ســـينِمــا !

2015-10-29

   (1)
عدن 1986

كان المطارُ بعيداً ...
كان أقربَ من خنجرٍ سيحزُّ الرقابَ التي عرفَتْ
كيفَ ترفعُ ، حتى المدى ، عدَناً ، كيف ترفعُ أسماءَنا
في سماءٍ شتائيّةٍ ، نحو ما كان أبعدَ حتى من البُعْدِ :
كيفَ تكونُ اشتراكيّةٌ ، في جزيرتِنا العربيّةِ ...
كيف تكونُ السماءُ جنوبيّةَ .
كيفَ يستقبلُ البحرُ دفءَ النســاءِ  وأجسادَهُنّ...
المطارُ بعيدٌ
ومِن مُرتبىً عند ساحلِ أبْيَنَ
جاءتْ ، تُقَعِقعُ ، خمسون دبّابةً  .
قالوا  : همُ الروسُ .
قالوا : همُ المسلمون الأُلى هبطوا من جبال الشمالِ ،
وقالوا : هم الجِنُّ ...
كان المطارُ بعيداً ...
لقد ذبحوا كلَّ مَن قادَ  طائرةً في سماءٍ جنوبيّةٍ .
ذبَحوا أن تكون اشتراكيّةٌ في جزيرتِنا العربيّةِ
حتى الأبدْ !


(2)
نُزْلُ إفريقيا

نُزْلُ إفريقيا التونسيُّ ، الـمُـطِلُّ على ما أريدَ لها أن تكونَ البُحيرةَ ،
يُشْبِهُ خارطةً من سِمَنْتٍ لإفريقيا .
ولكنّه  ليس يُشْبِهُ إفريقيا :
الغرُفاتُ تدورُ مع المتوسِّطِ
والشرُفاتُ فرنسيّةُ
والمآكلُ من صحنِه التونسيّ ...
ولكنّ لي غرفةً فيه ، أوسَعَ من نُزْلِ إفريقيا
غرفةً للعجائبِ
أو للمَثالِبِ
أحببْتُ فيها التي أدخلَتْني إلى كهفِها في مساءٍ نَدِيٍّ ،
( مَصعَدٌ نحوَ غرفتِها كان يبدو بطيئاً )
كنتُ منتظِراً أن يطولَ حديثُ الوسادةِ،
لكنها لم تُطِلْ في حديثِ الوسادةِ :
 أدخلَتْني إلى الكهفِ هادئةً ،
أدخلَتْني متاهتَهُ ...
كنتُ مسترخياً
قائماً
ناعماً بالرطوبةِ
والضِّيقِ
في كهفِها ...
وهي هادئةٌ  ، تتقلّبُ في نُزْلِ إفريقيا ...
.................
.................
.................
منزلَ الغُرُفاتِ الـمَتاهاتِ
يا منزلَ اللاتِ
يا نُزْلَ إفريقيا !

        (3)

بافوس   Paphos

عند مرفأِ بافوس
كان أغارِقةٌ في الرصيفِ الـمُنَدّى
يُغَنّونَ  في لَهفةٍ :
بَجَعٌ ! Pelican
بَجعٌ !Pelican
بَجَعٌ !Pelican
وعلى صخرةٍ  قربَ قاربِ صيدٍ
تَكَوَّمَ ضيفٌ ثقيلٌ
سيبقى هنا أبدَ الآبدين ...
بَجعٌ مضحِكٌ
وثقيلٌ .
لكَ الحمدُ ، مرفأَ بافوس ...
حمداً
وشكراً
لِما يهَبُ البحرُ والطيرُ
من أغنياتٍ وأجنحةٍ
للبشَر !

(4)

نانتاكِت  Nantucket

قال هِرمان مَلْفِلْ :
أراكَ تداعبُني ...
تعبرُ البحرَ من " كَيبْ كود " لتأتي إلى نانتاكِت !
هل ظننتَ مُقامي هناكَ ؟
أتحسَبُ تلك السفينةَ "إيْسَّكْس " كانت ؟
وهل " موبِي دِكْ " كان حوتاً ؟
مَطاعمُ هذي الجزيرةِ ، أسماؤها ، وسماواتُها  ، منهُ
مني ...
ولكننا ، أنا والحوتَ ، من كوكبٍ آخرَ .
الآنَ
أرجوكَ ، عُدْ  نحو " كَيبْ كود " من حيثُ جئتَ .
السفينةُ تأخذُ آخرِ رُكّابِها ...
اسْرِع الآن !
اسْرِعْ ...

                     (5)

حَيُّ السُّـلّم    في آب 1982

قد كان " حَيُّ السُّلّمِ " المهجورُ ، أقصى ما سنبْلغُهُ .

لقد بدتْ بالقربِ دبّاباتُ شارونَ القبيحةُ . 
هكذا أبصرتُ واحدةً تَرَنَّحُ فوقَها أشجارُ رُمّانٍ .
لقد كانت هناكَ . وثَمَّ مدْرسةٌ لهندسةٍ.
 أنعرفُ  مقصداً ؟
خطواتُنا محدودةٌ  ، و الأفْقُ دربٌ ضيِّقٌ . 
قد غادرَ الناسُ المنازلَ . 
نحنُ بين عِضادَتَينِ ، ننوءُ من طينٍ وشوكٍ .
أين نمضي ؟ قال عبدُ الله : نمضي نحو مَوقِعِنا ...
ونمضي ؛
قال عبدُ الله : فلْنَهبِطْ ...
هبطْنا .
كان موقعُنا يواجِهُ شِبْهَ عارٍ  ، دِرْعَ شارونَ القريبَ .
يقولُ عبدُ الناصرِ الآتي من السودانِ :
لن أُخفي عليكُم  حالَنا في الموقعِ
الأحوالُ قاسيةٌ .
ونحنُ هنا ، لمجرَّدِ التعويقِ ...
لا تتطلّعوا !
إن العدوَّ أمامكم  ...
بالقُرْبِ ،
تحت شُجَيرةِ الرمّانِ  ...

لندن 19.01.2015

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved