذائف ومآذن في أرض ما عرفت إلا الدم".
عشيّة جائزة نجيب محفوظ التي تبلغ قيمتها ألف دولار أميركي ــ فضلاً عن ترجمتها إلى الإنكليزية ــ أوضحت سحر خليفة أن الهم الفلسطيني كبير، ويحتاج إلى طابور طويل من المبدعين للتعبير عنه. وأضافت: "أنا أعتبر نفسي كاتبة ملتزمة، لكن لا بد من أن أعمل على تطوير لغتي وتقنياتي، ومتابعة الإنجازات الأدبية فى العالم أجمع، لأن الاتكاء على القضية فقط لا يخدم القضية، ولا يخدم الأدب". وعن روايتها الفائزة قالت: "هي رواية عن ضياع القدس، أحاول أن "أكمش" فيها أجواء هذه المدينة، بحثاً عن طريق وبحثاً عن إجابة: من سيرثي القدس في هذا الزمن العربي الرديء؟".

يلاحظ من كتابات سحر خليفة أنها امرأة تحترم أنوثتها، فتكتب عن عذابات المرأة وأحلام المرأة من منظار نسوي، وهي بالتالي تدافع عن بنات جنسها من خلال روايتها، أنها تفضح الظلم الواقع عليهن، تعري نظرة المجتمع الذكوري للمرأة، وتنفر من بعض العادات والتقاليد التي تسلب المرأة إنسانيتها وحقوقها، وهي تعطي المرأة دورا في الحياة يتميز على دور الرجل بل يتفوق عليه.يلاحظ من كتابات سحر خليفة أنها امرأة تحترم أنوثتها، فتكتب عن عذابات المرأة وأحلام المرأة من منظار نسوي، وهي بالتالي تدافع عن بنات جنسها من خلال روايتها، أنها تفضح الظلم الواقع عليهن، تعري نظرة المجتمع الذكوري للمرأة، وتنفر من بعض العادات والتقاليد التي تسلب المرأة إنسانيتها وحقوقها، وهي تعطي المرأة دورا في الحياة يتميز على دور الرجل بل يتفوق عليه

تقول خليفة: "وصفني النقاد آنذاك بأنني عاجزة عن فهم أن الحديث عن المرأة في هذا الظرف، ظرف الاحتلال والهزيمة، خط أحمر، خروج على الصف، تحييد للنظر عن الأهم، أي إسرائيل وإنني أدخل القراء في متاهات جانبية تشتت الفلسطينيين وتشتت الرواية وتجعلها تنقسم إلى نصفين، نصف وطني ونصف نسوي".

. وصرحت سحر خليفة لوكالة فرانس برس أن: "المجتمع تغير بعد ثلاثين عاما. ففي الماضي هوجمت من اليساريين الفلسطينيين الذين كانوا يعتقدون أنهم عندما يحررون فلسطين سيحررون المرأة".

وأضافت: "اخلتف المجتمع حاليا لان اليساريين عندما فشلوا وجدوا أنهم لن يستطيعوا التوصل إلى التحرير القومي إلا بتحرير ثقافي اجتماعي، فقبلوا المقولة النسائية".

وشددت خليفة على دور الحركات النسائية في المجتمع الفلسطيني ومساهمتها في تغير نظرة المجتمع للمرأة.

واعتبرت الأديبة خليفة مدينة نابلس "هي ملهم رواياتها والمختبر الصغير الذي تفهم منه المجتمعين العربي والعالمي". ووصفتها بأنها "مدينة محافظة وقمعية والعلاقات فيها شديدة الالتصاق، وفيها التناقضات الدينية والطبقية والتناقض بين القرية والمدينة وبين الرجل والمرأة وبين المدينة والمخيم".

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved