ترجمة : سعدي يوسف
الجبل الأخضر
تسألُني : لماذا تسكنُ الجبلَ الأخضرَ ؟
أصمتُ ، و لا أُجيبُ .
فأنا طليقُ القلبِ ...
عندما تطفو أزهارُ الخوخِ على الماءِ
ماضيةً إلى المجهولِ ،
فإن لي ، آنَها ، عالَماً
لا يعرفُهُ الناسُ .
قمرٌ على ممرٍّ جبليٍّ
قمرٌ ساطعٌ يَطْلُعُ على جبل " تيانْ شانْ "
المكلَّلِ بمحيطٍ من الغيمِ .
الريحُ تهبُّ ، عبرَ آلافِ الأميالِ
تهبُّ عبرَ ممرِّ " بوّابةِ اليَشَبِ " .
جيشُ " الهان " مضى في طريقِ " بايتِنْغْ "
بينما قُطعانُ البرابرةِ تحاولُ خليجَ " كِنْغاي " .
قليلٌ هم العائدون من ساحةِ المعركةِ .
الجنودُ في الحاميةِ يتابعون مشهدَ الحدودِ
وهواجسُ البلدِ وآلامُها تُغَضِّنُ وجوهَهم .
وفي غُرُفاتِ الأبراجِ
الليلةَ
لا تنقطعُ تأوُّهاتُ النساءِ .
افتراقٌ في حانةٍ بـ " نان - كينْغْ "
ريحٌ آتيةٌ بهبابِ الصفصافِ
تُنعِشُ هواءَ الحانةِ ،
وساقيةٌ من " وو" تسقيني
وتسألُني أن أُشاركَ أصدقائي من هذه المدينةِ
الذين جاؤوا يودِّعونني .
وبينما كان كلُّ واحدٍ منهم يُفْرِغُ كأسَه
كنتُ أقولُ له مُوَدِّعاً :
اذهَبْ إلى هذا النهرِ الذي يسيلُ شرقاً
واسألْهُ إنْ كان سيمضي أبعدَ من حُبِّ صديقٍ !
في أعالي النهرِ عند " سيشوان "
ترتفعُ المياهُ
مع هديرِ الرياحِ الأربعِ .
كيفَ لي أن ألقاها الآنَ ،
مُخاطِراً ، عبرَ السيلِ ؟
العشبُ ينمو أخضرَ ، في الوادي
حيثُ ديدانُ القَزِّ تنسجُ ، بصمتٍ .
يداها تصنعانِ خيوطاً لن تنتهي .
ومن الفجرِ
إلى الغسَقِ ،
حين يغنّي طائرُ الوقواقِ .
أغنيةُ الـكِـيـر
نارُ الكِيْرِ تتّقِدُ في السماواتِ ،
والمطْرقةُ تُرْعِدُ
وهي ترُشُّ الدخانَ بشَرارِها .
وجهُ القمرِ حدّادٌ متورِّدُ الوجهِ ،
والمطْرقةُ تطْرقُ ودياناً باردةً معْتمةً .
إلى طِفْلَيَّ
في أرضِ " وو" اخضَرَّ ورقُ التوتِ .
وللمرة الثالثةِ رقدتْ ديدانُ القَزِّ .
في شرقيّ " لُوه " حيثُ تُقيمُ عائلتي .
أتساءلُ : مَن يبْذرُ حقولَنا ، تلكَ ؟
لا أستطيعُ العودةَ إلى أشغالِ الربيعِ ،
وليس بإمكاني إسداءُ العونِ ، وأنا مسافرٌ على النهرِ .
ريحُ الجنوبِ تُذَرِّي حنيني
وتحملُه إلى واجهةِ حانتي الأليفةِ .
هناك ، أرى شجرةَ مشمشٍ ، على الجانب الشرقيّ من البيتِ ،
شجرةً ثخينةَ الأوراقِ
مائجةَ الأغصانِ في الضبابِ الأزرقِ .
إنها الشجرةُ التي زرعتُها ، منذُ سنينَ ثلاثٍ ، قبلَ ارتحالي .
شجرةُ المشمشِ
عاليةٌ الآنَ
عُلُوَّ سقفِ الحانةِ .
بينما أنا أُطَوِّفُ ، بلا عودةٍ .
" بِينْغْ يانْغْ " ، يا بُنَيّتي الجميلة
أراكِ واقفةً عند شجرةِ المشمشِ
تقطفين الزهورَ .
لكني لستُ هناكَ .
دموعُكِ تسيلُ مثل جدولٍ !
" بو شِنْ " ، يا طفلي الصغير
لقد صرتَ طويلاً
تُطاوِلُ كتِفَ أختِكَ .
أنت ، معها ، تحت شجرةِ المشمشِ .
لكنْ ، مَن هناكَ ، لِيُرَبِّتَ على ظَهرِكَ ؟
حين أُفَكِّرُ بهذه الأمورِ
تخْذِلُني قُواي .
ويُقَطِّعُ قلبي ، كلَّ يومٍ ، ألَمُ حادٌّ .