عطور لظلالهن ...
إلى.. أثير رحيم .
الكائن النصي السردي في رواية بلقيس خالد ( كائنات البن ) يشتغل على تعديد مزدوج في : السرد / العلاماتي وهذه التعديدية، لا تتتقدم نحو فعل قراءتنا دفعة واحدة بل تسيح ُ بطيئا مثل خيوط الفنجان، فالكتمنة المنبثة من حيوية العلاماتية في النص . تزدهر/ تتأرج بفعل القراءة المتأنية وهذا التأني هو الذي يفتح شهيتنا لتعدد قراءآت النص . هنا تبرز وظيفة التعديد فهي التي تتحكم بحركة النول في نسيج الكلام وهي التي تتنقل بمقدار موزون بين الشخوص في النسيج .. والسارد الرئيس هو بحق ( راوي الرواة ) يقوم بالأشراف السردي على تفرعات الحكي وتوزيع الوظائف السردية والميتا سردية من قبل بلقيس خالد مؤلفة النص الروائي . والوظائف السردية تشمل الفصول كلّها بإستثناء الفصل الأخير( مابعد السرد – ماقبل البن ) فهو ميتا سرد، أو مايطلق عليه ( الرواية الواعية بذاتها ) تلاحظ قراءتي المنتجة ثمة تعديد صوتي يتماثل حكائيا في الرواية :
*قارئة الفنجان
*سرد الحجر
*فريق التنقيب .
*سرد رسومات الكهف
*سرد الفوتوغراف
*الأم المفجوعة ب 1700 شهيد عراقي
*البنت العاشقة
*الأب وعائلته في محل الأزياء
*العائد إلى مدينته المغتصبة للتو
(*)
للعنونة وظيفاتها، فالجمالية مشعة بتفردها المميز( كائنات البن ) وهنا سحرية العنونة، التي تتسبب في تموجات فضول القارىء.. وجمالية العنونة مشروطة بوظيفتها الشعرية تبثها شاعرة/ شعرنة فتنة السرد بتوقيت روايتها الأولى، أعني بلقيس خالد.. وهناك وظيفة أخرى للعنونة، يطلق عليها جيرار جينيت ،، الوظيفة الوصفية،، تحتوي داخلها عدة وظائف : الموضوعاتية – الخبرية – المختلطة . أما الأم أعني الوظيفة الوصفية فهي تقوم بتكليم النص لأن العنوان ،، يقول عن طريقتها شيئا عن النص /87- عبد الحق بلعابد ) البن موجود في الفضاء الروائي بأستعماله الرئيس في بيوتنا فنحن نحتسيه وهناك من تدعي أو تجيد قراءة الفنجان وهناك من يستعمل مايتبقى في الفنجان كقناع جمالي للوجه .. إلخ .. وهو في الرواية يستعمل للفعل الأستباقي القريب .. ( من خطوط الفنجان .. بعينين احتشدت فيهما كل سؤالات النساء وقفت تتأملني .. /16 ).. وللقهوة فعل استقواء ٍ ( صببت ُ قهوة في الفنجان : أشرقت الأشرعة /13 ) ..
(*)
السارد الأول هو البن وفضاء المسرود هو الفنجان وبإنزياح رشيق يمكننا القول ( الفنجان : رسام سريالي ../97 )..والفنجان هو رابط تفاعلي للبشارة المبثوثة من قارئة الفنجان .. ( عسى تبشرنا عن أبناء جارتنا../24 ) .. لكن ثمة مشروطية للسرد البن تؤكدها العنونة الما قبل الأخيرة في الرواية : ( لولا الماء والنار : أبكم هذا الفنجان../96 ) .. ويشهد بذلك السارد الثاني/ السارد المشارك في صوغ الحدث والتروية ( إلى الآن لم أعرف أن الفنجان عالم آخر تسير في شوارعه الكائنات وتحكي قصص الخيال الحياتي، الديني، العلمي.. كائنات مستنسخة تتمرد على الأصل تتلبس أشكالا عدة .. كائنات تحلق أحيانا وتزحف .. تأخذنا معها تحركنا كيفما تشاء.. بإمكانها ان تجعلنا نبتسم وبامكانها أن تزرع بروحنا غابة الكآبة ../ 77 ) .. لكن سرد البن ليس حروفيا، قد يحتوي حرفا أو أكثر، سرد البن ليس مسطورا، هو معّلمٌ أعني علاماتيا : ترسيمات/ خطاطات/ وجوه / عيون/ خطوط .. إلخ .. ثم يأتي بعد ذلك من يفكك العلاماتي ويمليه شفاهاً علينا وهكذا سرد البن، من صمته إلى عينيّ قارئة الفنجان ومن العينين إلى شفتيها.. وهكذا الأمالي تتمرحل نحونا .. ( هذا الفنجان: عين ٌ.. هو يرى مالاتراه عيني .. / 60 ) ..
(*)
متوازيات السرد : هما سردان بالتوازي بينهما برزخ : سرد رسومات الكهف والسرد الرئيس في الرواية . المسرود في الكهف : جدارية سردتها الفرشاة أو حفرتها الأيدي بأحجار مسننة.. وهذا المسرود هو وجيز الحدث الروائي في رواية ( كائنات البن ) يتضافر الفني والتاريخي في ضفيرة واحدة لتثبيت ماجرى كوثيقة للمستقبل ومافي ص9 وهي الصفحة الثانية من الرواية هي قراءة لما جرى في المدن العراقية المغتصبة في 2014 على يد الأوغاد الدواعش وبين قراءة الرسومات والحدث الأجرامي فاصلة زمنية نحو المستقبل حيث يملي السارد على رفقته تفكيكه لشفرات الرسوم .. ( تأمل : نسوة .. نسوة خائفات من أمرٍ ما.. صورة رسمت على جدارن هذا الكهف أنظر هناك امرأة في لحظة مخاض تتأوه.. وهن يطلبن منها كتم أنفاسها من أجل الحياة .. الحياة المشترك .. ثمة من يبحث عنهن من خلال أصواتهن .. / 10 ) .. وقراءة الرسوم تشترط صمتا ( عليك بالصمت أنت تربك المكان بضجيج موهوم ) والسارد والمسرود لهم : فريق عمل يبحثون عن الأحفوريات في الكهوف ( نحن المنقبون بالوراثة عن التأريخ سعيا لحاضرٍ خضل .. /9 ) .. وهذه الجدارية ستكون تقنية برزخ بين زمنين .. وسارد الرسومات يقوّم بتحويلها من السكون إلى الحركة .. ( أنظر هنا.. المرأة تتلوى من ألم الولادة أنظر أنها تحاول ../ 10 ) ثم ينتقل إلى حركة الأوغاد ..( يحاولون الوصول إلى حبل الصوت .. هم برعونة يتقدمون، هن بخبرتهن يقاتلن الآلام، لم تعد تستطيع تلك المرأة.. /10 ).وثمة زمن ثالث :هو جسرٌ بين الزمنين أعني زمن بعد وقوع الكارثة وبحث العوائل عن مصائر أولادها والتوسل بالغيب متجسدا بقراءة الفنجان : ( ابتسمت تلك المرأة التي في الجانب الآخر.. قائلة : هل سأطيل الصمت والنظر إليك وأنت تحدقين منذ أكثر من نصف ساعة بهذا الفنجان ؟؟ لماذا الصمت قولي ماترين وسأصدقك أريد .. أن أسمع صوتك../ 11 ) هنا سيحدث ( تداعي أفعال ) من الجملة الأخيرة فينتقل السرد إلى زمن رابع في خطوات للخلف في الزمان/ المكان.. ( من الذاكرة قفز هذا الصوت ..: ماذا تريد ..؟ ناديتني ..
