ستّ قصائد من لِي بو

2015-05-31
ترجمة : سعدي يوسف

الجبل الأخضر


تسألُني : لماذا تسكنُ الجبلَ الأخضرَ ؟
أصمتُ ، و لا أُجيبُ .
فأنا طليقُ القلبِ ...

عندما تطفو أزهارُ الخوخِ على الماءِ
ماضيةً إلى المجهولِ ،
فإن لي ، آنَها ، عالَماً
لا يعرفُهُ الناسُ .

قمرٌ على ممرٍّ جبليٍّ

قمرٌ ساطعٌ يَطْلُعُ  على جبل " تيانْ شانْ "
المكلَّلِ بمحيطٍ من الغيمِ .
الريحُ تهبُّ ، عبرَ آلافِ الأميالِ
تهبُّ عبرَ ممرِّ " بوّابةِ اليَشَبِ " .
جيشُ " الهان " مضى في طريقِ " بايتِنْغْ "
بينما قُطعانُ البرابرةِ تحاولُ خليجَ " كِنْغاي " .
قليلٌ هم العائدون من ساحةِ المعركةِ .
الجنودُ في الحاميةِ يتابعون مشهدَ الحدودِ
وهواجسُ البلدِ وآلامُها تُغَضِّنُ وجوهَهم .
وفي غُرُفاتِ الأبراجِ
الليلةَ
لا تنقطعُ تأوُّهاتُ النساءِ .

افتراقٌ في حانةٍ بـ " نان - كينْغْ "

ريحٌ آتيةٌ بهبابِ الصفصافِ
تُنعِشُ هواءَ الحانةِ ،
وساقيةٌ من " وو"  تسقيني
وتسألُني أن أُشاركَ أصدقائي من هذه المدينةِ
الذين جاؤوا يودِّعونني .
وبينما كان كلُّ واحدٍ منهم يُفْرِغُ كأسَه
كنتُ أقولُ له مُوَدِّعاً :
اذهَبْ إلى هذا النهرِ الذي يسيلُ شرقاً
واسألْهُ إنْ كان سيمضي أبعدَ من حُبِّ صديقٍ !

في أعالي النهرِ عند " سيشوان "

ترتفعُ المياهُ
مع هديرِ الرياحِ الأربعِ .
كيفَ لي أن ألقاها الآنَ ،
مُخاطِراً  ، عبرَ السيلِ ؟

العشبُ ينمو أخضرَ ، في الوادي
حيثُ ديدانُ القَزِّ تنسجُ  ، بصمتٍ .

يداها تصنعانِ خيوطاً لن تنتهي .
ومن الفجرِ
إلى الغسَقِ ،
حين يغنّي طائرُ الوقواقِ .
أغنيةُ الـكِـيـر

نارُ الكِيْرِ تتّقِدُ في السماواتِ ،
والمطْرقةُ تُرْعِدُ
وهي ترُشُّ الدخانَ بشَرارِها .
وجهُ القمرِ حدّادٌ متورِّدُ الوجهِ ،
والمطْرقةُ تطْرقُ ودياناً باردةً معْتمةً .

إلى طِفْلَيَّ

في أرضِ " وو" اخضَرَّ ورقُ التوتِ .
وللمرة الثالثةِ رقدتْ ديدانُ القَزِّ .
في شرقيّ " لُوه " حيثُ تُقيمُ عائلتي .
أتساءلُ : مَن يبْذرُ حقولَنا ، تلكَ ؟
لا أستطيعُ العودةَ إلى أشغالِ الربيعِ ،
وليس بإمكاني إسداءُ العونِ ، وأنا مسافرٌ على النهرِ .
ريحُ الجنوبِ تُذَرِّي حنيني
وتحملُه إلى واجهةِ حانتي الأليفةِ .
هناك ، أرى شجرةَ مشمشٍ ، على الجانب الشرقيّ من البيتِ ،
شجرةً ثخينةَ الأوراقِ
مائجةَ الأغصانِ في الضبابِ الأزرقِ .
إنها الشجرةُ التي زرعتُها ، منذُ سنينَ ثلاثٍ ، قبلَ ارتحالي .
شجرةُ المشمشِ 
عاليةٌ الآنَ
عُلُوَّ سقفِ الحانةِ .
بينما أنا أُطَوِّفُ ، بلا عودةٍ .
" بِينْغْ يانْغْ " ، يا بُنَيّتي الجميلة
أراكِ واقفةً عند شجرةِ المشمشِ
تقطفين الزهورَ .
لكني لستُ هناكَ .
دموعُكِ تسيلُ مثل جدولٍ !

" بو شِنْ " ، يا طفلي الصغير
لقد صرتَ طويلاً
تُطاوِلُ كتِفَ أختِكَ .
أنت ، معها ، تحت شجرةِ المشمشِ .
لكنْ ، مَن هناكَ ، لِيُرَبِّتَ على ظَهرِكَ ؟

حين أُفَكِّرُ بهذه الأمورِ
تخْذِلُني قُواي .
ويُقَطِّعُ قلبي ، كلَّ يومٍ ، ألَمُ حادٌّ .

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved