الرواية ترقيميا من (15) مرقمة . قراءتي تقسم الرواية إلى فصلين
الفصل الأول من ص5 إلى ص 112 هو زمن البغي الفاضلة ملحة
الفصل الثاني : من ص112 إلى ص219 يتشكل منه زمن ما بعد ملحة
(*)
ثريا النص هي (الأخرس)، لكن الرواية تحتوي ثلاثة أخارِس : شامان ومحسن وحبيب ولكل أخرس سماته الخاصة وفترة محدودة في المشهد السردي، أقلهم حصة هو شامان الذي يموت أثر الاعتداء عليه . مساحة شامان السردية من ص5 إلى ص18، لكن مساحته الصغيرة عميقة كهاوية .
(*)
أحداث الرواية، لا تثبت زمناً ولا إسماً للمدينة التي تقع فيها قرية الحنظل .
في ص205 نقرأ الجملة التالية التي تؤكد على وجود القوات البريطانية ومخازنها
وهناك من يعمل مع الجيش البريطاني، ويسرق دزينة من قناني خمر فاخرة .
كقارئ من أهالي البصرة : أرى أن المكان هو الشعيبة حيث تعسكرت القوات البريطانية فيها خلال الحرب العالمية الثانية .
(*)
في تلك الفترة ضمن التسميات الإدارية كانت المدن العراقية ألوية ً فنقول لواء البصرة، جاء في ص205 من الرواية يخبرنا السارد عن الشخصية الشريرة : ((كايد ) ذلك اليوم كان في المحافظة.. ) !! مصطلح محافظة لم يتأثل بعد . وقبل ذلك هناك العلامة التالية حين يخرج مأمور مركز الشرطة علبة تبغه الجديدة ( والتي كانت بلا فلتر وقدم سيجارة له../ 38) وهناك التحالف بين بعض المراجع الدينية والإقطاع يؤكد إن الاحداث تدور في الزمن الملكي (الفلاحون لا يعتقدون بالتعليم لأنه يفسد أبناءهم كما أن أكثر مراجع الدين قد حرّموا التعليم لأنهم يحسبون الانخراط في أعمال الدولة من الذنوب الكبيرة../ 45) وهذه السردية تحيل إلى أوائل القرن العشرين. وهناك علامة أخرى يخبرنا بها المؤلف من خلال السارد الحيادي (قرية الحنظل كان يملكها أربعة إقطاعيين / 41) أن فضاء الرواية هو البصرة، من خلال هذه الدالة (وجدت ملحة المنغولي، عارياً وفي يده خبزة مطلية بحلوى نهر خوز../ 18) وهذا النوع من الحلوى يحيل إلى منطقة أبي الخصيب فهي التي تنتج هذه الحلوى . وتصدرها إلى مركز المدينة ومنه إلى الأقضية والنواحي، لكن هذا الاستنتاج لا يعني من جانب ثان إن الجريمة وقعت في أبي الخصيب .
(*)
جريمة الاعتداء الجنسي على شامان المنغولي التي أماتته، لحظة قراءتنا لها في ص15 تستفز القارئ، فهي من الجرائم المقبوحة يندى لها الجبين (قبل غروب الشمس بقليل.. كان صراخه يغتصب بكارة المغيب، قطعت (ملحة) صلاتها وركضت مسرعة صوب الصوت، وقبل أن تصل شاهدت أربعة أشباح تفرُّ وتختفي بين النخيل) .. لكن حين توصلنا القراءة إلى ص216 ونقرأ بوح (نارين) إلى (سلوى) نرى أن الكفة تعادلت : شامان أرتكب زنى المحارم أربع مرات.. وبتحفيز من نارين أخته !! السرد المؤخر لهذه الجريمة الكبرى جاء في صالح فعل القراءة، وبصفتي كقارىء حين وصلتُ لهذا البوح المقزز في ص 216، عدتُ إلى ص 20 لا لأصحح نظرة ملحة بل كلام السارد الذي يصف رؤية ملحة للمشهد، بعد عودتها من تهديدها للقرية وهي تراهما (جسدين عاريين متلاصقين، ملطخين بالدم والمني، كانا غافيين.. كان جسم ملحة كله يبتسم ويشعر بالبهجة وهي تراقب هذه اللوحة التي رسمها الله في بيتها..) يبدو أن السارد تماهى في مشاعر ملحة، ولم يستدرك بطريقة فنية ويتوقف عند الجار والمجرور (هذه اللوحة) لو توقف هنا لكان السرد موضوعياً حيادياً لا نعترض عليه لكن في قول السارد (رسمها الله ) !! مسألة ٌ فيها نظر!! . والمسألة الثانية : إذا كان شامان قد تعرض إلى اعتداء جنسي جماعي . فالسؤال هنا : من أين له القدرة على فعل الجنس أربع مرات مع نارين ؟ كقارئ أقول ذلك لأن كل فعل روائي يجب أن يتوفر فيه أسباب الأقناع بنسبة عالية .
(*)
كقارئ . أعود إلى تكرار قراءة الرواية : السطور الأولى من الصفحة الأولى (لا أحد يعرف حقّا من أين جاء هذان الطفلان ؟ طفلة عمياء في التاسعة من عمرها وزوجها المجنون ذو الملامح المنغولية الذي كان عمره أربعة عشر عاما/ 5) هنا نكون إزاء سردية تاريخية.. تليها سرد اللسان (كانا يتحدثان بلغة ٍ غريبة، لم يستطع أحد أن يفهمها على مر السنين) وهذا يعني أنهما تعايشا مع أهل القرية من خلال قول السارد ( على مر السنين) وهناك سردية ذات شاحنة جغرافية، أنهما كانا يقصد الحج مع والد زوجها ثم مات الرجل وقاما بدفنه في الطريق الصحراوي وهذا الطريق يبعد عن قرية الحنظل (مسافة ثمانية أيام للماشي ويومين للراكب المستعجل) . إذا كان أهل القرية لم يسألوا (عن كيفية تمكن هذين الطفلين من النجاة وعثورهما على القرية رغم عدم توفر وجود الماء والطعام في ذلك الطريق المخيف الذي تسرح فيه الذئاب والخنازير../6) وبشهادة السارد بالضبط ( لم يسأل أهل القرية عن كيفية تمكن هذين الطفلين من النجاة وعثورهما على القرية/ 6) في هذا الصدد أقول : القرى آنذاك حالة قارة ولا يمكن أن لا تكابد من صدمة تلقي من هكذا حدث ؟ وتنسج قرية الحنظل عليه الأقاويل وتنشغل القرية مدة ً في التلاسن فيما بينها حول ذلك.. وفي السطر الثالث من الرواية يقول السارد (كانا يتحدثان بلغة ٍ غريبة، لم يستطع أحد أن يفهمها على مر السنين) هذه السردية الصغرى يفندها التدريب اللساني الذي اجهدت نفسها (ملحة) من تعليمهما ونجحت نوعاص . وبهذا النجاح تفند ملحة قول السارد، بقول ثان للسارد نفسه (..فأنها وبحنان مركّز استطاعت أن تلقن الطفلين بعض الكلمات كما لو أنهما لم يتجاوزا السنتين، كانت تعيد عليهما الكلمات آلاف المرات وبكل الطرق وبحب، تأخذ المخبول معها إلى الحقل وتعلمه أسماء النباتات والأشجار والحشرات وطريقة زراعة بعض الخضار وتسلق النخيل وقلع الأعشاب الضارة.../ 10) وهكذا حصل المنغولي شامان على تدريبين : لساني ومهني.. حين يعود شيخ شريف من الحج ويراهما قرب باب المسجد ويعرف حكايتهما من أهل القرية، يخطب في أول صلاة جمعة معلنا (لم يسمع من قوافل الحجاج الكثيرة التي عادت معهم على الطريق نفسه، أنهم تركوا مريضاً/ 6) ويحق للقارئ أن ينضد كلام شيخ شريف ضمن المحتمل (أن الطفلة العمياء وزوجها المخبول لم يكونا سوى غجراً رحالة أو أنهما اقترفا ذنباً ما وهربا من بلدهما) ويتضح تلفيق نارين وشامان، خلال كلام ملحة مع الضابط جمعة (منذ خمسة سنوات جاءني طفلان ضائعان، يتكلمان لغة غريبة، فهمتُ منهما أنهما تاها عن قافلتهما المتوجهة إلى مكة، منذ ذلك اليوم حتى هذه اللحظة لم يسأل عنهما أحد، بالرغم من أني في كل سنة أذهب لملاقاة الحجيج وأسألهم عما إذا كانوا قد أضاعوا طفلين والكل يخبرني بالنفي../22) .
(*)
زواج الرهط كان شائعاً قبل الإسلام، لكن وجوده في رواية (الأخرس) تستفز قراءتي، خصوصاً وزمن الرواية هو القرن العشرين والبيئة هي ريف البصرة، زكي الوادي يهرب من (الصبير) قريته السابقة ويقصد قرية الحنظل وسبب الهروب أن المالك حمد الملاح أمره( إرسال نهلة زوجة أبنه البكر للخدمة) لكن هروبه (ليس خوفاً على شرفه وشرف نهلة من حمد الملاح وأولاده، بل خوفا من أن تموت من كثرة الاستخدام، مما يضطر للبحث عن زوجة ٍ جديدة ٍ لأبنائه وهو في قمة فقره/ 47)!! أضع بين قوسين (زوجة جديدة لأبنائه) !! وهذا يعني إن نهلة : مفردة للجميع، فهي مال ورأس المال الجنسي للعائلة (المقربون من زكي في قرية الصبير، يعلمون بأنه حين زوّج أبنه البكر، كان هدفه إحضار زوجة مشتركة لكل أبنائه حتى يتمكن من تزويج الباقين، كما فعل وإخوته الأربعة، قبل أن يحصل كل منهم على زوجته الخاصة/ 47) !! أين ذلك في ريف البصرة الطيبة ؟ وهل المقربون لم يتسرب منهم ما يجري في بيت زكي إلى رجال الدين الذي كانوا يقصدون الريف في المواسم الدينية ؟! وما الذي يجعل قرية متمسكة بعشائريتها أن تحتمل كل هذا الزنى الجماعي ؟
(*)
نتوقف عند الشخص المؤثر في قرية الحنظل : الشيخ كامل الصوّان شيخ عشيرة الصوّان الذي نال المشيخة عن أبيه رغم أنه الأبن السابع : وهناك ثلاث روايات حول ذلك :
رواية على لسان الشيخ
رواية على لسان إخوته
والرواية الثالثة : على لسان (ملحة) يرويها شيخ كامل الثمل ليلتها : يكتشف شيخ شيوخ عشيرة الصوّان (أن أمرأته الصغيرة، أجمل نسائه وأشرفهن، كانت تخونه مع أحد عبيده، والمرأة الصغيرة هي أم كامل الذي سيكون شيخاً بعد أبيه، يذهب كامل ويعرف من أمه أن والده ضبطهما في فراش الزوجية، وهذه الخيانة بتوقيت الأسبوع الأول من زواجهما !! وكانت النتيجة هي مكافأة ابن الزنى كامل وجعله شيخاً وحتى يكون أهلاً للمشيخة ينفّذ سلطته في الزاني ويقتله خنقا في النهر .
غلق الجريمة بجريمة . والمفتاح التبريري في مخاطبة الأم الزانية لولدها ولد السفاح
(وحتى لا يتجرأ أحد ويدعي أنك لست أبنه أورثك مشيخة العشيرة.. ولن يصدق أحد أو يتخيل بأن الزايرراضي سلم عرش العشيرة ولد زنا/ 50) .
(*)
كامل : أبن زنا يحكم العشيرة
حبيب : أبن زنا يقتل لأنه بلا عشيرة وبلا عاهرة مثل (ملحة) تحميه
يا لها من قرى : يكفي التأمل في أسمائها : قرية الصبير / قرية الحنظل
(*)
فهرس الفعل الجنسي في رواية الأخرس
*اغتصاب ملحة/ 15
*اغتصاب شامان الأخر/17
*زواج الرهط / 47
*نارين مشروع اغتصاب/65
*زوجة الشيخ كامل تخونه مع أحد عبيده
*نارين : زنى المحارم مع أخيها شامان/206
(*)
مفهوم البغي الفاضلة : تجسده ملحة، نتعرف إليها سردياً في ص39 وثمة ومضات تداعي إلى أزمنتها السابقة / 41- 42
(*)
الخرس في رواية (الأخرس) للروائي زيد عمران لا يخص الكلام فقط . ترى قراءتي ثمة خرس يطوق أنظمة السلوك الجمعي لدى شخوص الرواية وهذا الخرس استقوى خارج الرواية ويكابده المجتمع في السلوك الشخصي وفي مؤسسات الدولة .
زيد عمران/ الأخرس/ دار الحلاج/ بغداد/ ط1/ 2019