- نعم أريد سماع صوتك اجلسي قربي وتحدثي .. / 11 )
وبعد عشرة أسطر حوارية، يعود السرد إلى فريق العمل المنقبين في الكهوف .. وحين يأخذ ( أحدهم حجراً وراح يخدش ما حاول الرجل الأول إظهاره من رسومات على جدار الكهف .. وتقدم آخر بمنديل ومررّه على جدار الكهف ليمحو صورة النساء والوليد.. تراجع الرجل الأول وهو يحذرهم : أنتم أثرتم ضجة وهاهي تزحف باتجاهكم أمواج نارٍ وماء.. / 12 ) بعد نقطتين أفقيتين ينتقل السرد إلى زمن المجزرة والنسوة في الكهف ( نلنا.. منهم : صاحت النسوة إنهم يتساقطون واحدا واحدا على حافة الجبل ) ويعود السرد في سطرٍ إلى زمن التنقيب ثم العودة إلى زمن امرأة الفنجان ( من..؟ تساءلت المرأة المنتظرة قراءة الفنجان، هل ولدي معهم ؟ قلبت قارئة الفنجان فنجانها .. ونظرتها بصمت .) .. ثم يعود السرد إلى زمن المجزرة في وجهها المقبوح الآخر أعني سبايكر وهنا نكون في سرد المونتاج : لقطة لامرأة لدى قارئة الفنجان، لدينا امرأة ( ابنها الذي في بلاد الغربة لم يتصل منذ أيام../ 14 ) الأم قلقة عليه .. قلقها / حدسها توأم اليقين لكن جهويته مراوغة وبشهادة قارئة الفنجان ( قلبها في مكان وما تخافه في مكان آخر/ 14 ) ثم ينتقل السرد/ المونتاج إلى المكان الآخر.. ( تكلم أيها الجندي.. لماذا خرجوا بثياب مدنية ؟ تكلم ماذا يحدث ؟ مَن أعطاهم الأوامر ؟ صوت آخر: سيدي علينا ترك المكان حالا ً.. /15 ) ثم يعود السرد في لقطة ثالث إلى المنقبين في الكهف ( آه.. آه.. كابوس.. رفع عن الوسادة رأسه.. ) فيخاطبه صديقه : ( كيف لاتزورنا الكوابيس ونحن نعمل كل الوقت في دراسة الدوارس ونحوم على تركات الموتى../ 15 ) .. نلاحظ أن السرد يخاطب في القارىء : فطنته ُ ودقة متابعة النص في حركاته المكوكية : بين الأزمنة وإلى الأشخاص .. ( على خطوط البن، امرأة تتعلم ثانية ) تحت هذا العنوان الفرعي يشتغل الفصل الثالث من الرواية ..
(*)
نلاحظ كيف يتداخل الزمنان في صفحتيّ 10- 11 : أعني زمن التنقيب وزمن الحدث
وهكذا سيتواصل السردان بالتوازي ..
(*)
هناك سرد من طراز آخر سأجترح له تسمية تعود براءة إختراعها لي أنا كاتب المقال : تدوير السرد بالوجيز : الأم في فصل ( بتلك العشبة : أقود جهات ٍ نحو بوصلتي ) ما أن تذهب إلى بيت قارئة الفنجان حتى تعود سريعا وتخبر ابنتها عن الحادث الذي جرى في فصل ( زهرة برية في دخان الأزياء ) .. ( المسكينة قارئة الفنجان .. وجدوا ابنتها وزوج ابنتها وحفيدتها في سيارتهم بالقرب من محل أزياء ميتين .. يقولون حدث تصادم أثناء انفجار عبوة ربما قتلتهم الشظايا أو.. التصادم أو الصدمة لاأدري ماذا.. ) هنا حصل َ القارىء على نصف تفكيك لشفرة فصل ( زهرة برية ... ) أم نصف الشفرة الثاني فهو تكملة كلام المرأة ( .. ما وصلوا للسوق ولا اشتروا البدلة التي تمنتها حفيدتها.. الإنفجار أوصلهم للآخرة / 25 ).. مابين القوسين يجعل القارىء يعيد قراءة فصل ( زهرة برية ... )
سيدرك حينها أن سرد الفصل كان مرآويا .. الأشباح هي العائلة ذاتها .. ويمكن أن أطلق على هذا النوع من السرد هو سرد التوهيم : وهذا أجتراحي الشخصي لتسمية هذا النوع من السرد.... وهذا النوع سيكرر مرة ثانية في الأجابة على أسئلة الصحفي في نهاية الرواية ../ ص66
(*)
سيادة الحيز في الرواية وهذه تنويعاته :
*الفنجان
*الكهف
*محل الأزياء
*الكوابيس
(*)
السرد كفعل لا يستعمل الخطوط الأفقية المستقيمة ولا سلالم السرد . السرد له حرية الحركة الصامتة / المتخفية، المقلوبة والمتعرجة من قعر الفنجان إلى فوهته ومن الفوهة إلى مدورة الماعون، تلتصق شفة الفنجان بقاعدة الماعون بإنتظار إكتمال السرد وحتى يكون السرد سردا إستباقيا ستقوم اليد بتفعيل نقلة، ليكون الفنجان نصف شفته على الماعون ونصف الشفة الثانية خارج الماعون .. ثم .. سيعاد الفنجان إلى حالة الأولى .
(*)
إذن السارد الأول مَن هو؟ مَن الذي سيجعل الفنجان يومىء بعلاماته كلها ؟ لن يكون هناك أي سارد قبل توفير أدوات الإشتغال فالبن وهو في كيسه كمنتوج صالح للبيع لا يساعدنا على أي قراءة سنجد الجواب في المفتاح الأخير من الرواية : المفتاح الذي يفترش ما قبل السطر الأول أعني الثريا الفرعية للفصل الأخير ( لولا الماء والنار أبكم هذا الفنجان ).. ولن يكون هناك سارد أول بلا حركية بشرية ولا يعني أن من يعد القهوة للشرب هو السارد الأول دائما .. كل ما يجري لحد الآن تحضيرات أساسية أولى لابد منها . السارد الأول هو ما تبقى في قعر فنجان القهوة المحتساة للتو، بعد قلّب الفنجان.. سيتحرك السرد حركيته الأولى وما بعد تخثر القهوة وقد أستقر الفنجان سيكون جاهزا بسرديته البنية .. ستكون لدينا صفحة بيضاء هي باطن الفنجان وسردية بنية ملغّزة مشفرة تفكيك ترسيمات الفنجان يتجاور مع فاعلية التأويل فالفنجان حمّال أوجه حسب كفاءة من تقرأه
(*)
الفنجان : حّيز مغلق / مفتوح
الفنجان : عمى / بصيرة /
هل يعتبر الفنجان من النصوص المفتوحة ؟ سأشرب فنجان وأسلمه ُ لقارئة الفنجان وستفكك شفيراته كلها وسأشعر هناك ثمة تفكيكات صحيحة، فأدخل غواية التكرار واشرب فنجان ثان وانوّيه( النية ) لي، وأقلّب الفنجان نحوي وأثبّت حافة فوهته وسط الماعون وبعد لحظات سيح بقية القهوة من الفنجان المقلوب والمائل في الماعون . ستلتقط القارئة الفنجان وتقرأه وستفكك شفرات أخرى لا يجانبها الخطأ فهي تراني ليس وجها لوجه بل عبر مافي قعر فنجاني / المتوازي مع المتخفى في ذاتي .. هناك سيكون الفنجان من النصوص المفتوحة وستكون القراءات تراسلات مرآوية بين الذات والقراءة من قبل الآخر وكل قراءة، لفنجان جديد لي، ستكشف حالة أو فعلا استباقيا في روزنامتي الخاصة . سينقلنا الفنجان من جوانية قعره إلى البراني المقروء والقعر هنا مرآة نفسي المحجوبة عني والمكشوف على قارئة الفنجان : المحجوب عني الفعل الأستباقي ومفاتيحه .. أو أقفاله .
(*)
تغيّب الأسماء في رواية كائنات البن.. ( اسم لاظل له .. لاظل للتسمية .. تسمية بتراء لاظل يظلها ../16 ) .. ينفتح الحوار حول الأسماء ولا ينغلق بل يؤجل وبشهادة شخصية غير مسماة تؤكد( لسنا بحاجة للأسماء../ 38 ) ربما يكون المعادل الموضوعي بطريقة أخرى : تعديد العنونة/ الرئيسة والفرعية : هذه الأتصالية ظاهرة للعيان وملموسة بلوامس فطنة القارىء وثمة تعددية في المقتبس الذي يستقبلنا وآخر في الإهداء
* ثريا النص تؤكد على كثرة الواحد : كائنات : كثرة ---------- البن : واحد
والكثرة عرضة لمتغيرات بالفعل وأخرى بالقوة . والمتغير الفعلي يكاد يتوارى لولا بقية الإصرار والمجالدة لدى نسوة الكهف وخارج الكهف . أما المتغير بالقوة فهي مخالب الخرافة المسلّحة بأحدث التقنيات والمؤيدة بأكتفاء ضمير العالم المتمدن بالفرجة على ماجرى من جرائم وأبادة في المدن العراقية المغتصبة ومجزرة سبايكر الدموية المبرمجة وهناك شبكة عنونة فرعية تترابط من خلالها فصول الرواية، وكل عنوان يتجاور مع خبرة الشاعرة في الروائية بلقيس خالد، كأننا أمام شبكة علاماتية من ( هايكوعراقي ) جديد يُضاف لتجربتها الريادية عراقيا وعربيا في تجنيس وكتابة ( هايكو عراقي ) في كتابها الشعري الثاني( بقية شمعة : قمري ) : ( لا تستطيع الانضمام إلى الصمت شمس النهار) ( صببت ُ قهوة ً في الفنجان : أشرقت الأشرعة ) ( على خطوط البن، امرأة تتعلم ثانية ) ( زهرة برية في دخان الأزياء ) ( بتلك العشبة : أقود جهات ٍ نحو بوصلتي ).. إلخ نلاحظ العنوانات تبث ضوءاً شعريا من تجاربها الشعرية في دواوينها الثلاثة . وللعنوانات الفرعية فاعلية ترشيد السرد.. ( كونها تقوم، عبر تجاورها الفضائي النصي، بوظيفة الحصر السردي، وذلك بغاية عدم ترك المجال لانفلات السرد داخل كل عنوان أو لوحة معينة../ 31- عبد الرحيم العلام )
تعددية المقتبس الممول ذاتيا يجسد التكاثر في الواحد
( مثل طفل ٍ رضيع
يتغير وجهه ُ
في كل ٍ ثانية ٍ
قدرنا )
التشبيه = بين القدر الجماعي والطفل في أيامه الأولى . وكلاهما من الواحدية : الطفل/ القدر لكن القدر يختزن الكثرة في داخله، وكذلك تعددية المتغيرات في طفل ..
وفي الإهداء يأخذ القدر صيغة ثانية يجسدها التصدي والكثرة هنا المرأة العراقية
( إلى عراقيات ٍ في التصدي ) وهنا أتصالية الخارج/ الداخل . خارج النص : مؤلفة النص
وداخل خارج النص هو : مناصة الإهداء.. ومثلما الكائنات كثرة فأن الحكايات تتوازن معها وبشهادة شاهد عدل له منزلة ومقام في السرد والحراك الثقافي العربي الروائي إسماعيل فهد إسماعيل ( هناك حكايا عديدة ساحرة تبقى متوارية في ثنايا نص ،، كائنات البن ) وبشهادته أيضا ( ..إني تفاعلت ُ مع النص وشاركتُ نسوته معاناتهن وخساراتهن . هناك شفافية رائقة تأخذ بخناق الواحد وهو يتابع قراءة النص ) ..
(*)
الكهف : رحمة / رحم ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا/ 10- الكهف ) وفي الكهف ستكون الولادة الثانية لأصحاب الكهف في السورة الكريمة بعد نومتهم الطويلة والكهف ملاذ إضطراري أي وجود وإنوجاد وموجود بالقوة وليس بالفعل
وإذا الكهف الأول بهوية ٍ رجولية إيمانية : أصحاب الكهف . فأن الكهف الذي أجترحته المبدعة بلقيس خالد ذات هوية نسوية وطنية عراقية، فالنسوة هنا في تضاد مع بربرية المعتدي الداعشي .. لذن بالكهف ولم يستسلمن للمعتدي، والكهف هندسيا هو ظاهر / باطن وللكهف في الرواية علاماتياته المكثفة التي تستحق إشتغالا نقديا خاصا والترسيمات التي في الكهف سيتم تحريكها بالأختلاف حول شفيراتها القابلة لتأويلات شتى والكهف هنا كأنه ممر ضيق مثنوي الانفاس : الرجال الوحوش / والنساء اللائذات منهم .. ومؤثرية العنف عليهن عمَّقت التماسك الأجتماعي والتضامن الداخلي والتكيف للتطورات الخارجية وكيفية التصدي الخفي، من خلال التناسق والتكافؤ فيما بينهن ...*/ العنف الاجتماعي – أسماء جميل
(*)
الفنجان والكهف كلاهما ينتسبان لضيق الحيز ولسعة الأمل نحو الفضاء المفتوح في تلك اللحظة العراقية البربرية الفتاكة .. والصوت الخفيض في التحاور يتساوق مع الضيق المثنوي لفضائيّ : الفنجان / الكهف . وهناك حيز من طراز آخر وهو حيز بصيغة ( مفردة بين قوسين ) .. وهنا الضيق / المتسع المتشكل من أرواح مجرات التكوين أعني ( صدى المكتبة ) ..
