تَـــنــاوُباتٌ

2011-09-04

الشمسُ التي غابتْ لم تُـتِممْ ساعتَينِ . ربما لأننا لم نَـعُـدْ نهتمُّ بأنفسِنا . الشمسُ التي غابتْ لم تَقُلْ : وداعاً . ليس لأنها لن تعود . نحن قد لا نعود إليها وإلى النافذة المخطّطةِ بالستارة المعدنية.
ومن الغابةِ التي استضافتْ عاصمةً ، سوف يدخلُ ارتجاجٌ من قطاراتٍ سريعةٍ . قطاراتٍ ترمي بنا إلى حيثُ لا ندري أو نريدُ . ليس في الحقيبة التي تحمل رسمةَ حيوانٍ مفترِسٍ زادٌ أو قصيــدةٌ .
ً


الأخضرُ بنُ يوسفَ ، الجالسُ كالمقرورِ في غرفتِهِ ، في طرَفِ استكهولْمَ ، لايعرفُ ما معنى الجلوسِ الـمَحْـضِ.
حيناً يرتدي ما كان يوماً دِرعَه : بُرنُسَــه الصوفَ ، وحيناً يسألُ البائعةَ الحسناءَ أن تُلبِسَــه شالاً من الكشميرِ . لكنّ ثيابَ الأخضرِ الجالسِ في الغرفةِ ليستْ كالثيابِ . الأخضرُ الجالسُ يُلقي دُفعةً واحدةً كلَّ الذي
كان له ... أو ربّما ... كان عليهِ . الأخضرُ ، الآنَ ، طليقٌ مثلَ ما كانَ . ولن يجلسَ مقروراً هنا في غرفةِ استكْهولم.

البحرُ ليس بعيداً . البحرُ قريبٌ كالغابةِ . البحرُ قريبٌ من رئاتِنا التي أثقلَها استنشاقُ الرملِ المسمومِ .
لن نبحثَ عن السمكةِ الذهبِ . لن نبحثَ عن صندوقِ الـمُســافرِ. لن نبحثَ عن اللؤلؤ . نحن
أسرى سلالةٍ تنقرضُ . نحن السّلالةُ التي تنقرضُ . أمسِ على الشاطيء الذي لم يَعُدْ فيه قراصنــةٌ
كانت قِطَعُ الثلجِ الطافيةُ تحملُ ما لم يَـعُدْ يترقرقُ تحتَ قمصاننا : الشمسَ التي تُفْرِزُ قوسَ قُزَح.

الأخضرُ بنُ يوسفَ ، استنشَــقَ ، في غرفتِهِ التي غابت تماماً ، ضوعَ غصْنٍ صندَلٍ . نفحةَ نَدٍّ ...
هَـفّـةً من ثوبِ مَنْ كان أحَبَّ . الأخضرُ استعملَ ما كانَ يُداريهِ قديماً : أن يَرى في لحظةٍ خاطفةٍ
ما لا يُرى . فـلْـيتركِ الغرفةَ واستكهولمَ ، والمبنى ، وهذا البحرَ ، والغابةَ ، والثلجَ الذي يطفو ...
ليخرجْ مرّةً واحدةً من جِلْــدِهِ ، ولْـيَـندفِــعْ في لُـجّــةِ الثورةْ !

استكهولم 05.04.2011

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved