«أعرف أنكم سوف تحكمون عليَّ بالإعدام، لكن يجب أن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة»
الاسم: جميلة بوحيرد..
تاريخ.. ترويه بلادي..
يحفظه بعدي أولادي..
تاريخ امرأة من وطني..
جلدت مقصلة الجلاد..
هكذا جاءت قصيدة الشاعرنزار قباني، مدركاً أهمية تاريخ هذه البطلة . والشعر العربي الحديث يزخر بقصائد تفخر ببطولاتها، ونضالها . لقد كان نضالها شرارة إلهام للشعراء . إنها الثائرة الجزائرية التي استطاعت أن تبهر العالم بنضالها وصمودها، والتي استطاعت ان تثير همة الشعراء ليصوغوا لها قصائد تتغنى باسمها، وتمجد درب نضالها ووقوفها البطولي يوجه الإستعمار الفرنسي الذي اغتصب بلادها، وجعلها ترخّص حياتها مقابل كرامة شعبها .
قد لا يكون هناك اسم نسائي ذاع صيته أيام الإستعمار الأوروبي لشمال إفريقيا، كما ذاع صيت المقاومة الجزائرية جميلة بوحيرد، هذه المرأة التي حُكم عليها بالإعدام من طرف فرنسا جزاء نضالها قبل إلغاء تنفيذه . لكن جميلة، التي “هزمت” بنضالها فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر، توارت عن الأنظار بعد صراع مع الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة وابتعدت ...
لكن أُسطورة الثورة الجزائرية في الستينات من القرن الماضي، لم تكتفي ان تخلد كرمز بطولي لنضال المرأة الجزائرية، بل أنها وفي سنها ال 84 بزغت كالشمس عندما وجدت ضرورة أن يعلو صوتها مع أبناء بلدها الذي ناضلت من أجله، ورخّصت حياتها لأجل قضيته العادلة ضدالإستعمار الفرنسي، فكانت في مقدمة مظاهرات الشعب الجزائري، تسانده في قضاياه العادلة، تهتف معه وتطالب معه بعدم ترشيح بو تفليقة لعهدة خامسة، وأنها أبت الاّ ان تكون بمقدمة المتظاهرين بقضيتهم العادلة، تشد عزمهم وترفع معنوياته، وتؤكد على أن نضالها من أجل الحق لم ينته ...
لقد كانت أسطورة الثورة الجزائزية ضد الإحتلال الفرنسي في الستينيات، وعندما كانت في العشرين من عمرها، ضحت بالكثير وتعرضت إلى ألوان من التعذيب والإضطهاد خلال مسيرة نضالها ضد المستعمر الفرنسي، حتى تحقق النصر، والمتتبع لمسيرة نضالها، والمدرك لهول الصعاب التي واجهتها في درب نضالها، قد يعتقد ان السنين قد أرهقتها، وأنها «تقاعدت» عن أي حراك سياسي أو شعبي، وأنها اكتفت ان تدخل متحف التاريخ كرمز بطولي
لشعبها وحركات التحرر الوطني في العالم كله . لكنها اندفعت بكل حماس وكأن لم يمر عليها كل هذا الزمن وكل هذه الأهوال، لتشارك في مظاهرات الشعب الجزائري، التي بدأت في 22 شباط/فبراير 2019،. وطوال هذا الحراك السياسي احتلت صورها مواقع الـتواصل الإجتماعي والصحف اليومية، وكأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج من متحف التاريخ إلى الشارع الثائر . لكن لا غرابة في ذلك . فإنها ابنة الثورات التي لم تعرف المستحيل . فعندما ارتبط الماضي بالحاضر في الشارع الجزائري الفوار، كانت ايقونة النضال جميلة بوحيرد مع نساء الزمنين في الجزائر، في القلب منه، يثبتن قوتهن عبر التاريخ ليبقين في طليعة شعبهن، للمطالبة بالمساواة والحرية والديمقراطية .
.ولدت جميلة في عام 1935 في حي القصبة، أحد أحياء العاصمة الجزائرية، لأب جزائري مثقف، وأم تونسية، وكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد أنجبت والدتها 7 شبان، ولوالدتها كان التأثير الأكبر في حبها للوطن، فقد كانت أول من زرع فيها ولاءها للجزائر وطنها الأُم، وعلّمتها أن فرنسا ما هي الاّ بلد محتل . رغم سنها الصغيرة آنذاك . واصلت جميلة تعليمها المدرسي ومن ثَم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل لأنها كانت تهوى تصميم الأزياء . مارست الرقص الكلاسيكي وكانت ماهرة في ركوب الخيل .
الجزائر هي أمنا
في زمن الإحتلال الفرنسي كان الطلاب الجزائريون عادةً يرددون في طابور الصباح المدرسي، فرنسا أُمُنا، لكن جميلة كانت تصرخ : الجزائر أًمُنا، لذا أخرجها يوماً ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع، بل هذا الفعل ولّد لديها ميولها النضالية ووضعها على طريق التضخيات من أجل ان تبقى الجزائر هي ام الجزائريين .
مطلوبة رقم !
عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954، انضمت بوحيرد إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، للنضال ضد الإحتلال الفرنسي، وحينها كانت في العشرين من عمرها، ثم التحقت بصفوف الفدائيين، وكانت أول المتطوعات مع المناضلة جميلة بو عزة، التي قامت بزرع القنابل في طريق المستعمرين الفرنسيين، ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1 حتى ألقي القبض عليها عام 1957 عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف، وهكذا بدأت جميلة رحلتها القاسية مع التعذيب، وهكذا خلدت جملتها الشهيرة التي قالتها أثناء القبض عليها :
- «أعرف أنكم سوف تحكمون عليَّ بالإعدام، لكن يجب أن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة»
بعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها بعد ذلك مع بقية زملائها .
لقد أجادت بوحيرد الدور الذي كانت منوطة به، حتى أصبحت المطلوبة الأولى لدى المستعمر الفرنسي، وقد اشتهر اسمها أكثر فأكثر حين قامت بتفجير قنبلة في ملهى يتردد عليه شبان فرنسيون جاؤوا للخدمة العسكرية .
كانت حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير، ومندوب القيادة في المدينة يوسف السعدي . وهذا الأخير كانت تُوزع بشأنه منشورات فرنسية، تعلن عن مكافأة قدرها مائة ألف فرنك فرنسي لمن يأتي برأسه .
دام عملها البطولي هذا ثلاث سنوات، بعدها سقطت بيد الفرنسيين، بعدما كانت متجهة برسالة جديدة إلى يوسف السعدي، فباغتها جندي فرنسي فتح عليها النار وأصابها برصاصة في كتفها أسقطتها أرضا، ظلت على إثرها تنزف دما حتى ألقيّ عليها القبض وهي في غيبوبة، كلما أفاقت من غيبوبتها نطقت “الجزائر أمّنا”، إلى حد أن يئس المعذبون من انتزاع أي اعتراف منها، فحملوها بعد ذلك إلى سجن سركاجي بالجزائر العاصمة المعروف باسم سجن بربروس . عندها، قررت فرنسا، محاكمتها، وصدر عليها الحكم بالإعدام ! ثم عدلوا عن تنفيذه ...