(*)
شخصنة الصوت / الصمت تتساوق مع إشتغالات مكونات الرواية .. وبتوقيت تخفيض الصوت بقوة مغناطيس الحجر والعتمة والرطوبة والظلام ستكون الصورة الاسم الثاني للصوت :
( كهف إلتصقت الأصوات على جدرانه .
من الأصوات : صورٌ تنهض .. تستبق والظلال )
نلاحظ : صوت / صمت --------------- صورة + صورة ظلية
في فصل آخر ( مرتعشة الظلال أمشي إلى ذاتي تنهض من الصور ضحكاتهم والأحلام المؤجلة ورائحة قهوة الصباح ورنين الأساور والأغنيات ) هنا كقارىء أكون مع صورة سردية مرّكبة منبثة من مخيلة ثرة التنوع وهذه الصورة السردية لها شروطها على مخيالي كقارىء. ضمن منطق وطوق الحالات والتحولات : فهو ( لايمكن أن يستوعب إلاّ إذا كان وعاء لتغيير وضع الأشياء والكائنات../ 151- سعيد بنكراد ).. والضيق ينصب فخاخه حتى في اللامتوقع .. كما جرى في محل الأزياء .. والضيق متوفر حتى في الفضاء المفتوح .. حتى في الشوارع العامة : فالضيق له سيادته المطلقة الموشومة بالوضر، وإذا كان الموت ضيقا لابد منه فهو أنظف من حياة ٍ مهددة بالنجاسات ( كن يحسدنها لأن الموت أختارها دونهن ) ..
(*)
الصمت – الصوت – الترسيمة – العين ولولا العين لما تمت قراءة الفنجان وللعين علاماتيات ثرة ( للعين خطاباتها : لامعة في الفرح .. متقدة جمرا في العزيمة، ذابلة وخفيضة في الانكسار .. ) ثم تنتقل الوظائف من العام إلى الخاص ( و.. بندولية الحركة حين أقرض بأسناني أظافري .. وأقف على رؤوس أصابع قدمي ) وهناك العين أثناء بياضها اليعقوبي- نسبة إلى النبي يعقوب - ( صارت العينان مفقوئتين : حين غابوا في الأقاصي .. ) ثم عطل العين المؤدي إلى عطل في اللسان
( ..لاجدوى من تشغيل الكلام : فالعين عاطلة عن الأحبة )
والعين بوظيفة سرد تنتسب للوظائف الكلية القدرة ( ما أوسعك ياعين ..!! )
*بك نرى الدنيا
*ونرى ما لايرانا
*العين شبكة تصطاد نبوءات الرؤيا والحلم
*في عين المقتول نرى القاتل
للعين تفردها الواحدي المطلق ( لابصمة تتوائم ولا عين تتوائم ) .. العين : سرد الموتى ومشروطية الموت نطيعها كلنا ( العين : كتاب الميت ؟ إذن علينا غلقها .. ؟ ).. إذن العين من خلال ثرائها ومن خلالها تموضعها في الوجه تنتسب : للضيق / للوسيع .
(*)
العلاماتية هي حبر رواية ( كائنات البن ) وترسيمتها ( البن خرائط مسردتي /99 ) .. والبن عاطل بشهادة أثنين من شهود العدل ( لولا الماء والنار أبكم هذا الفنجان /96 ) مابين القوسين لايشتغل على عنونة فرعية لفصل من فصول الرواية المشعرنة سردها فقط .
.. مابين القوسين: المعلن من العناصر الأربعة وحين نلفظهما سنلفظ أربعة وليس أثنين ( الماء، النار، التراب، الهواء ) فمن الليّن المطمئن والملجوم في البيوت ومن الشبقية الملجومة في عين زرقاء سنصوغ مفتاحا لقفل القهوة ثم يتسايل المفتاح في الفنجان .. ثم يسيح من خلال الحركة المقلوبة للفنجان .. هذه الحركة المتباطئة لسيحة بقية الفنجان : هي نفسها تفترش الفضاء الورقي للمطبوع .. وتباطىء الحركة يمكن صياغتها عين الكاميرا يحملها فعل السرد ليبأر الحدث الروائي ويطوقه بالضروري المقتصد سردا ورشاقة والعلاماتية سيادتها شبه مطلقة وهذه السيادة تختزن علاماتيات شتى في داخلها . على مستوى ثان ٍ نلاحظ أن ّالكلام : صائم .. عاطل .. معطل .. عقيم .. الكلام مصادر.. مجتث.. صادرده المحذوف من مدار أدبية النص المكتوب بشعرية مسردنة، شهية الكلام بين الشخوص ممحوة .. ثمة شافطة بربرية أنتزعت الكلام وغير الكلام من كائنات النص في الراوية، ماجرى في العراق أشرس من كابوس وخارج الأطر .. دويلة بريرية في وطن مذبوح بتواطأت عالمية وجوارية وحثالات في مؤسسات الدولة وأذنابها في مجاري شوارع المدن .. إذن الصدق مع الذات يلجم الكلام والثرثرة حين نؤمن أن ليس كل ماهو واقع : هو حقيقي . فالواقع هو باطل الأباطيل ضمن سياق النص المتصل بسياق الوطن المخرّب الذي أصبح عرضة للتفريط والأذى والفرجة العالمية بلا إستثناء، ولنرتل جميعا مَن هو داخل النص ومَن يدخل النص قارئاً ( لافرق بين الغرائبي الذي مسخ حياتنا وبين الواقع المتراجع في شبحيته .. كل حرب لها أشباحها الذين يطوفون في كل الأمكنة والأزمة نسمع حركتهم في أبواب الغرف والبيوت .. /99 ) ..
(*)
العين بمثابة شخصية روائية : 8/16/39/51/55/60 / 61/64/ 67/ 89/ 96
(*)
( لا أدري ثمة حركة مريبة في المكان رأينا ظلالا و.. لا يوجد سوى ... أشباح تتحرك !!/ 18- ) لاتقتصر الشبحية على فصل ( زهرة برية في دخان الأزياء ).. ( تلفت الفتاة حولها كانت وجوه النسوة مثل اشباح ../67 ).. الشبحية والظلال والصور الظلية تتكاثر وتنشطر أصوات ٍ مبهمة ومخيفة على سعة الفضاء الروائي لكائنات البن.. ( يقولون ان الاشباح تسكن البراري والكهوف والجثث والقبور والخرائب ونحن تجاسرنا على ممالكهم ../62 )
للذئاب عواءات وللنسوة أمنياتهن السود فهناك من تتمنى الموت وغيرها تتمنى أن لا تكون ولدت في هذا المكان / الفخ ( تمنين الموت.. كن يحسدنها لأن الموت اختارها دونهن..كن يتوسلن ..ولم يكترث لهن : الموت /59).... شبحية الكينونات نتاج مؤثرية صدمة الخرافة المسلّحة بتقنيات العولمة المتساندة فيما كل الأصعدة.. لذا يكون الكلام عاطلا عن الإيصال/ التواصل .. وتتهشم الذوات ويتراكم هشيمها في بئر معشوشبة ..
(*)
لاشيء سوى اللون البني بعتمته الأشد بلاغة من سواد السواد، وبأتزانه الذي لامثيل له بين الألوان . في غلاف الرواية الفضاء الروائي الأبيض الموجود محض فاصلة غير موسيقية . ربما يتقشر عن دعوة لدى قارىء نوعي، فيكتب هذا القارىء قراءته في مجسرات البياض وحيزاته ويطلق الأسامي التي يحبها على الكائنات السردية ربما.. كل ذلك مساج جمالي ( تطل وجوه .. لتزيل تجاعيد الحاضر /99 ) بشهادة الشاعرة مؤلفة الرواية بلقيس خالد.. وكل هذا صحيح جدا.. ( فإن العمل الأدبي هو التعبير الوفي عن تجربة ما مرّبها المؤلف ويتمنى أن يشاركه إياها آخرون غيره ../175- تيري أيغلتون ) الشاعرة التي حاولت الرواية، لم تذهب إلى مسرح الجريمة، لكنها مثل أغلب العراقيات تجرعت مرارات حروب وتابعت كل ما يجري حسب طاقتها، وكدست الواقع والوقائعي المدوّن والمرئي في سلالها، ثم نضدّت كل ذلك في لوح السرد بالشطب والتثبيت ..
(*)
المتخيل في رواية كائنات البن : في إطار التوقعات العراقية.. فالمتوقع صار ممكن الحدوث على مدار الساعة.. ورواية كائنات البن قامت بترجمة اللحظة العراقية في اجتياح الموصل، ترجمة روائية مشعرنة سرديا .
(*)
كل ماكان في الرواية هو مخاض عسير في ملاذ أضطراري ( عليك أن تلدي، بصمت، صمتك ِ ولادة كبرى . لا.. لا ترفعي صوت َ أنفاسك ِ.. حسُبك ِ الصمت . كل شيء سيكون على مايرام ..) .. هذه اللحظة هي خلية السرد الموقوتة في رواية ( كائنات البن ) وستقوم شعرية السرد بتشظيتها على مدى (99) صفحة من الحجم المتوسطة .. ولنقشّر هذه الخلية تقشير وردة جوري ماتزال في طور( الجمبدة ) :
*هص ..أص ..أص /ص8 : نلاحظ أن الجملة الأولى في السطر الأول من الفصل الأول يبدأ بقمع الصوت
*عليك أن تلدي بصمت / وهذا هو الصعب والمستحيل !! أي امرأة لها هكذا طاقة، عليها أن تصمت وهي على شفا حفرة الصمت الأبدي !! والصوت بل الصريخ ضرورتها الفيزيولوجية ؟!
*صمتك ِ ولادة كبرى / : إذن هناك ولادتان : صغرى/ كبرى : ولادة الجنين هي الصغرى وهذه الولادة هي الحد الطبيعي . أما الولادة الكبرى فهي الولادة بحدها المجازي بدلالته المكتنزة .
*الصمت ُ .. يقلق السمع َ يربكه : فيختص ويختض / إذن للصمت استعمال ثان هي أقلاق المتلقي
*الصمت ..ينتزع الثقة بالحياة/ هنا نكون مع الأستعمال الثالث للصمت وهو الأشد قوة ً
ثم ينتقل الصمت من الأستعملات إلى جماليات الاستعارة مرتين
*... ضجيج ٌ يحجب الرؤية
*الصمت : عمى الأذنين
للصوت/ للصمت : سيادة متناوبة في الفضاء الروائي لكائنات البن ويمكن تقديم فهرست بهذا الخصوص وبالتالي الأشتغال عليه : 8/ 9/10/ 13/14/31/42/79/88/95/96/
(*)
الشاعرة بلقيس خالد، ماتخلت عن عرشها الشعري، مرضاة للسرد، بل مشت خطوتها الروائية محفوفة بحشدٍ من شعرية المسرود وشعرية ثريا النص/ عنوان الرواية وكذلك شعرية العنوانات الفرعية وهي سلالمنا إلى أفضية الرواية .
*وجيز هذه المقالة/ منشور في صحيفة طريق الشعب : الأول من تشرين الثاني 2017
*بلقيس خالد/ كائنات البن / دار المكتبة الأهلية/ طُبع في بيروت/ 2017
*عبد الحق بلعباد/ عتبات ،،جيرار جينيت من النص إلى المناص،، /الدار العربية للعلوم ناشرون/ط1/ 2008
*أسماء الجميل/ العنف الاجتماعي/ دار الشؤون الثقافية/ بغداد/ 2007
*عبد الرحيم العلام/ من يحكي الرواية ؟/ دار العين للنشر/القاهرة/ 2013
*تيري أيغلتون/ كيف نقرأ الأدب / ترجمة محمد درويش / دار العربية للعلوم ناشرون/ بيروت/ 2013