في تلك النواحي من بلاد الله الواسعة ؟ غابة مترامية الأطراف من أشجار السرو والصفصاف، يتخللها نبع غزير من أصفى وأعذب المياه . تحيط به مروج ساحرة من الخزامى وشقائق النعمان، حيث تعيش بجوارها مختلف الحيوانات جنبا إلى جنب بأمن ومحبة وسلام، حتى الذئب يتآخى مع الخراف، ويتصالح الهر مع الفئران والجنادب والطير . ولكنّ الإنسان لا يصفو لأخيه الإنسان .
وفي الغابة تتسامر وتتناجى في الليالي المقرة سائر المخلوقات، حينما يخطر للريح أن تعزف للكون لحن الحياة، وتنفخه بين أوراق الشجر، يحمل حفيفها الوسن ويتسلل إلى عيون الأطفال، ترنو إليهم في مساءآت الحب أفئدة وعيون الأمهات، يحكين لأطفالهن عن أسرار الغابة ومختلف الحيوانات من الزواحف والأطيار والهوام . كيف تعيش وما يحدث بينها من الخصام والوئام .
بجانب النبع هناك عاشت قطط خلاسية، زرقاء العيون ناعمة الصوف رائعة الذيل، ساحرة الأذنين والسيقان . يقودها هرٌ سيامي بديع الوجه ساحر التكوين، تلوح في ناظريه معاني الإلفة والإخاء . يلاعب الأطفال ويحبهم فلا يخدشهم، مهما أمعنوا في الشيطنة والإساءة.. وشدِّه من أذنيه .
وكانت الفئران تعيش آمنة، بجوار قطط الغابة جنبا إلى جنب، وتقوم إلى جانب الغابة بلدة في الجوار، وعلى أطرافها يقوم قصر ملك البلاد، حيث يعيش مع حاشيته ومعاونيه . وكان الملك من هواة القنص والصيد، وقد خرج يوما إلى الغابة برفقة حراسه، حينما أبصرت عيناه قطا سياميا ساحرا ؟ فأشار لمعاونيه أن يتعقبوه ويمسكوه.. وهكذا حمله الملك إلى قصره وصار من مدلليه .
ولمّا نشأت علاقة صداقة وطيدة بين القطط والفئران ! بفعل تقدم علم الجنس والتهجين، بعد عداوة امتدت لدهور طويلة تجاوزت العقود والأجيال . أما القط السيامي الضيف الجديد ؟ فقد تحول إلى نديم للملك وصار من أقرب المقربين . يلهو معه الملك ويلاطف صوفه أوقات السأم المقيت .
هكذا تحول القط إلى رفيق وصفي للملك، يصحبه في زياراته وجولاته في الدساكر والأقاليم . ولما كان القط الحيوان الوحيد في القصر، وقد زالت العداوة بين القطط والفئران ؟ فقد أنس لوجوده فأر يتوارى في أحد الدهاليز، تعرف إليه في إحدى الليالي، وصارا عندما ينام الملك يتسامران حتى يصيح الديك . هكذا وجد القط أنسا في الفأر وتعويضا، عن حنين لرفاق كانوا من مُحِبِّيه .
كان القط يتجول في أرجاء القصر، حينما رأى رجلا من حاشية الملك يتسلل إلى غرفة سيده، تمتد يده إلى التاج ليختلس أغلى جواهره ويدسها تحت ثيابه، وينسحب على رؤوس أصابعه .
أسرع القط يحكي لصديقه الفأر ما رآه . والفأر اقترح على صديقه أن يبلغ سيده بالأمر . هكذا راح القط يموء بشدة بين قدمي الملك، يتمسح به ويتملقه لكي ينظر إليه ويفهمه . حاول بكل إمكاناته وأساليبه وأثار حول الملك الصخب والضوضاء، وهو يحاول أن يخبر سيده . حتى انزعج الملك من الهر وأمر جنده أن يخرجوه على الفور، ويبعدوه إلى الحديقة ليلعب ويلهو على هواه .
فشلت كل محاولات القط المسكين، كيف يخبر سيده وولي أمره عمّن سرق درة التاج . ونقل خيبته لصديقه الفأر . وبعد تفكير طويل اشترك فيه الطرفان ؟ اهتدى القط كيف يخبر الملك ؟ وطلب مساعدة صاحبه والإسراع في تنفيذ المخطط قبل أن يغادر اللص ويفر بأكبر جوهرة في التاج .
وكان الملك لاحظ اختفاء الجوهرة، فجفاه النوم وتولاه القلق وانشغال البال، وكاد صوابه يختل لضياع أغلى جوهرة في التاج، رمز قوته وسيادته وسلطته على البلاد والعباد . الجوهرة التي ورثها عن أبيه الملك الراحل، تلقاها هدية من بلاد الواق الواق . أبعد نقطة في أقاصي الأرض .
حينما حل موعد الطعام ؟ كان الملك مع الحاشية يجلس على رأس المائدة، لكنه لفرط حزنه على الجوهرة ؟ كان لا يأكل ولا يشتهي الطعام . يسرح في خياله للبعيد أين يا ترى راحت الجوهرة ؟
بينما انكب الجميع ومعهم سارق الجوهرة يأكلون ما لذّ وطاب، حينما تسلل الفأر بين أقدام الجالسين والقط يراقب سير المكيدة التي حاكها بدهاء، ليكشف للملك سارق الجوهرة الخائن .
وصل الفأر إلى حيث كان يجلس اللص، وبدأ يقضم إحدى أرجل الكرسي الخشبي، ويمعن في قضمه بلا استراحة أو توقف، حتى فقد السارق توازنه على الكرسي ومال ثم هوى، فانكشف الأمر والجوهرة تنزلق من ثيابه، وتتدحرج على الأرض وسط دهشة الجميع من السارق .
ولمّا لم يكن للفأر لسان يساعده على الكلام، فقد وقف على صدر الوزير اللص وراح يقلب نظره بين الجوهرة والملك . هكذا صاح الملك وهلل فرحا بالعثور أخيرا على الجوهرة، وأمر جنده بإلقاء القبض على الوزيروإرساله إلى السجن، ثم مال على الفأر وحمله بين يديه وراح يلاطف أنفه برؤوس أنامله يشكره على حسن صنيعه . والقط يراقب المشهد بفيض من الضغينة والحسد .
ومن وقتها تحولت عاطفة الملك من الهر إلى الفأر، وغدا صديقه الأقرب وحبيبه المفضل، يمتدحه أمام الجميع ويثني على ذكائه وبراعته في كشف الحقيقة . يلاعبه ويعتني به ويتخذه رفيقا له في رحلاته وجولاته حتى نسي القط وأهمله . هكذا ضاق القط بحاله وعاد أدراجه إلى الغابة .
وهكذا غدر الملك بصديقه . وخاب أمل الهر وأشتعل الحقد في قلبه، فصب جام غضبه على الملك وصديقه الفأر، وحرّض الهررة وحذرهم من غدر الإنسان، ثم أصدر وثيقة مكتوبة بعداوة جديدة بين الهررة والفئران . هنا انتهت الحكاية واستغرق الأطفال في النوم.. تصبحون بعافية وخير .