صندوق الكمان

2014-10-27
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/5631ed75-9a88-41a7-875d-9c8757d353eb.jpeg
قصيدة  لماريو سُسْكو

 ماريو سُسْكو شاعرٌ من البوسنة ، شهدَ الحرب هناك ، وعاد في العام 1993 إلى الولايات المتحدة الأميركية ، حيث يقيم ، متقطِّعاً ،
في السنين الخمس والثلاثين الأخيرة ، ويدَرِّس في الجامعات هناك .قصيدته هذه اخترتُها من ديوانه الأخير الصادر في العام 2008  ،
Closing Time, Harbor Mountain Press, Brownsville, Vermont, 2008

*
بعد رحيله بزمنٍ طويلٍ
وجدتُ صندوقَ الكمانِ في مهجعه ، بالعـِلِّيـّة ؛
القُفلُ الصغير على مُشَبَّك البابِ
استجابَ بلا مقاوَمة ،
الصندوقُ المفتوحُ في الركنِ البعيدِ
المضاءِ بأشعةِ شمسٍ باهرةٍ تدفّقتْ من كوّةٍ في السقف
كان مكسُوّاً ، جزئيّاً ، بنسيج عنكبوتٍ يتلامَعُ
المخمَلُ القرمزُ الذي يُبطّـِنـُهُ
تكفّلَ بأي حشرةٍ مترنحة .

كان عزَفَ للألمانِ ، كي يعيش
عزَفَ للروس ، كي يعيش
واستطاع أخيراً أن يهربَ إلى الجنوب
مع أن أحداً لا يعرفُ كيف بلَغَ بلدتَنا
حيث ظنَّ أنه سيعزفُ لنفسه .
ولأنه غيرُ قادرٍ ، أو غير راغبٍ ،  لم يتعلّم اللغة .
وانتهى إلى أن يكون قَيِّماً في مدرسة للموسيقى ،
عازفاً في عطلة الأسبوع ، في أعراس القرى .

وحدَثَ ، ليلةً ،  أنه سار إلى الجسر
مع كمانه في يد
والقوس  في اليدِ الأخرى ،
وارتقى الدعامةَ الرئيسةَ
وظلّ يعزفُ ، كما يقول الناسُ ، حتى مطلعِ الفجر
ثم ألقى بكمانه إلى الأمواج العكرة المتدافعةِ
وقفزَ  هو ،
أو أنه زلِقَ ، كما يقول عمّالُ مناجمَ كانوا هناك في طريقهم إلى العمل
ففقدَ توازنَه
حين انزلقَ الكمانُ من يده .

بعد أسبوعٍ
وفي أصيلٍ شتويٍّ باردٍ
متستِّراً بالغسقِ ، عائداً من المدرسةِ ،
صعدتُ إلى العِلِّيّةِ ، وأخذتُ الصندوقَ
وخبّاتُه تحت الفراشِ ،  في غرفتي بالأسفل .
ألحفْتُ على أمّي ، أيّاماً
لتشتري لي كماناً  ،
مع أني أعرفُ أن ليس لدينا من النقودِ  ما يجلبُ هذا الترَف .
أخيراً :
نظّفْتُ الصندوقَ
بل جرّبتُ بصبغ أحذيةٍ أن أُلَمِّعَ خشبه الماهوغاني ،
وتسلّلْتُ به ، ذات مساءٍ ، تحت معطفي العتيق
إلى الجســر .
دفعتُ به ، عبر حاجز الحديد ، المكسوّ بالصقيع
وراقبتُ تابوتَ الطفل الصغير
يترجَّحُ يساراً
يترجَّحُ يميناً
تحملُه الأمواجُ الكسلى التي أضاءَها القمرُ ،
حتى ابتلعَه الليل .


ترجمة : سعدي يوسف
لندن  10/12/2013

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved